شروط البيع في الاقتصاد الإسلامي

حامد بن عبد الله العلي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -


اقرأ الحلقة السابقة من سلسلة تيسير أحكام البيوع >>>> أسباب تحريم البيوع في الشريعة

1 - شرط الرضا

فلا يصح البيع إلا عن تراض بين الطرفين ، قال تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ، ولكن ، كيف يتحقق شرط التراضي بين المتعاقدين هنا ؟؟

  *** للعلماء ثلاثة أقوال في تحقيق شرط الرضا في البيع ، وهذه المسألة مهمة ، لأنه قد جدت كثير من  النوازل في هذا الزمان التي تتعلق بهذه المسألة ، فأنت مثلا تضع النقود في آلات بيع المرطبات فتخرج لك ما تريد ، فهل حصل هنا تراض بين البائع والمشتري ؟ وأيضا أنت تشتري عن طريق بطاقة الفيزا في الإنترنت ، فهل حصل هنا تراض ؟

***للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

 أ : أن التراضي لا يحصل إلا بالقول ، أي بالإيجاب والقبول ، وهذه مشكلة في زماننا ، لأن بعض المعاملات المالية الضخمة تجري في البورصة مثلا بلا إيجاب ولا قبول لفظي ، بل عن طريق الحاسوب في شبكة عالمية دولية ، بوسائل لها قوة الإيجاب والقبول اللفظي بل أقوى منه وأوثق .

 ب : أن التراضي يكون بالقول في الأصل ، ويجوز بالفعل في الأمور التي يكثر عليها التعاقد ، وهذا تسامح من بعض الفقهاء من أصحاب القول الأول  ، ومثال ذلك أن تعطي الخباز النقود فيعطيك الخبز وكلاكما صامت ، وأن تركب سيارة أجرة والتعرفة معلومة فتدفع وأنت صامت ، وكذا ما سبق عن آلات بيع المرطبات ، فمثل هذا يسميه الفقهاء المعاطاة ، ويقولون هؤلاء إن ما كثر التعاقد عليه من الأمور الحياتية اليومية يصح البيع فيها بالمعاطاة ، ولا يشترط الإيجاب والقبول اللفظي .

ج : أن التراضي يكون بكل ما يدل عليه من قول أو فعل ، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيميه ، وكان شيخ الإسلام ذا شخصية عبقرية ، وقد كان دائما يسبق الأحداث ، فكأنه كان يعيش خارج عصره .

*** ومن الأمثلة على ذلك ،  التعاملات عن طريق البورصة كما سبق ، حيث تقع  في لحظات بل ثوان ، بنظام متفق عليه بين الشركات والمتعاقدين  يدل على الرضا ، فهي كلها صحيحة لا إشكال فيها ، وقد دخل في هذا الحكـــــم ـ أعني صحة البيع بالمعاطاة في كل ما يدل على الرضا من قول أو فعل ـ  كل ما يأتي الزمان به مستقبلا من صور قد نجهلها الآن .

ولكن يجب أن يسبق هذا اتفاق بين الشركات وبين البائع والمشتري على نظام محدد يعبر عن الرضا ، كرقم الفيزا على الإنترنت الذي يعبر عن صاحبه ، ولو لم يكن راضيا لم يضع رقمه عند شراء السلعة ، وفي بعض المعاملات قد تعطي هذا الرقم على الهاتف معبرا عن الرضا ، وهكذا ، فالمهم أن يكون ثمة وسيلة ما تحقق هذا الشرط بين المتعاقدين ، ولا يشترط الإيجاب والقبول اللفظي .

 

2 - شرط الرشد :

ـوالعلماء يستثنون من اشتراط  الرشد  ، بيع المميز في الأمور التي جرى العرف عليها ، مثال ذلك : لو قال ولد مميز لأبيه : أنا بعت بيتنا لفلان ، فهذا لا يصح ، ولكن إذا باع الحلويات في بقالة أبيه فهذا حسب العرف يصح .

