خلفيات قضية الحجاب ..
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
إندلعت قضية الحجاب فجأة مرة أخرى، بسبب ما أعلنه السيد فاروق حسنى
وزير الثقافة، وشغل الموضوع الرأى العام ووسائل الإعلام المصرية
والعربية في دوامة عارمة ومن متابعة ما تم نشره سواء فى الجرائد
والمجلات أو في مختلف المحطات التليفزيونية فإن كل ما تمركز حوله
النقاش وردود الأفعال كان متعلقا بشرعية الحجاب أو عدم شرعيته،
والانزلاق أحيانا ولو من باب السخرية لجعله ركناً سادساً من أركان
الدين !، إضافة إلى المساس بشيوخ الأزهر والأزهريين وتقييمهم " بتلاتة
مليم ".
وبرفض السيد الوزير الاعتذار عما بدر منه، توقف الوضع على طلب
استقالته أو استقالة الإمام الأكبر شيخ الأزهر والمفتي حفاظا على
كرامتهما !
وقبل أن نبدأ مناقشة قضية الحجاب وخلفياتها، لا بد من تحديد أن هناك
فرقا بين الركن في الدين و الفريضة، حتى وإن كان طفيفاً رهيفاً،
فالأركان الخمسة هي الأساس في المرتبة الأولى ولا نقاش فيها ولا
اختيار أو تفضيل، وعلى المسلم الالتزام بها بكافة مكوناتها وتفاصيلها،
أما الفرائض التي تخرج عن مضمون الأركان فالقرآن الكريم يعطي للمسلم
حرية الاختيار والإلتزام، بعد أن أوضح أن الحلال بيّن والحرام بيّن، و
بعد أن أكّد من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وما على المؤمن إلا أن
يختار الالتزام أو عدمه والحساب يوم الحساب - ذلك اليوم الذي لا يكون
فيه مع الإنسان إلا عمله و اختياره.
وقد سبق أن أشرت أيام أثيرت قضية منع الحجاب في فرنسا، وذلك في خطاب
مفتوح للرئيس الفرنسى جاك شيراك، وفى برامج تلفزيونية آنذاك، أن
الحجاب فرض من الفروض الأخلاقية التي تذخر بها سورة النور، وذلك محدد
بها من أول آية إذ تقول : { سُورَةٌ
اَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَاَنْزَلْنَا فِيهَا ايَاتٍ
بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النور:1]، ومن الفروض
الواردة بهذه السورة الكريمة تحريم الزنا، وتحريم سب المحصنات
المؤمنات، والإستئذان، سواء في دخول البيوت أو للأطفال عند دخول غرفة
نوم أبويهما، كما فرض تعديل وضع حجاب المرأة، إذ تقول الآية { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ } [النور:31]، أي أن الحجاب موجود مسبقا ووجوده
مفروغ منه، وما على المسلمة إلا أن تهتم بتغطية ما تحت الرقبة وفتحة
الصدر وألا تتبهرج للفت الأنظار، والخروج عن الفرض الأخلاقي
والإجتماعي لايعني أن المرء قد سقط عنه إنتمائه للدين وإنما يعني أنه
أخلّ بأحد فروضه على مسؤليته هو أمام الله، فعلى الرغم من تحريمه في
جميع شرائع الزنا لا يزال يُرتكب، والسرقة لا تزال تُرتكب، والخمر
يُشرب، وعدم الإلتزام بالحجاب وارد، و كل ذلك بأيدي يهود ومسيحيين
ومسلمين.
وهنا لا بد من توضيح وتحديد أن الإسلام ليس هو الذي فرض حجاب المرأة
وإنما قد أكّد على وجوده وتعديل وضعه، ولم ينص حتى على موديل أو نموذج
معيّن له ! فبدلا من أن ينسدل إلى الوراء ويترك الصدر عاريا حدد
الإسلام أن تحتشم المرأة بتغطية فتحة الصدر.
أما عن الحجاب أصلا، فهو موجود أساساً فى الرسالتين التوحيديتين
السابقتين، فنطالعه فى العهد القديم فى سفر أشعياء، وفي قصة رفقة،
وقصة تمارا، وبهما إشارة واضحة إلى الحجاب، كما أن أى يهودي ملتزم
بدينه في يومنا هذا من حقه تطليق زوجته إن خرجت عارية الرأس، وفي
المسيحية يقول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس " إذ المرأة
كانت لا تتغطى فليقص شعرها "، وفي طبعات أخرى " فليُجزّ شعرها " وهي
عبارة بها ما يكفي من الإهانة إذ أنها لا تستخدم إلا للغنم وجز
الخراف، وحتى مطلع القرن العشرين كان خروج المرأة عارية الرأس في
فرنسا وفي أوروبا يعد سُبّة وخروجا على التقاليد والأعراف.
