الظلم

محسن العزازي

صفة حرمها الله تعالى على نفسه، وجعلها بين العباد محرمة؛ فهي كفيلة بإهلاك العباد ودمار البلاد، فجلبها فساد حتمي، ودفعها واجب شرعي، صفة ذمتها الشرائع السماوية، وتأنفها النفوس السوية فما هي؟

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -


صفة حرمها الله تعالى على نفسه، وجعلها بين العباد محرمة؛ فهي كفيلة بإهلاك العباد ودمار البلاد، فجلبها فساد حتمي، ودفعها واجب شرعي، صفة ذمتها الشرائع السماوية، وتأنفها النفوس السوية فما هي؟

 

إنها صفة الظلم.

 

روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»

 

فما الظلم؟

الظلم كما قال أهل العلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، وقيل: أن الظلم هو الانحراف عن العدل.

 

درجاتُ الظلم:

 

كلما خاض المرء فى الظلم وحاد عن العدل صعب علية الرجوع إلى الحق قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:60]، فمتى أمعن الشيطان في إبعادهم عن الحق صعُب عليهم حينئذٍ الاهتداء، ومن كان إلي الحق أقرب كان الرجوعُ إليه أسهل، ومن ثًم فليحذرْ الظالم المبتدئ من التمادي في الوحل حتى يُعطى لنفسهِ فرصة الرجوع إلى الحق.

 

الظلم نقص لا يليق بكمال الله تعالى، ولا يليق بمن اصطفاهم من خلقة: قال تعالى نافياً الظلم عن نفسه جل شأنه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ} [فصلت من الآية:46]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس من الآية :44]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء من الآية:40]، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص من الآية:59] أي لم أهلكهم إلا وقد استحقوا الهلاك لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ. وَفِي هَذَا بَيَانٌ لِعَدْلِهِ وَتَقَدُّسِهِ عَنِ الظُّلْمِ.


والأنبياء والمرسلون ينأون بأنفسهم عن الظلم،  فيُخبرُنا المولى تبارك وتعالى عن آدم عليه السلام: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]، وموسى عليه السلام إذ قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:16]، ويونس عليه السلام: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].


ومحمد صلى الله عليه وسلم عن أَبِي سَعِيدٍ ألخدري رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَلْقَاهُ عَلَى خَلَاءٍ، فَيُبْدِي لَهُ حَاجَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ عَرَضَ لَهُ الرَّجُلُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، قَالَ: «دَعْنِي فَإِنَّكَ سَتُدْرِكُ حَاجَتَكَ»، فَأَبَى، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يَحْبِسَهُ خَفَقَهُ بِالسَّوْطِ خَفْقَةً، ثُمَّ مَضَى، فَصَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةَ، فَلَمَّا انْتَقَلَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْقَوْمِ وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي جَلَدْتُهُ آنِفًا؟» فَأَعَادَهَا «إِنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ فَلْيَقُمْ»، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ بِرَسُولِهِ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ادْنُ مِنِّي» حَتَّى دَنَا مِنْهُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَنَاوَلَهُ السَّوْطَ، وَقَالَ: «خُذْ بِجِلْدَتِكَ فَاقْتَصَّ مِنِّي»، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَجْلِدَ نَبِيَّهُ. قَالَ: «خَذْ بِجِلْدَتِكَ فَاقْتَصَّ مِنِّي لَا بَأْسَ» ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَجْلِدَ نَبِيَّهُ.قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَعْفُوَ»، فَأَلْقَى السَّوْطَ، وَقَالَ: قَدْ عَفَوْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مُؤْمِنًا، إِلَّا انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 

أنواع الظلم:

 

قال بعض الحكماء الظلم ثلاث:

 

1-  ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان من الآية:13]، وإياه قصد بقوله تعالى {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود من الآية:18].


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ».

قال تعالى عن حال المشركين مع معبوديهم يوم القيامة: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97-98].

 

2- والثاني ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]، ويقول {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42]، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: "إِنْ لَقِيتَ اللَّهَ تَعَالَى بِسَبْعِينَ ذَنْبًا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْ تَلْقَاهُ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْعِبَادِ".