 والسفيه ليس براشد  فلا يصح بيعه ، والسفيه هو الذي يتصرف في ماله بطريقة تدل على أنه غير راشد فيحجر عليه ، والحاصل أنه يجب أن يكون التعامل بين طرفين راشدين ، فإن قيل فكيف بالتعامل مع الآلة ، وكيف يتحقق شرط الرشد فيها ، والجواب أن التعامل هنا في الأساس مع الشركة التي وضعت الآلة ، وليست الآلة سوى وسيلة للقبض فقط .

 

3 -  الشرط الثالث أن يكون المبيع مالا :

والمال هو كل ما شرع الإسلام بأنه مال مباح يجوز تملكه ، فكل محرم في الإسلام هو غير محترم ، وليس بمال ،  ولا يجوز التعاقد عليه  وحتى لو  كسرته أو أرقته لا تضمنه شرعا ، لأنه لا قيمة له كالآلات الطرب ، واشتراط أن يكون المبيع مالا ، قضية مهمة جدا في المعاملات المعاصرة .

 ومن أمثلة ذلك :

  • بيع الأعضاء البشرية ، وهو الآن سوق رائجة ، وله شركات عالمية تبيع وتشتري في الدول الفقيرة ولكل سلعة سعر ، فهل يصح هذا ؟؟ والصحيح أنه لا يصح لأن الأعضاء ليست مالا بل هبة من الله لك .

ولكن هنا مسألة مهمة , هي أنه قد عرض على هيئة كبار العلماء في السعودية قضية شراء الجثث للتعلم في الطب ، وهي ضرورة ملحة ، وهذه المسألة من النوازل ، ولهذا فلا بد من وجود علماء في المسلمين ، يكون لديهم إحاطة بأمرين مهمين :

الأول :  القواعد الشرعية العامة التي أطر الشريعة الإسلامية .

الثاني :  النصوص  .

ذلك أنه فهم النص في سياق القواعد الشرعية ، يختلف عن فهمه مقطوعا عن ذلك ، فالأول يثمر الفهم الصائب ، والثاني يثمر فهما خاطئا .

فكانت الإجابة من كبار العلماء بأنه لا يجوز شراء جثة المسلم ولا استعمالها في التعليم لحرمة المسلم ، بينما يجوز استعمال جثة الكافر للتعليم من باب ارتكاب أخف الضررين ، وهذه فتوى صحيحة ، فالكافر ليس له حرمة المسلم .

 

§     ومن الأمثلة على ذلك أنه لا يجوز بيع الدم لأنه نجس  فهو ليس بمال ، ولا الكلب لأنه محرم والمحرم ليس بمال ، وقيل يجوز ،  إن جاز استعماله

 

4- الشرط الرابع : أن يكون المبيع ملكا للمشتري :

وهنا مسألة  قد عمت بها البلوى  ، لها علاقة بهذا الشرط ، وهي أن لدينا كثير بل أكثر الناس سياراتهم ، بل بيوتهم ، وغيرها ، قد اشتروها عن طريق المرابحة في بعض البنوك الإسلامية.

والمقصود هنا ، أن بيع المرابحة ، أعترض عليه بأنه قد تخلف فيه شرط ملك البائع لما يبيعه ـ وهو البنك الإسلامي ـ  وأنه لا يجوز له بيع ما لا يملكه .

ومثال ذلك : لو جاءك شخص وقال أرغب بشراء سيارة صديقك ، فقلت له بعتك ، ناويا أنك تشتريها من صديقك ثم تبيعها عليه ،  وقال اشتريت ، فهذا عقد باطل ،  لأنه قد يأتي صاحب السيارة فيرفض بيعها لك ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا البيع قائلا ( لاتبع ما ليس عندك ) [رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه   ] .

فهل بعض البنوك الإسلامية ،  عندما تبيع سيارات أو سلع الشركات الأخرى ، هل هو يبيع ما يملك ،  وما  ليس عنده ؟.

ومن المعلوم أن العميل عندما يأتي إلى البنك الإسلامي ليشتري سيارة مثلا ، يقول له البنك الإسلامي  : أنا أبيعك ، ويقصد بذلك أنا أبيعك  ما تختاره من السيارات الموجودة في الشركات التي في السوق ،  ولكن من أين يأتي بها ؟ وهل هو يبيع ما يملك ؟

وقد حاول بعض الفقهاء  أن يخرجوا البنك الإسلامي  من هذا الإشكال بما يلي :

أولا :  أن يعد العميل البنك الإسلامي  بالشراء ، والبنك يعد العميل بالبيع ،  ويوقع الطرفان على (الوعد). ومعنى هذه الورقة الموقعة بين الطرفين بالوعد : أي : البيع لم يتم بعد ،  لكن وعدناك بالبيع بعدما نشتري السلعة ، وأنت وعدتنا بالشراء منا .

ثانيا : يجعل البنك هذه الورقة ملزمة ؟  فأنت عندما تأتي البنك الإسلامي ، وتوقع على الوعد بالشراء  ، فأنت ملزم بإتمام العملية ،  ويقولون هي  ليست ببيع ، حتى لا نقع في إشكال بيع مالا يملك البائع ،  وإنما هي وعد ،  والمسلم مسئول عن وعده ، ملزم بالوفاء به  .

ثالثا : بعدها يعطي البنك الإسلامي للشركة ، قيمة البضاعة نقدا ، ويحولها إلى المشتري بالأقساط بربح معلوم ، فيضمن بذلك عدم تراجع المشتري عن الصفقة ، ويضمن أيضا ربحه فيها .

وقد ألف الشيخ محمد الأشقر رسالة بين فيها بطلان هذه المعاملة ، وأن إلزام العميل بالبيع عند الوعد بالشراء  يجوز ، لأنه يجعل البنك كأنه قد باع مالا يملك  وحرر هناك أن الوعد لا يلزم ، وفصل القول فيه  : هل يلزم الوعد بالشراء قضاء أم ديانة ؟

ومعنى ذلك أنني إذا وعدتك ، ولم أ شتر ، فاشتكيت للقضاء فهل يلزمني القاضي بذلك ؟ ومعنى ديانة ، أن القضاء إذا لم يلزمني ، هل علي إثم لو أخلفت وعدي ، وعلي التوبة .

وبين أن الوعد بالشراء  هنا غير ملزم ، وأن الواجب أن يشتري البنك الإسلامي السلعة من الشركة ويملكها بعقد رسمي يكون بمثابة حيازتها ،  ثم يبيعها للعميل مقسطة ويربح فيها ، وليس للبنك الإسلامي أن يلزم العميل بمجرد الوعد بإتمام الصفقة ، لأن ذلك في حقيقته بيع ، وإن كانت صورته صورة وعد .

لكن المتحايلون أتوا بطريقة أخرى  : وهي أن لا يقوم البنك الإسلامي بشراء السلعة ،  بعقد رسمي من الشركة التي يطلب العميل سلعة منها  ،  ويكون العق د بمثابة الحيازة ، بل يكفي  الإيجاب والقبول عن طريق الهاتف ، ثم يوقع مع العميل عقد البيع ، ويبيع السلعة بالأقساط ، ثم بعد ذلك يتم البنك الإسلامي العملية مع الشركة .

 ولكن هذه العلمية أيضا غير شرعية ، وإنما هو تحايل ، أرادوا به  أن يفارقوا في الصورة فقط ، بين ما تجريه شركات التسهيلات الربوية ، ومعاملة البنك الإسلامي ، وقد صح في الحديث أن النبي   صلى الله عليه وسلم ( نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) [رواه أبو داود من حديث زيد بن ثابت] .