وعودة إلى ما أثاره السيد الوزير، فبخلاف ما قيل من أنه رأى شخصي أو
رسمي، تم نشره بمعرفته أم نُشر فى غفلة من أمره، أو حتى من أن وزارة
الثقافة ستكون بمثابة السد الحصين ضد أي تطرف، بعد أن أدرج البعض
الحجاب من ضمن التطرف، فبخلاف هذه التفاصيل الفرعية - إن أمكن
اعتبارها كذلك جدلا -، فإن هناك عبارتان أساسيتان تكررت كل منهما ثلاث
مرات بوضوح تام و لم يقربهما النقاش، وتتعلق العبارة الأولى
بالإخوان.
فلقد قيل أنه قد تم استغلال هذا الموضوع سياسيا - والمقصود بالعبارة
الإخوان المسلمين - إذ أن التعليق الذي تلاها مباشرة والذي تكرر عدة
مرات أيضا هو : " اُمال لمّا يمسكوا الحكم راح يعملوا فينا إيه ؟ "
وكأن الإخوان المسلمين أعداء لابد من محاصرتهم والتخويف منهم ومن
عددهم في البرلمان الذي وصل إلى 88 عضوا، وفقا لما تكرر قوله أيضا،
وذلك رغم كل ما تم فرضه عليهم من محاصرة لا إنسانية تناقلتها جميع
وسائل الإعلام أيام الانتخابات.
وهذه قضية لا تدخل في نطاق هذا المقال و لا أتناولها إلا من باب
المنطق، فلست عضوة في أي حزب من الأحزاب، إلا أنه لا بد من الإشارة
إلى ضرورة مناقشة هذا الوضع صراحة وتصويبه قانونا في الدولة، بدلا من
الإستمرار في استخدام عبارة مهينة وغير أمينة من قبيل " جماعة الإخوان
المحظورة " !، فما من دولة مسيحية في العالم تقريبا إلا ويوجد بها حزب
سياسي مسيحي رسمي، وذلك على الرغم من كل ما تكشّف في المسيحية من مآخذ
التحريف والتبديل في النصوص، وكلها باتت معلومات يقينية مفروغ منها
منشورة في القواميس والمراجع، بل إن آخر ما توصلوا إليه في مطلع
التسعينات من القرن الماضي أن 82 % من الأقوال المنسوبة للسيد المسيح
لم يتفوه بها، فما معنى أن تكون جماعة إسلامية في بلد مسلم ونصوصه
الدينية هي النصوص الوحيدة التي لم ينلها التحريف والتزوير، ولا يحق
لهذه الجماعة المشاركة رسميا في شئون الدولة مثلها مثل أي حزب آخر ؟!
مجرد سؤال على المختصين تناوله بالتصويب.
أما العبارة الثانية والأشد خطورة، أو التي تمثل خطورة حقيقية في هذه
الزوبعة المختلقة، وأقول مختلقة بمعنى أنه من الواضح أنها أُثيرت
لتمرير هاتين الملاحظتين كبالونة اختبار، مع تفاوت خطورتهما، وقد
رأينا الأولى منهما، أما العبارة الثانية فهي مطالبة السيد الوزير، أو
تبرير رأيه الذي لا يروقه الحجاب، فكانت بكل أسف تقول : " لكي لا
يتسبب الحجاب في خلق فتنة طائفية وتقسيم البلد إلى محجبات، أي مسلمات،
و غير محجبات، أي مسيحيات " وتكرار أن مثل هذه الفتنة قادمة لا
محالة.
إن مجرد النطق بهذه العبارة ولا أقول تكرارها بوضوح وشرح مطوّل، يكشف
عن أنها في واقع الأمر، هي السبب الحقيقي المقصود من وراء هذه الحملة،
وإذا ما وضعناها في الإطار العام العالمي و الإطار المحلى لأدركنا
فداحة الموقف.
فلم يعد الأمر خافيا على أحد، فيما يتعلق بالحملة الشرسة التي يتعرض
لها الإسلام، على الصعيد العالمي، منذ مسرحية الحادي عشر من سبتمبر
وحتى يومنا هذا، بل لم يعد خافيا على أحد تزايد سرعة الإيقاع في الغرب
لاختلاق قضايا تهين الإسلام والمسلمين، في مختلف البلدان، إلى جانب
سرعة الإيقاع في التحليق على وجود المسلمين حتى بسنّ القوانين اللازمة
للتضييق عليهم، بما في ذلك طردهم من العمل مثلما حصل في فرنسا وطرد 70
موظفا مسلما من المطار - خوفا من أن يتواطئوا مع احد أفراد القاعدة -
!! ولم يدافع عنهم وعن غيرهم أحد.
وتأتى هذه الحملة في الغرب تنفيذا لقرارات مجمع الفاتيكان الثاني
1965، الذي كان قد قرر تبرئة اليهود من دم المسيح - وبناء عليها تم
الاعتراف بالكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين -، كما نص على اقتلاع
اليسار في عقد الثمانينات، واقتلاع الإسلام في عقد التسعينات - حتى
تبدأ الألفية الثالثة وقد تم تنصير العالم -، كما قرر إسناد مهمة
التبشير والتنصير إلى كافة المسيحيين والكنائس المحلية، وكلها وثائق
موجودة وصادرة عن الفاتيكان نفسه،
وعندما أتت الألفية الثالثة ولم يتم تنصير العالم، قام مجلس الكنائس
العالمي فى يناير 2001 بإسناد هذه المهمة إلى الولايات الأمريكية
المتحدة، بحكم أنها السلطة العسكرية المتفردة في العالم، مع تحديد هذا
العقد لاقتلاع الشر، الذي هو الإسلام في نظرهم !
ولعل اقتراب عام 2010 هو السبب في ازدياد سرعة الإيقاع، فاختلقت
الإدارة الأمريكية ما أصبح يُطلق عليه مسرحية الحادي عشر من سبتمبر
للتلفع بشرعية دولية لمحاربة الإسلام والمسلمين، وذلك اعتمادا على
أدلة وبراهين مزوّرة ولا أساس لها من الصحة.
أما في النطاق المحلي، فلم يعد خافيا على أحد تزايد النفوذ المسيحي في
الدولة إلى درجة دفعت بعض المسئولين إلى قول " إن الكنيسة أصبحت تمثل
دولة داخل الدولة "، وقد أوضحت في مقال سابق كيف كان الأزهر، بكل أسف
" هو أول من فرّط في حق الإسلام وفي حق نبيه عليه الصلاة والسلام،
وذلك بقبوله إلغاء مادة الدين من التعليم كمادة أساسية للنجاح
والسقوط، وقبوله تعديل المناهج الدينية وتغيير الآيات في المناهج
الدراسية بدلا من شرح وتفسير أسباب نزولها، وإسناد المعاهد الأزهرية
إلى التربية والتعليم أو تحويلها إلى مرافق أخرى، وتعديل الخطاب
الديني، وإغلاق المساجد بين الصلوات، وتضييق نطاق بناء المساجد،
وتحويل ما لم تُقم فيه الشعائر بعد إلى مرافق أخرى، بل وهدم ما تم
بنائه قبل استخراج تصاريح البناء "، وهنا لا يسعني إلا أن أسأل: هل
يمكن لنفس هؤلاء المسئولين والوزراء القيام بنفس التصرف حيال الكنائس
التي تزايد عددها بصورة واضحة ؟! فما أكثر ما تم بناؤه بلا تراخيص، بل
ما أكثر الأراضي التي أُخذت بوضع اليد ولم يتحرك أحد، ولا نذكر هنا
إلا موقع باتموس للتبشير على طريق الإسماعيلية، وما أكثر الكنائس التي
تضخّم حجمها في مكانها إلى درجة الانبعاج الفظ معماريا وكأنها على وشك
الانفجار!.
بل لقد خرج العاملين بالأزهر عن تعاليم دينهم ووصايا الرسول عليه
الصلاة والسلام بالتهاون في مسألة الحجاب في فرنسا، وبتسليم وفاء
قسطنطين بدلا من حمايتها، كما غضوا الطرف عن الدفاع عن الإسلام وعن
نبيه الكريم في مهزلة مسرحية كنيسة الإسكندرية، بإحالتها إلى عالم
الصمت والنسيان ببضعة عبارات مرتعدة جوفاء، والصمت حينما أهانت
السلطات القمعية الأمريكية المصحف الشريف في جوانتنامو وغيرها، وخاصة
ذلك الصمت المخزي حينما تم إعلان عيد ميلاد "ربنا يسوع " عطلة رسمية
في الدولة المسلمة، وكان من الأكرم لهم أن يوضحوا ما بهذا الإجراء من
مساس بعقيدة المسلمين الذين يمثلون الأغلبية الساحقة في مصر وفي
البلدان الإسلامية! وكيف أن مثل هذا الإجراء يخرج عن حدود التسامح
ليسهم أو ليمهد لعمليات التبشير الدائرة ويدعمها!.
والأدهى من هذا وذاك، وغيره جد كثير بكل أسف، هو التوقيع على اتفاقية
بين الأزهر والفاتيكان والكنيسة الأنجليكانية بالموافقة على أن يقوم
المبشرون بالتبشير في مصر دون أن يتعرض لهم أي شخص!؟ وكان ذلك في 18
أبريل 2005 .
ويعد ما تقدم جزء بسيط مما كتبته في حينها عن تنازلات الأزهر وعن
تدخلات الكنيسة، وذلك هو ما أشير إليه ثانية هنا، لا لإشعال نار
الفتنة كما قد يتبادر إلى البعض، وإنما لرأبها، فمن غير المعقول أن
ينساق المسئولون لدينا، على كافة مستوياتهم، ويساهمون في تنفيذ مخططات
الغرب لاقتلاع الإسلام والهويّة الإسلامية بكل تعسف، و عدم إدراك عمق
الهاوية التي يسوقون المجتمع إليها.
فمع احترامي الشديد للمسيحيين في مصر والعالم، إلا أن الدور الذي
يقومون به مراضاة للغرب، سواء سياسيا أو دينيا، والعمل على تنصير
المسلمين وتنصير الهوية الإسلامية للدولة، بذلك الكم من الكنائس، الذي
لا يتمشّى إطلاقا مع العدد الفعلي للمسيحيين في مصر خاصة، اعتمادا على
قوانين تم سنها إسماً لحماية الأقليات، ولا يلوّح بها إلا لحماية
المسيحيين في مصر، وإلا لتم استخدامها لحماية المسلمين في الغرب
والحفاظ على هويتهم بدلا من الإصرار على اقتلاعها، إن هذا الدور في
نهاية المطاف سوف ينقلب عليهم وسوف يُقتلعون من عقائدهم إذ أن الذي
قرره الفاتيكان من ضمن ما قرر هو : توحيد كافة الكنائس تحت لواء
كاثوليكية روما، وقد بدأت التنازلات فعلا وإن كانت على استحياء، فما
على المسيحيين هنا إلا أن يقرؤوا النصوص الفاتيكانية ليفهموا ما يحاك
لهم.
وما أود التأكيد عليه هو أننا جميعا مواطنون مصريون وإن اختلفت
الديانة، وما يجب التأكيد عليه هو أن مصر دولة إسلامية، والإسلام دين
الدولة الذي يسنّ منه التشريع، والمساس بهذه الحقيقة سوف يؤدي إلى
كارثة يعلم الله مداها، ولا أشير إلى هذه الجزئية إلا لعلمي يقينا
أنها من المطالب الحثيثة التي يسعى إليها متعصبو الأقباط في مصر،
والإنسياق في المساهمة لتنفيذ مآرب الغرب على حساب الإسلام لن يعجّل
إلا بكارثة سوف تجتاح الجميع.
لذلك أكرر أنه من غير المعقول أن يطالب السيد وزير الثقافة أو حتى أن
يعبّر عن مثل هذا الرأي في هذه الفترة تحديدا، وأن يبادر ويجازف
بإهانة قرابة سبعين مليون مسلما ومسلمة، لعدم جرح مشاعر مليونان أو
ثلاثة من المسيحيين، وإن كانوا هم قد خرجوا عن تعاليم دينهم، ونصوص
الكتاب المقدس صريحة لا مواربة فيها، فذلك لا يبرر على الإطلاق أن
يخرج المسلمون عن تعاليم دينهم وأن تخلع المرأة المسلمة حجابها، لمجرد
مرضاة حفنة من المتعصبين أو من الذين يفرّطون في دينهم بمثل هذه
السهولة.
الدكتورة زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
[email protected]