أساطير شيعية
رمضان الغنام
لا يختلف الواقع الشيعي في كثير من ملامحه عن الواقع اليوناني الوثني الذي نمت فيه الخرافات والأساطير، والتي ظلت حاضرة في المخيال الغربي والأوروبي منه على وجه الخصوص.
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
لا يختلف الواقع الشيعي في كثير من ملامحه عن الواقع اليوناني الوثني الذي نمت فيه الخرافات والأساطير، والتي ظلت حاضرة في المخيال الغربي والأوروبي منه على وجه الخصوص.
فلقد أسهمت الأساطير اليونانية بنصيب كبير في تشكيل العقل الأوروبي رغم الحضور الطاغي لمسيحيته، وتعصبه الشديد لها، فكانت الأساطير اليونانية مرتكزًا وأساسًا لكثير من المعتقدات التي يؤمن بها المسيحي، ما أدّى -إلى جانب عوامل أخرى- إلى تحريف النصرانية وخروجها عن النسق السماوي.
وبذات القدر كان لأساطير دولة آل ساسان بالغ الأثر في بناء الشخصية الشيعية وترسيم حدودها العقدية، عبر مجموعة من الأساطير والمعتقدات الوثنية، والتي توارثها الشيعة، وعملوا على ربطها بواقعهم العقدي.
إضافة إلى أساطير دولة الفرس القديمة كانت هناك أساطير جديدة من صنع الساسانيين الجدد، الذين ناصبوا الدولة الإسلامية، والإسلام العِداء، منذ أن سقطت دولتهم في يد المسلمين، ودانت بالولاء لدولة الخلافة، لكنها لم تبتعد كثيراً عن جذور العقل الفارسي، وهذا ما سنجليه خلال الأسطر الآتية.
دلالات لفظة (الأسطورة):
الأسطورة في معناها الاصطلاحي هي حكاية مقدسة، ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان، على حد تعريف فراس السواح لها (الأسطورة والمعنى - فراس السواح، ص: [14]).
ويعرفها كل من لابيير وفارنزورث بأنها عبارة عن شائعة أصبحت جزءً من تراث الشعب الشفهي، ومن الناحية اللغوية كثيرًا ما نستخدم كلمة شائعة مكان أسطورة والعكس صحيح (الحرب النفسية - معركة الكلمة والمعتقد - صلاح نصر: [1/311]).
وبشكلٍ أوضح يعرفها الفيلسوف الفرنسي بول ريكور بقوله إنها: "حكاية تقليدية تتعلق بأحداث وقعت في الزمـن الأول، ومخصصـة لتأسيس الفعل الشعائري، وبشكلٍ عام تأسيس كل الأشكال والفكر، من خلالها يفهم الإنسان داخل عالمه" (الأسطورة - يونس لوليدي، ص: [7]).
فالأسطورة ترتبط بالأساس بالمكون الديني والعقدي الذي يصنعه الإنسان لنفسه، ودائمًا ما تقترن بالديانات الوضعية القديمة، التي تكثر فيها الخرافة، عبر مجموعة من الحكايات المغرقة في الخيال واللامعقول.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "معظم أساطير الأولين هي من صنع خيال السومريين والبابليين، وأنها قد وضعت لتفسير الخليقة والتكوين وأحوال الآلهة التي هي في صراع مع الإنسان، وإيضاح حادثات الكون الكبرى وفكرة الجان والشياطين والروح والنفس، وقد انتشرت حتى بلغت الجزيرة العربية، ومنها ما رواه هيردوت اليوناني وتيودور الصقلي وما ورد في العهد القديم" (مقال: ابتعاث الأسطورة مؤامرة جديدة تواجه الفكر الإسلامي - الأستاذ أنور الجندي).
يضيف الأستاذ الجندي: "ولا ريب أن هذا كان بضاعة الوثنيين وما زال صناعة الكارهين لدين الله الحق، ذلك أن دين الله منذ أول البشرية قد قام لمعتنقيه الإجابات الكاملة لكل هذه التساؤلات وهدي نفوس البشر إلى الحق والهدى" (مقال: ابتعاث الأسطورة مؤامرة جديدة تواجه الفكر الإسلامي - الأستاذ أنور الجندي).
بين الإثنا عشرية، وديانات إيران القديمة:
خلال هذا المقال سنطوف سريعًا على عدد من الأساطير الشيعية التي ارتهن وجودها بتأثيرات قديمة ترتبط بالأساس بتاريخ إيران ومعتقدها الوثني القديم، مع بيان العلاقة بين أساطير شيعة اليوم والوثنية الفارسية القديمة.