 وهذا يعني أن التاجر يجب عليه بعد التملك أن يحوز السلعة إذا أراد إعادة بيعها  ، وحيازة كل شيء ب حسبه ، وليس معناها بالضرورة نقل السلعة إلى مكان البائع في كل الأحوال ، فقد تكون السلعة طائرات أو سفنا أو سيارات كثيرة لا يمكن البائع أن ينقلها ، ولكن يجب أن تكون السلعة ، انتقلت إليه  وصارت في حوزته ، مثل أن يكون ثمة أوراق رسمية لها قوة القانون تثبت أن السلعة هي في حوزة البنك ومسجلة باسمه ، بحيث لو فرض أن  تراجع المشتري ، فالسلعة قد دخلت في ذمة البنك الإسلامي دخولا تاما  .

وننبه هنا إلى أن من صور بيع السلع قبل حيازتها ، ما يحصل أحيانا في بيع الت َـ و َ ر ُّ ق ،  فعلى سبيل المثال ، نجد من هو بحاجة إلى نقود ، يذهب ليشتري كمية من الإسمنت مثلا بالأقساط ، ويوقع على الشراء ، ثم يبيعه مباشرة لمقاول بسعر أقل نقدا ، وذلك قبل الحيازة ، بل إنه لا يعرف أين بضاعته ، وهذا بيع منهي عنه ، وهو بيع التاجر السلعة قبل حيازتها ، أما إذا فصلت  البضاعة ، وأخليت للمشتري ،  ثم باعها المشتري  للمقاول ، فهذه هي مسألة التورق التي فيها الخلاف المشهور ،  ، ومن أهل العلم من يحرمها مطلقا ومنهم من يبيحها بشرط الحيازة مطلقا ، ومنهم من يبيحها بعد الحيازة للحاجة فقط .

وكلنا يتذكر أن أزمة سوق المناخ ، إنما حدثت بسبب مخالفة هذا الشر ط ، أعني شرط ملك السلعة قبل بيعها ،  فقد كانت تباع أسهم شركات وهمية بالأجل ، طامعا من يشتريها أن يعيد بيعها ويحصل على الأرباح ، ريثما يحين الأجل فيقدر على تسديد الدين الذي عليه ، ولكن الذي حدث أن السوق الوهمي انهار وبقيت الديون على أصحابها ، وتحملت الدولة أزمة كبيرة جدا بقيت إلى سنوات.

 

5 - الشرط الخامس القدرة على التسليم :

وهذا شرط أساسي ، لأنه إن لم يمكن التسليم فلن يتحقق مقصود البيع ، ومثال ذلك تحريم بيع السمك في الماء والطير في الهواء ، وبيع سلعة هي في بلاد حرب على سبيل المثال ، فلا يمكن تسليمها ،  فهذا كله لا يصح .

 

6 - الشرط السادس : معرفة الثمن

ويحدد ثمن السلعة بالمشاهدة أو الوصف .

 

7 - معرفة المثمن ، أي السلعة :

بالمشاهدة أو الوصف كذلك ، مثاله : إن قال بعتك سيارة وقال الآخر اشتريت لم يصح ، فلم تعرف السيارة ولا ثمنها ، ولو قال بعتك سيارة بخمسة آلاف لم يصح لعدم معرفة العملة ، فيجب تحديد الثمن ، إلا إن كان العرف يحددها  ولكن على  شبكة  الإنترنت مثلا يجب تحديد العملة .

والمشاهدة ، يمكن أن تكون عن طريق الوسائل التي تنقل الصوت والصورة ، ويكفي ذلك في مشاهدة السلع في البيوع ، إن كانت موثوقة ، ويبقى المشتري على الخيار إن وجد الواقع مختلفا .

ولكن هل يصح أن يتزوج رجل في السعودية بامرأة في إندونيسيا والشهود في الكويت في مجلس واحد هو غرفة في الإنترنت ! فهل يصح العقد ؟ هذه المسألة تحتاج إلى بحث .



تابع الحلقة التالية من سلسلة تيسير أحكام البيوع >>>> الشروط في البيع
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام