وقفة مع حديث (1)

«مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ»

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
 

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ» (أخرجه مسلم في الصحيح؛ كتاب الإيمان: باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان).



فالمراتب للجهاد كما يُفهم من الحديث على النحو التالي:

الأول: جهاد بالقلب



ومعنى جهاد القلب: وذلك راجع إلى مغالبة الهوى، ومدافعة الشيطان، وكراهية ما خالَف حدود الشرع، والعقد على إنكار ذلك، حيث لا يستطيع القيام في تغييره بقولٍ ولا فعل.

وهذا الضرب واجب على كل مسلم إجماعًا، وهو مما يتناوله قوله تعالى: {جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج من الآية:78]، وقوله سبحانه: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت من الآية:6]، وقوله سبحانه: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ} [النازعات:40].

الثاني: جهاد باللسان



وذلك كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وزجر أهل الباطل، والإغلاظ عليهم، وما أشبه ذلك؛ مما يجب إبراء القول فيه.

وهذا الضرب واجب على المكلَّف بشروطٍ، منها:

1- أن يكون عالِمًا بطرق الإنكار، ووجه القيام في ذلك، من الترفق تارةً، والغلظة أخرى؛ بحسب المنكر في نفسه، والأحوال التي تَعترِض، فإن لم يكن كذلك، لم يجب، بل قد يُحرَم عليه القيام؛ لأنه ربما وقع في أشد مما أنكر.

2- ومنها: أن تكون له قوة في نفسه، وحالة يأمَن معها أن يُسطاع ذلك، فإن لم يكن كذلك لم يجب عليه، لكنه إن فعل صابرًا محتسبًا قيامه في ذلك عند الله عز وجل، صح، وكان مأجورًا.

قال الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة من الآية:207]، وقال تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان من الآية:17].



3- ومنها: أن يرجو في قيامه كفِّ ذلك المنكر وإزالته، فإن أيِسَ من ذلك، فقد قيل: "لا يجب عليه أيضًا إلا تبرعًا".



والأظهر عندي في هذا الوجه: "أنه يجب عليه القول، وإن كان يائسًا من كف ذلك المنكر؛ لأن الإنكار أخص فريضة، لا يسقطه عدم تأثر المنكر عليه".

الثالث من الأنواع، جهاد باليد:



وهو أنواع:



1- منه؛ ما يرجع إلى إقامة الحدود... ونحوها؛ من التعزيرات، وذلك إنما يجب على الولاة والحكام.

2- ومنه: ما يدخل في باب تغيير المنكر؛ وذلك يجب حيث لا يُغني التغيير بالقول، وعلى الشروط التي قدَّمنا في حق القائم في ذلك، والقيام فيه بحسب الأحوال، وتدريج الانتقال.



3- ومنه: قتال الكفار، والغزو ومقاتلة أعداء الإسلام، وكذلك جهاد الدفع عن حُرمات المسلمين ومقدساتهم، والقتال لإعلاء كلمة الله سبحانه، دون تعديٍ واعتداءٍ وإسرافٍ في سفك الدماء وإزهاق الأرواح.



4- وهناك أيضًا ما يُسمَّى جهاد طلب؛ لتبليغ الدين ونشره، وإعادة مكانة الأمة الإسلامية وسيطرتها.



ــــــــــــــــــــــــــ



المرجع: (الإنجاد في الجهاد، بتصرُّف للفائدة).
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام