أثر الفكر الصوفي في العالم الإسلامي
ياسر منير
قبل أن أتناول أثر الفكر الصوفي في العالم الإسلامي أتناول سبب إطلاق اسم التصوف على هذا الاتجاه الذي ظهر في العالم الإسلامي.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
قبل أن أتناول أثر الفكر الصوفي في العالم الإسلامي أتناول سبب إطلاق اسم التصوف على هذا الاتجاه الذي ظهر في العالم الإسلامي.
قيل: إنّ التصوف نسبة إلى الصوف؛ لأنّ الصوفية كانوا يلبسون الخشن من الثياب.
وقيل: نسبة إلى "الصفة" موضع بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبد فيه بعض النُّسّاك، أو هو نسبة إلى كلمة "صوفيا" اليونانية، ومعناها الحكمة. كما ذهب البعض إلى أنها من الصفاء.
وقد ذكر القشيري أنه مجرد لقب "ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس... ومن قال: اشتقاقه من الصفاء، أو من الصفة فبعيد من جهة القياس اللغوي".
وقد علق ابن خلدون قائلًا: "والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنه من الصوف، وهم في الغالب مختصون بلبسه".
ولم تُعرَف الصوفية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما ظهرت في القرن الثاني الهجري، وفي ذلك يقول ابن خلدون: "فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة" [1].
لقد كان للتصوف الأثر السيئ في عالمنا الإسلامي؛ فهو يبث روح الكسل والخمول، والتواكل بين المسلمين، وعدم الجد في أمور الدين والدنيا، وعدم الأخذ بأسباب القوة في مواجهة أعداء الإسلام. ومن هذه النماذج:
1ـ أبو طالب المكي: وهو من كبار المرجعيات الصوفية، وقد عاش في القرن الرابع الذي اضطربت أحوال المسلمين، وقد انتشر في العالم الإسلامي سب الصحابة من بني بويه، وبني حمدان، والفاطميين... إلخ. ومع ذلك لم يذكرهم أبو طالب، أو يحذر منهم مع أنه ذكر بعض الطوائف وحذر منها (ابن كثير: البداية والنهاية، ج11، ص: [184-247]).
2ـ أبو حامد الغزالي: عاصر الحروب الصليبية، فقد توفي 505هـ، أي بعد دخول النصارى بيت المقدس الذي كان عام 492هـ، ولم يذكر هذا الحدث الضخم، الذي نُكِب فيه المسلمون؛ إذ ارتكب الصليبيون مجازر بشعة زادت على سبعين ألف مسلم، بل سارت خيول النصارى في دمائهم، وانتهكت أعراض المسلمات. يقول زكي مبارك: "بينما كان بطرس الناسك يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب والرسائل يحث أهل أوروبا فيها على احتلال أقطار المسلمين كان حجة الإسلام الغزالي غارقًا في خلوته مُنكبًّا على أوراد المبتدعة، لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة والجهاد" (الأخلاق عند الغزالي، ص: [25]).
بل إن الصوفية كانوا يناصرون النصارى على المسلمين، كما فعلوا في مصر والجزائر، بل صرَّح اللورد كرومر أنّه قد وضع مصر في يده بعد احتوائه لمشايخ الصوفية! ومذهبهم في ذلك التكيف مع الزمان، والخضوع للواقع سواءً موافقاً للإسلام أو مخالفًا له!
فأين هذا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم:9]، وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]؟!
وقد جاءت السنة تؤازر النّص القرآني ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: « » (رواه البخاري: الجامع الصحيح؛ كتاب العتق، باب: أي الرقاب أفضل؟ ج2، ص: [891]، رقم الحديث: [2382]).
ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الصوفية: "وأما الجهاد فغالب عليهم -أي الصوفية- أنهم أبعد من غيرهم حتى نجد من عوام المؤمنين من الحب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب والتعظيم لأمر الله والغضب والغيرة لمحارم الله ما لا يوجد فيهم -أي الصوفية- حتى أن كثير منهم يعدون ذلك -أي الجهاد- نقص في طريق الله وعيب".
ومناصرة المتصوفة للاستعمار أكثر من حصرها، ومن ذلك مؤازرة الطريقة التجانية للاستعمار الفرنسي، وقد ذكر التاريخ الأدلة الكثيرة على ذلك، منها:
- في سنة 1894م؛ كتب شيخ الطريقة رسائل إلى أتباعه بالسمع والطاعة لفرنسا عند احتلال جيوشها لبلادهم.
- في سنة 1906-1907م؛ أقام شيخ الطريقة جاسوسًا للحاكم الفرنسي للجزائر.
يقول محمود أبو ريه: "الكلام في أمر رجال الطرق الصوفية ومناصرتهم في كل زمن لأعداء الدين والمسلمين من المستعمرين في أقطار الأرض عامة، وشمال إفريقيا خاصة مما يحتاج إلى مؤلفات" (انظر: السيد البدوي، ص: [19]).
