يا صغيري... لستَ غبيّاً!

تشجيع الأبناء وتحفيزهم يعطيهم الثقة بالنفس ويُنمِّي مهاراتهم

  • التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
 

لنُخرِج اليوم ريشةً تربويةً لا يستخدمها الكثيرون، فنرسم مع أبنائنا صورتهم عن ذاتهم.
حين يُكوِّن أبناؤنا صورةً طيبةً عن أنفسهم فسيعيشون هذه الصورة؛ لأن الذي يرى نفسه جباناً لن يَقدم أبداً ويلتمس سلوك الشجعان؛ لأنه ليس كذلك (أمام نفسه)! والعكس... بينما الذي يرى نفسه ذكيّاً مثابراً أو ناجحاً يأبى أن يتوقف إلا أن يصل إلى هدفه؛ لأن هذا هو (هو)... وهذا هو هدفنا في هذا المقال.

ثلاثة وثلاثة

صورة الفرد عن ذاته ليست كلّاً واحداً، ولكنها أجزاء عدة؛ منها صورته عن قدراته، ونظرة الآخرين له، ولتميّزه وذكائه وجماله الجسمي والرجولة أو الأنوثة و...

هذه الصورة تتكون بمساعدة ثلاث عمليات رئيسية، لكل منها وجهان قويان متوازيا القوة والأثر:

1- الاحترام/ الإهانة:

احترام الطفل يبدأ قبل أن يتم الطفل عامه الأول، ويبدأ بحسن الاستماع والشرح له بهدوء، ثم أخذ رأيه ومناقشته إنْ اعترض، ولو رأينا أن الموضوع الذي يسأل عنه أكبر من سنه، فنُبسّطه قدر الإمكان بغير سخرية.

الصوت المعتدل وانتقاء الكلمات المهذبة ومناداته باسمه، ولو حال الغضب، واستخدام صيغ على غرار "اجلب لي الجريدة من فضلك" و"بعد إذنك" بدلاً من "وسْع" من صور الاحترام كذلك.

الاحترام سينتج فرداً محترماً يحترم نفسه والآخرين، واثقاً في نفسه.

2- النقد البنَّاء/ الهدَّام:

النقد البنَّاء لا يساوي المدح، كما لا يعني النقد الهدَّام الرفض لسلوكٍ معين، ولكن البناء هو الذي سيخرج الابن منه بنتيجةٍ إيجابية مِن تعلم وفهم وتعديل، أو تعزيز لسلوك ما، وتحليل المواقف ونتائجها معه. وأما الهادم فيكون باستخدام السخرية والتهكم للنقد أو بنقد الشخص نفسه بدلاً من نقد التصرف، فنقول للطفل مثلاً: "أنت سيئ" بدلاً من: "كان هذا تصرفاً خاطئاً؛ لأنه أدَّى إلى كذا وكذا".

النقد البنَّاء سيثمر فرداً لا يخشى الفشل والخطأ؛ ولكنه دائماً ما يتعلم منه، واثقاً من نفسه كذلك.

3- التقدير والتحفيز/ الإهمال أو التحقير:

ليس فقط تقدير أفعاله الحسنة هو التقدير المطلوب؛ ولكن على الأهل تقدير أبنائهم لذواتهم، ومن ذلك إعلامهم أنهم محبوبون مهما كانت نتيجتهم الدراسية أو عبقريتهم أو إعاقتهم حتى! مثل أن نقول "سأكون دائماً فخوراً بك فأنت ابني، ولن أرى أو أحب أحداً مثلك؛ ولكنك ستسعدني فعلاً لو بذلت كل ما في وسعك لتكون من المتفوقين".

من المهم كذلك تقدير كل ما يؤدون من أفعال إيجابية في البيت أو المدرسة مع عدم المبالغة، من ذلك استخدام "شكراً" حين يأتون بكوب من الماء أو يعلموننا بأن هناك متصلاً ما على الهاتف وغيره.

التقدير يثمر فرداً ودودًا مهتمّاً، وبالطبع واثقاً من نفسه.