 

وصوره كثيرة وعاقبته وخيمة ومنها:

  • ظلم الحاكم للرعية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أمير عشرة إلّا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكّه إلّا العدل أو يوبقه الجور» ( أحمد (2/ 431)، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: صحيح (18/ 64) حديث (9570))، عن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: مرّ بالشّام على أُناس، وقد أُقيموا في الشّمس، وصُبّ على رؤوسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج، فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا» (مسلم (2613) واللفظ له وأبو داود (3045))، وَقَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْمُلُوكِ: "الْعَجَبُ مِنْ مَلِكٍ اسْتَفْسَدَ رَعِيَّتَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عِزَّهُ بِطَاعَتِهِمْ"، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "الْمُلْكُ يَبْقَى عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يَبْقَى عَلَى الظُّلْمِ"، وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: "لَيْسَ لِلْجَائِرِ جَارٌ، وَلَا تَعْمُرُ لَهُ دَارٌ".
  • غضب الأرض: حدث أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»، (شرح النووي على مسلم (50/11))
  • مماطلة من له عليه الحق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الظُّلْمُ مَطْلُ الْغَنِيِّ» (ابن ماجة ص(1962)، صححه الألباني).
  • منع أجر الأجير: عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... ورجل أستأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»، (البخاري برقم (2270).
  • الحلف كذباً لاغتصاب حقوق العباد: عن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرئ  مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النّار، وحرّم عليه الجنّة»، فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله. قال: «وإن قضيبا من أراك» (مسلم (137)).
  • قتل النفس التى حرم الله بغير حق: قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33].
  • ظلم الزوجة :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل» (أبو داود (2133)، واللفظ له، والترمذي (1141)، والنسائي (7/ 63)، وابن ماجة (1969)، وأحمد (2/ 347) قال الحافظ: سنده صحيح (3/ 340). انظر: سبل السلام، شرح بلوغ المرام).

 

3- والثالث ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ} [فاطر من الآية:32]، وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نفسي} [القصص من الآية:16]، وتتمثل فى  تقصيره في أوامر الله، وفي ارتكابه لنواهي الله التي لا يتعلق بها أمر مخلوق من الناس، فهذا الظلم هو الذي يقول الله جل وعلا فيه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:116]، فتبين الآية الكريمة عاقبة الظلم بين العبد والله سبحانه وتعالى وهذا الظلم لا يغفره الله تعالى، وآخر ظلم الناس بعضهم البعض وهذا الظلم مرهون برد المظالم إلى المظلوم، وظلم بينه وبين نفسه وهذا متروك لله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وقيل هذه الثلاث ظلم للنفس فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه.


النهى عن الظلم والتحذير منه:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قال القاضي: قيل: هو على ظاهره؛ فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد، وبه فسروا قولَهُ تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام من الآية:63] أي شدائدهما ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.

 

فتذكر أيها الظالم قول الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}، [إبراهيم:42-43]، {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:277].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: «الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ  خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»، وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». يَعْنِي لَا يَنْجُو، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].


وأبشر أيها المظلوم بنصر من الله في الدنيا والآخرة، فتوجه إلى الله بشكواك، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل من الآية:62]، روى بن ماجة عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»، واعلم أن الله لا يقبل الظلم ولو على الكافر، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ»، وَفِي كِتَابِ الشِّهَابِ: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»، وعن أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَمِ كَافِرٍ».

 

بل إن دعوة المظلوم سريعة الإجابة، قال تعالى:{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر10-13].

 

قال الشاعر:

 

أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ يُوسُفَ أُسْوَةٌ *** لِمِثْلِكَ مَحْبُوسًا عَلَى الظُّلْمِ وَالْإِفْكِ

أَقَامَ جَمِيلَ الصَّبْرِ فِي الْحَبْسِ بُرْهَةً *** فَآلَ بِهِ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ إِلَى الْمُلْكِ

 

وقال الشاعر:

 

لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم

نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم

 

قال صالح بن عبد القدوس:

 

وأحذر من الظلوم سهما صائبا *** واعلم بأن دعاءه لا يحجب


وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ:

 

أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ صَرْعَةُ الظَّلُومِ *** وَأَنْفَذُ السِّهَامِ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ

 

إعانة الظالم ظلم:

 

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129]، وقال الله تعالى: {احْشُروا الَّذينَ ظَلَمُوا وأَزْواجَهُمْ} [الصافات من الآية:22]، يعني وأشباههم وأعوانهم، فقال الثوري رحمه الله: يقال يوم القيامة ليقم ولاة السوء وأعوانهم، قال: فمن لاق لهم دواة أو بَرى لهم قلماً أو حمل لهم لبداً أو أعانهم على أمر فهو معهم، وجاء رجل إلى ابن المبارك فقال: إني خياط وربما خطت شيئاً لبعض وكلاء السلطان فماذا ترى أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لست من أعوان الظلمة بل أنت من الظلمة إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الإبر والخيوط.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا رأيتم أمّتي تهاب الظّالم، أن تقول له إنّك أنت ظالم فقد تودّع منهم» (رواه أحمد (2/190)).