ويؤكد محمد سقفة خطورة الحركات الصوفية؛ فهم "لا يتقاعدون عن تعاونهم مع الاستعمار إذا ضمنت مصالحهم المادية الخاصة، وهم علاوة على فهمهم فإنهم مستسلمون دائمًا للعدو، فلا يُحرِّكون ساكناً" (انظر: التصوف بين الحق والخلق، ص: [215]).
وهذه مخالفة صريحة للإسلام الذي دعا إلى موالاة المؤمنين والبراءة من الكفار ومعاداتهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].
يقول ابن جرير الطبري: "فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم" (انظر: تفسيره، ج4، ص: [617]).
وتاريخهم المظلم -كذلك- في إهانة العلماء والمصلحين معروف ومشهور، فمنذ نشأت الطرق الصوفية المتأخرة في القرن السادس الهجري ولهم عداء سافر مع العلماء والمصلحين؛ ففي سنة 705هـ اشتكت الصوفية الرفاعية إلى أمير دمشق "الأفرم" من شيخ الإسلام ابن تيمية لكثرة إنكاره عليهم. وقد كان أتباع محيي الدين بن عربي سببًا في محنة شيخ الإسلام ابن تيمية، ففي شوال سنة 707هـ دخل السجن بسببهم، بل تعصبت جماعة من الصوفية الضرب في سنة 711هـ على شيخ الإسلام وتفردوا به وضربوه.
ومن آثارهم السيئة في عالمنا الإسلامي ما أسْموه بالمجاهدة الصوفية التي تشبه ما في الرهبنة البوذية والمسيحية قمع شهوة الجنس وتجريد النفس منها بترك الزواج وإيثار العزوبة والتبتل. وهذه قاعدة من قواعد الصوفية المهمة التي ساروا عليها" (الهجويري: كشف المحجوب، ج2، ص: [611]).
يقول الهجويري: "ومشايخ هذه الطريقة رضي الله عنهم مجتمعون على أن خير المجردين وأفضلهم مَنْ تكون قلوبهم خالية من الآفات وطباعهم مُعرضة عن الرغبات" (المصدر السابق نفسه، ج2، ص: [610]).
ويَعْتَبر الصوفية أنّ الزواج آفة من الآفات ورغبة من الرغبات التي يجب الإعراض عنها؛ لأنه عائق عن وصولهم إلى الهدف المنشود. إن هذا الاتجاه الرهباني نحو الزواج واضح في كلام كثير من أئمة الصوفية، فمن ذلك قول أبي طالب المكي: "الأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج إذا أمن الفتنة، وعود العصمة، ولم تنازعه نفسه إلى معصية، ولم يترادف حظوظ النساء على قلبه" (انظر: قوت القلوب، ج2، ص: [238]).
وقد لخَّص السهروردي رأي الصوفية في الزواج، فقال: "التجرد عن الأزواج والأولاد أعوان على الوقت للفقير، وأجمع لهمه وألذّ لعيشه. ويصلح للفقير في ابتداء أمره قطع العلائق، ومحو العوائق، والتنقل في الأسفار، وركوب الأخطار، والتجرد عن الأسباب، والخروج عن كل ما يكون حجابًا، والتزوج انحطاط من العزيمة إلى الرخص، ورجوع من التروح إلى النغص، وتقيد بالأولاد والأزواج، ودوران حول مظان الاعوجاج، والتفات إلى الدنيا بعد الزهادة، وانعطاف على الهوى بمقتضى الطبيعة والعادة " (انظر: عوارف المعارف، ص: [104]).
فإذا كانت حقيقة القوم كما أسلفنا؛ فليس بمُستغرب عليهم في عالمنا المعاصر التماهي مع كل مهيع، والأكل على كل الموائد، والتنصل من المسئولية تجاه العالم الإسلامي، بل هم وقود كل طاغوت في عصور ضعف المسلمين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
(انظر: مقدمة ابن خلدون، ديوان المبتدإ والخبر في تاريخ العرب والبربر، ص: [611]. وقارن: د. فيصل بدير عون؛ التصوف الإسلامي، ص: [42 -48]، ط 1983م، مكتبة سعيد رأفت - القاهرة. وأيضًا: أ. قاسم غني: تاريخ التصوف في الإسلام، ص: [33]. ترجمة: أ. صادق نشأت، مراجعة: د. أحمد ناجي القيسي، د. محمد مصطفى حلمي، ط 1970م، مكتبة النهضة العربية - القاهرة. وكذلك: د. عبد الرحمن بدوي: تاريخ التصوف الإسلامي، ص: [5-14]. ط1، 1975م، وكالة المطبوعات - الكويت).