خطوات

ستُعين كل أب وأم على حسن المتابعة أن يستعين بهذه الخطوات:

* صورتك أنت:

على الأب والأم أولاً أن يتساءلا عن صورتيهما عن ذاتيهما كيف هي، وما هو السبيل لتحسينهما، وبخاصة صورتهما عن أنفسهم كآباء وأمهات؛ "هل نحن ناجحون؟ مقنِعون؟ نحسن التواصل والتعبير عن الحب؟".



إن أحد المعوقات الرئيسية قد تكون "أنا عصبي... هذا أنا ولا أستطيع أن أمتلك أعصابي"، وتلك ليست الحقيقة فعلاً، بل هي صورتي عن نفسي، ومهما حاولت خارجيّاً فلن أتغيَّر حتى أغيِّر هذه الصورة عن نفسي.

* صورته هو:

يجب على الأب والأم أن يجلسا معاً، ويرسما الصورة التي يريدونها له (محبّاً عطوفاً متفوقاً شجاعاً سعيداً...)، ثم ليتخيلا الصورة متحرِّكةً كما يحبان أن يرياها من الصفات الشخصية والخلقية والعبادات والقدرات والمهارات والقيم.

- اتفاقيات

أما وقد حدَّدنا ما نريد وتخيلناه صوتاً وصورةً، فعلينا الآن أن نحدِّد بعض الوسائل المساعدة، إلى جانب التركيز على المحاور الرئيسية التي سبق ذكرها بالأعلى، ومنها:

1- تبادل المقاعد

إن تبادل الأدوار مع طفلك ليس فقط لتفهُّم مشاعره؛ ولكن هدفه أيضاً أن ترى كيف يرى عينيك وهي تنظر إليه، وكيف يسمع كلماتك له، وكيف يمكن أن يفسِّر تصرفك هذا أو ذاك.

2- المرأة الإيجابية

كثيرًا ما يمرُّ الصغار بمشكلات صغيرة وكبيرة، وعلينا نحن أن نكون مرآةً لهم يرون فيها أنفسهم بشكل أفضل وأقوى، حتى ولو أخطئوا، ومن أمثلة ذلك حين يضرب زميلاً له ونحن نعلم أنه بالطبع لم يقصد الإيذاء؛ فيمكن أن نقول بعد التأكد من عدم وجود جذور للمشكلة: "هل كنتَ تعلم أنه سيتأذى؟ أنا واثقةٌ من أنك اندفعت بدون أن تفكر، ولو فكرت قليلاً لعلمت أنه سيغضب أو يتأذى، أنا واثقٌ بأنك لن تكرِّر ذلك؛ لأنك تحب أصدقاءك، وكل الناس من حولك هم جميعاً يحبونك كذلك؛ ولكنهم لا يحبون أن يؤذيهم أحد".

2- اهتم

الاهتمام به، باللعب معه، وممازحته، والبحث عنه عند الدخول والخروج من المنزل، وتحيته، والحديث ولو بشكل عابر؛ له شديد الأثر في تكوينه لصورته عن نفسه كفرد مهم ومحبوب.

3- الهواية

اتخاذ الطفل هوايةً يمارسها ويتقنها يساعده على رسم صورة لنفسه أنه "يستطيع"، وأنه "ناجح"، وغالباً ما تكون داعماً إيجابيّاً لتفوقه الدراسي وثقته بنفسه، ومن ذلك استدلالنا بنجاحه فيها لدعم ثقته في قدرته على النجاح في مذاكرته وغيرها "انظر حبيبي كم أنت ناجح!".

يا حبذا لو استطعنا أن نجذبه ونعلمه هوايةً يمكن أن يكون له منها كسب وإن كان بسيطًا؛ التطريز والنجارة والتسويق البسيط.

4- البُعد عن المقارنة

إن أسوأ ما يمكن أن يفعله الأهل بصغيرهم هو تحفيزه عن طريق المقارنات بغيره، فإن كان ذلك يصلح في بعض الأحيان معنا حال اتخاذنا المنافسة سبيلاً للارتقاء؛ فإنه لا يصلح إطلاقاً مع الصغار لعدة أسباب؛ منها:

* الظلم: لأن القدرات تتفاوت، وربما ظلمت طفلي؛ لأن إمكانياته ضعيفة في هذا المجال، أو العكس، بأن تكون إمكانياته أكبر بكثير، وقد ارتضيت له أن يسبق فلاناً فقط، بينما كان يستطيع أن يسبق الجميع.

* الغيرة: التي أصنعها بنفسي وإن لم يظهرها الطفل أحياناً.

* القاعدة التي أزرعها فيه بغير أن أدري: وهي (الدافع الخارجي يُحرِّكني) لا الداخلي.

5- تدريب المسئوليات والواجبات

إن تحميل المسئولية يبدأ وهو لا يزال دون الثانية ولو بالتمثيل؛ فالأم تطلب منه مساعدتها على حمل الغسيل، ويطلب الأب عونه في إصلاح العجلة ومناولته الأدوات، ثم تزداد المسئوليات واقعيةً وثقلاً مع كل عام يزداده، وتدريبه على التواصل الاجتماعي وصلة الأرحام منذ بلوغه عامين بتعويده السلام والاتصال بالأهل ومشاركة الآخرين فيما في يده، بدءً من الحلوى ثم بالنفس والمال، ثم مدحه أحياناً بصفة "تحمل المسئولية أو الرجولة" وهو وحده، وأحيانًا أخرى أمام الناس.

كيف يرى نفسه؟

لو سألت أغلب الآباء والأمهات كيف يرى أبناؤهم أنفسهم؛ فسيردون وبكل ثقة "متميز ومدلَّل"، بينما الحقيقة غالباً ما ستكون مختلفة.

إحدى الأمهات تحكي عن صغيرتها فتقول: "هي جميلة ومَرِحَة، ولكنني فُوجئت بها ذات يوم تُعلِّق فتقول: "لو كنتُ جميلة كنت سأ...."، فردَّت عليها باستنكار "أولست كذلك؟" فردَّت "طبعاً لا... أنتِ تعرفين يا أمي"... "لا، لا أعرف! عم تتكلمين؟!"، وأخرى تتفاجأ بصغيرها يقول: "لن أستطيع حل هذه المسألة؛ لأني لستُ ذكيًّا بما يكفي".

لنَعرِف صورته عن نفسه يمكننا اللجوء لعدة وسائل؛ منها:

* أسئلة في قصة: نجعل بطلها دبًّا أو طفلاً في مثل سِنِّه، يقع في موقف مماثل لما نريده، ثم نسأل عن السبب مثلاً: "هل لأنه لا يركِّز كثيراً، لأنه ليس ذكيًّا، لأنه لا يحب هذا الشيء...)، وندع الطفل يختار، وسيختار ما يُمثِّل صورته هو، وذلك في سِنِّ ما قبل سبع سنين.

أما ما بعد سبع سنوات فنأتي بقصةٍ حقيقية ونقرأ جزءاً منها معاً، ثم نسأله عن رأيه في شخصية القصة وسبب تصرُّفِه.

أسئلة الاختيار من متعدد مناسبة جدًّا لقليلي الكلام والكتومين والصغار الذين لم يُحسِنوا التعبير بعد.

* تعليقات مقتضبة قد يُدلي بها الأبناء في بعض الأوقات أو المواقف، وقد نُسمِّيها في أحيان كثيرة [برطمة]؛ ولكنْ من المهم جدًّا الإصغاء إليها، خاصةً لو كان يتحدث فيها عن نفسه.

* راقب إقدامه وتقهقره في مختلف المواقف، واسأل نفسك -كوالد- عن السبب، وتحقق منه بجدية واهتمام، وسترى جزءاً من صورة صغيرك عن نفسه.

ثمرات وثمرات

إن مساعدتنا لصغيرنا على رسم صورة متميزة لنفسه ستثمر لنا ابناً:

- يؤدي دون رقابة؛ لأن الأداء نابعٌ من داخله.

- يستوي عنده نظر الآخرين مع عدمه.

- الذاتية والإيجابية سِمة من سِمات شخصيته.

وأخيراً؛ إنه سيعيش هذه الصورة حياة طيبة نافعة له ولأُمَّتِه في الدنيا والآخرة.


أسماء صقر

 

 

المصدر: إخوان أون لاين