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: "مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا عَلَى ظُلْمِهِ، أَوْ لَقَّنَهُ حُجَّةً يَدْحَضُ بِهَا حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، فَقَدْ جَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ وِزْرُهَا".

 

وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: "مَنْ أَجْهَلُ النَّاسِ؟" قَالَ الْأَحْنَفُ: "مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ"، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: "أَلَا أُنَبِّئُكَ بِأَجْهَلَ مِنْ هَذَا؟" قَالَ: "بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ" قَالَ: "مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ".


وقد جاء في الخبر: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحبَّ أنْ يعصي الله عزّ وجلّ،

وفي الحديث: أنّ الله ليغضب إذا مدح الفاسق، وفي خبر آخر، من أكرم فاسقاً فكأنما أعان على هدم الإسلام.


وفي سنن النسائي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ، فَقَالَ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ»، وفي سنن ابو داوود عَنْ بِنْتِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ أَبَاهَا، يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْعَصَبِيَّةُ؟ قَالَ: «أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخو المسلم، لا يظلِمُه ولا يَخذُلُه، ولا يَكذِبُه، ولا يَحقِرُه»، هذا مأخوذٌ من قولِهِ عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات من الآية:10].

فإن الأخ من شأنه أن يوصل إلى أخيه النفع ويدفع عن الضرر وأعظم الضرر الذي يجب كفه الظلم، فإنَّ المؤمنَ مأمورٌ أن يَنْصُرَ أخاه، كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «انصُرْ أخاكَ ظالِمًا أو مظلومًا» قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، أنصُرُهُ مظلومًا، فكيفَ أنصرُهُ ظالمًا؟ قالَ: «تمنعُه عَنِ الظلم، فذلكَ نَصْرُك إيَّاهُ».


وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: «ما مِنْ امرئٍ مسلمٍ يَخذُلُ امْرءًا مُسلمًا في موضعٍ تُنتهكُ فيه حُرمتُه، ويُنتقصُ فيه من عِرضهِ إلا خذلهُ اللَهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتهُ، وما من امرئٍ ينصُرُ مُسلمًا في موضع يُنتقصُ فيه من عِرضِهِ، ويُنتهكُ فيه من حُرمتهِ إلا نصرَه اللَّه في موطن يُحبُّ فيه نُصرتَهُ» ( صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 5690)

 

وخرَّج الإمامُ أحمد من حديثِ أبي أمامةَ بنِ سهلٍ، عن أبيهِ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ أُذِلَّ عندهُ مؤمنٌ فلم ينصُرْه وهو يَقْدِرُ على أنْ ينصُره أذلَّهُ اللَّهُ على رءوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ»، وخرَّج البزارُ من حديثِ عمرانَ بنِ حُصينٍ، عن النَّبيَ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نصرَ أخاهُ بالغَيبِ وهو يستطيعُ نصرَه نصرهُ اللَّهُ في الدنيا والآخرةِ».

 

وَذُكِرَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: أُتِيَ بِسَوْطٍ إِلَى رَجُلٍ فِي قَبْرِهِ، بَعْدَمَا دُفِنَ، فَجَاءَاهُ، يَعْنِي مُنْكَرًا وَنَكِيرًا، فَقَالَا لَهُ :إِنَّا ضَارِبَاكَ مِائَةَ سَوْطٍ فَقَالَ الْمَيِّتُ: إِنِّي كُنْتُ كَذَا وَكَذَا، فَتَشَفَّعَ حَتَّى حَطَّا عَنْهُ عَشْرًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بِهِمَا حَتَّى صَارَ إِلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

فَقَالَا: إِنَّا ضَارِبَاكَ ضَرْبَةً فَضَرَبَاهُ وَاحِدَةً فَالْتَهَبَ الْقَبْرُ نَارًا، فَقَالَ: لِمَ ضَرَبْتُمَانِي؟ فَقَالَا: مَرَرْتَ بِرَجُلٍ مَظْلُومٍ فَاسْتَغَاثَ بِكَ فَلَمْ تُغِثْهُ، فَهَذَا حَالُ الَّذِي لَمْ يُغِثِ الْمَظْلُومَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ الظَّالِمِ.


عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ وليدة كانت سوداء لحيّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبيّة لهم عليها وشاح أحمر من سيور. قالت: فوضعته أو وقع منها فمرّت به حديّاة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه قالت: فاتّهموني به. قالت: فطفقوا يفتّشون حتّى فتّشوا قبلها. قالت: والله إنّي لقائمة معهم، إذ مرّت الحديّاة فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الّذي اتّهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد، أو حفش. قالت: فكانت تأتيني فتحدّث عندي. قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلّا قالت:


 

ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا *** ألا إنّه من بلدة الكفر أنجاني