فبين الاثنى عشرية وديانات إيران القديمة تلاقح عجيب، وقد لخص هذا التلاقح الكاتب خليل الرفاعي بقوله: "إن ديانة الفرس المجوس الإثنا عشرية ليست ديانة إشراك بالله بجعل الأنداد لله والتعبُّد بالقبور والأوثان والظواهر والكواكب تقربًا إلى الله زلفًا، كما تعارفت عليه الأديان الوثنية العديدة التي صنعها البشر، بل هي ديانة نفي الله وإلغاءه بالافتراء عليه بإعادة هيكلة المجوسية وصياغتها بثنائية ألوهية القبور وربوبية الآيات وأحبار المعابد (الحوزات) وقداسة كهنة ورهبان الزرادشتيات (الحسينيات) حيث تنفرد الديانة المجوسية عن سائر الأديان الوثنية الأخرى بأنها نتاج عقل جمعي فارسي قومي" (مقال: منطلقات الثأر الفارسي القومي و حَربِ الانتقام المجوسيةِ ضِدَّ "الله، الإسلام، العرب"، ج1، للكاتب خليل الرفاعي).
أسطورة (ميثرا) ومبدأ الحق الإلهي:
الحق الإلهي مبدأ قديم، وهو مبدأ شائع عند جماعات بشرية كثيرة، وهذا المبدأ في أساسة لا شيء فيه، بل هو الواجب اعتقاده عند كل جماعة أو فرقة أو ملة، لكن مشكلته في هذا السياق تكمن في التطبيقات البشرية له، وامتزاجه بالأساطير التي راجت في إيران القديمة، وغيرها من بيئات العالم القديم.
والحق الإلهي باختصار يعني "أن الله هو المصدر الحقيقي للسلطة في الأرض"، لكن العقل الشيعي وقبله العقل الإغريقي والفارسي، قاموا بسلب هذا الحق من الله عز وجل وتوكيل البشر به، بل تأليههم ليحق لهم ما يحق لله عز وجل.
فشابه ذلك عند الشيعة عقيدة الولي المعصوم، الذي منح كافة الصلاحيات لتقرير ما شاء من العقائد وحذف ما شاء، إلى جانب ذلك رأى الشيعة أنه لا حق لأحد في تولي أمور المسلمين من خارج السرب الشيعي، فهم الأطهار دون غيرهم، وهم الأحق بكل شرف، وبكل ولاية ورئاسة.
ومن تبعات هذه المذهب أيضًا -بل هو التبعة الأولى التي نشأ عنها غالب العقائد الفاسدة في المعتقد الشيعي، فيما يخص هذه الأسطورة- اعتبار السلطان الحاكم بأمر الله، الذي له الحق في التصرف في رعيته بما شاء وكيفما شاء، أو ما يعرف اليوم بالحكم الثيوقراطي.
ولمبدأ الحق الإلهي جذور في أساطير الديانة الميثروية -وهي إحدى الديانات الإيرانية القديمة- فقد كان لأسطورة تأليه ميثرا عظيم الأثر في انتشار هذه الديانة، واعتناق العامة لها، ونفاذها إلى أكثر من ديانة وحضارة.
و"الاعتقاد السائد بشأن الميثروية، أنها ليس إلا نتيجة تمازج بين معتقدات ما بين النهرين وفارس حيث تجسد الإله الإيراني ميثرا مع شمش، إله الشمس في بلاد ما بين النهرين، وانتشرت هذه العبادة في المناطق الغربية لحدود الدولة الأخمينية، من آسيا الصغرى إلى بابل وأرمينيا في النصف الثاني للألف الأول ق.م. حيث ظهر ميثرا عند الرومان والإغريق متمثلًا بشخص الإله هيلوس" (مقال: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلام السومري).
و"ميثرا أو ميهرا أو (مهرا، ميترا، مهر، ميهير، والذي اشتق من اسمه بالفارسية لفظة مهرجان، للدلالة على الاحتفال) ظهر اسمه في التاريخ لأول مرة في نص الاتفاقية التي جرت بين الملك الحثي -شوبيلو ليوما- و-ماتيوازه- الميتاني عام 1350ق.م، بينما ترجع الديانة الميثرية بتاريخها إلى حوالي القرن الـ 16 ق.م، في مناطق فارس القديمة، وفترة انتشار الآريين في مرتفعات جبال زاغروس، وشمالي وادي الرافدين" (مقال: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلام السومري).
