الســـحــر

سعيد عبد العظيم

  • التصنيفات: الشرك وأنواعه -

أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره فالعرب إنما سمت السحر سحراً لأنه يزيل الصحة إلى المرض , والسحر البيانى فى فطنته وقد جاء فى الحديث "إن من البيان لسحراً" فمنه ما يصرف قلوب السامعين وإن كان غير حق , ومن البيان ما يكسب من الإثم , والسحر هو الخديعة , وهو إخراج الباطل في صورة الحق , وقوله تعالى {قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء : 153] المسَّحر: الذي خلق ذا سحر , قال ابن قدامة عن السحر : هو عقد ورقى يتكلم به و يكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر فى بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له ا.هـ . والسحر لا يقتصر على التخييل فقط قال النووى : والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة , ا.هـ .

  والسحر يفترق عن المعجزة والكرامة , فقد نقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق وأن الكرامة لا تظهر على فاسق " والسحر يكون بمعاناة , أما الكرامة فلا تحتاج إلى ذلك وتمتاز عليها المعجزة بالتحدي والكرامة ضابطها الاستقامة وبهذا تفترق عن الخارقة الشيطانية , قال تعالى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}[الشعراء : 221-223] ولا يجوز تعلم السحر قال الذهبي " الساحر لابد أن يكفر إذ ليس للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك بالله وترى خلقاً كثيرا من الضلال يدخلون فى السحر ويظنونه حراماً فقط وما يشعرون أنه الكفر , وحد الساحر : القتل لأنه كفر بالله أو مضارع له وهو من السبع الموبقات وقد جعل من الشرك لاعتقاد الجهال أن ذلك يؤثر بخلاف ما قدر الله تعالى وقد عده الإمام ابن حجر ضمن الكبائر وحده عنده : كل كلام يغير الإنسان أو شيئاً من أعضائه , وهو من كبائر اللسان وقد ورد السحر ومشتقاته في كتاب الله تعالى في مواضع كثيرة منها قوله تعالى {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه : 69] وقوله تعالى {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ } [يونس : 76-77] وقوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الإسراء : 47] وقوله تعالى : {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 132] وقوله تعالى : {ثُُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } [المدّثر : 23-24]

  وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "اجتنبوا السبع الموبقات قيل : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله , والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخارى ومسلم . وعن ابن مسعود - رضى الله عنه - قال : "من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهناً يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - " رواه أبو يعلى في مسنده والطبرانى وقال المنذري رواته ثقات . وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد " رواه أبو داود وصححه الألبانى .

  والنشرة من عمل الشيطان , وهى حل السحر عن المسحور , ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر فلا يجوز حل السحر بالسحر وإنما يتم ذلك بالرقى الشرعية , وقد نزلت المعوذتان بشأن ذلك قال تعالى : {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق : 4] وهذا الشر هو شر السحر فإن النفاثات فى العقد هن السواحر اللاتى يعقدن الخيوط وينفثن على كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر كما قال ابن القيم - رحمه الله- :

( ومن أعظم الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة الاستعاذة بالله وتقوى الله تعالى وحفظ أوامره والتوكل عليه سبحانه والتوبة من جميع الذنوب والمعاصي , والصدقة والإحسان والإكثار من تلاوة القرآن والمحافظة على الأدعية المأثورة , واستخراج السحر وإبطاله واستعمال الأدوية المباحة شرعاً , ولنعلم أن الأمور تجرى بقدر {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة : 102] وما ورد عن عمر وغيره - رضي الله عنه - من قتل الساحر يحتاج إلى تثبت وحيطة ونظر فى عواقب الأمور , ويقوم به الحاكم أو من ينوب عنه بحيث تتحقق المصلحة وتندفع المضرة والمفسدة ففي الكتاب الذي كتبه عمر قبل موته بسنة " اقتلوا كل ساحر وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة , فقتلنا في يوم واحد ثلاث سواحر وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.

  قال ابن تيمية " أرباب السحر والنيرنجيات وعمل الكيمياء وأمثالهم ممن يدخل فى الباطل الخفي الدقيق يحتاج إلى أعمال عظيمة وأفكار عميقة وأنواع من العبادات والزهادات والرياضيات ومفارقة الشهوات والعادات ثم آخر أمرهم الشك بالرحمن وعبادة الطاغوت والشيطان وعمل الذهب المغشوش والفساد في الأرض والقليل منهم ينال بعض غرضه الذى لا يزيد من الله إلا بعداً وغالبهم محروم مأثوم يتمنى الكفر والفسوق والعصيان وهو لا يحصل إلا على نقل الأكاذيب وتمنى الطغيان سماعون للكذب أكالون للسحت عليهم ذلة المفترين ا.هـ. فإياك والسحر واستلحاق الأذى والمضرة بالآخرين وإن دعتك نفسك للانتقام فتذكر أن السحر شرك بالله وكفر به وهو عمل بغيض وخلق ذميم يورث خسران الدنيا والآخرة ويغضب الرب وهو بمثابة معول هدم في المجتمع وفيه هلاك الساحر ومذلته في الدنيا قبل الآخرة.