ويرى نبيل فياض في دراسة موجزة له عن "الميثرائية" أنه منذ القرن الثاني للميلاد، راح الأباطرة يشجعون على انتشار الميثرويّة، لأنها تدعم الحق الإلهي للملوك، فقد كان الفرس يعتقدون أنّ الملك الشرعي إنما يحكم بنعمة أهورا مازدا، الذي كان يظهر معروفه بإرسال هفارينو -Hvareno- أي هالة نار سماويّة؛ وفي رأيهم أن الشمس هي التي تمنح الهفارينو، من هنا يصبح ميثرا، المتماثل مع سول أنفكتس -Sol Invictus- ذاك الذي يعطي السلطة والنصر للبيت الملكي (نصوص سرّانيّة الميثرائية - نبيل فياض).
أسطورة (ساوشيانت)، ومهدي السرداب (المنتظر):
فكرة انتظار المخلص فكرة شائعة في غالب الديانات والملل، بل ربما وُجد لكل فرقة من فرق الديانة الواحدة منتظرًا خاصًا بها ترجوه وتتهيأ له، وتهيئ أجواء قدومه، لمنحهم الخلاص، وهذه الفكرة حاضرة عند الشيعة الإثنى عشرية بشكلٍ طاغي، ولا نكون مبالغين إن قلنا أن لُبَّ العقيدة الإثنى عشرية وفحواها يتجسد في فكرة انتظار (مهديهم المنتظر)، بل ما سَمُّوا أنفسهم اثنى عشرية إلا لأن مهديهم هو الإمام المتمم لأحد عشر إمامًا من أئمتهم، قد سبقوه.
ولسنا هنا بصدد تفنيد هذا الزعم وإثبات كذبه، ويكفينا القول إن منتظر الشيعة لم يوجد بالأساس، فمحمد بن الحسن العسكري، مهدي الشيعة المزعوم، لم يولد من الأساس حتى يجلس الشيعة ليقيموا لطميات انتظاره على باب سردابه، ليعود وينتقم لهم من أعدائهم. فالحسن العسكري -وهو الإمام الحادي عشر عندهم- كان عقيماً، وبهذا يبطل زعم الشيعة، بل يبطل مذهبهم القائم على فكرة الإمامة والمهدية.
نأتي الآن إلى الحديث عن فكرة الانتظار في ديانات إيران القديمة، وهي فكرة لا تبتعد كثيرًا عن معتقد شيعة إيران الآن، يقول المستشرق الفرنسي هنري كوربان المتخصص في الشأن الشيعي، لبيان علاقة منتظر الشيعة بالأساطير الفارسية القديمة: "إن فكرة الإمام الثاني عشر، الشيعية، الإمام (المحجوب) المستور، الإمام (المنتظر) تسجل نسبة ملفتة للنظر مع فكرة المنقذ سوستنيان في فارس زورواستر القديمة" (في الإسلام الإيراني جوانب روحِية وفلسفية "الشيعة الاثنا عشرية" -هنري كوربان- ترجمة: د. ذوقان قرقوط، ص: [23]).
كما أن الظروف المحيطة بمخلص الزرادشتية والديانات الوثنية بصفة عامة تتشابه إلى حد كبير مع زعم الشيعة حول أحوال مخلصهم، فـ "أكثر المخلصين في الديانات الوثنية ولدوا في كهوف أو جحور تحت الأرض، وكذا مهدي الرافضة في سرداب سامراء، والمخلصون في الديانات الوثنية قهروا بقوى الشر والظلم، وكذا الروافض زعموا أن أئمتهم قهروا وقتلوا" (أثر الديانات الوثنية في عقائد الرافضة - د. بسمة بن محمد جستنية - رسالة دكتوراه، ص: [611-612]).
ويذهب علماء وباحثون، ومنهم علماء من الشيعة إلى أن فكرة المهدية فكرة مقتبسة من أصول أسطورية فارسية مجوسية، يقول الشيخ أحمد الكسروي -وهو شيعي سابق تحول إلى السنة-: "لا يخفى أن قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمى (يزدان)، وإله شر يُسمَّى (أهرمن)، ويزعمون أنهما لا يزالان يحكمان الأرض حتى يقوم (ساوشيانت) النبي، فيغلب (أهرمن)، ويصير العالم مهداً للخير، وقد تأصّل عندهم هذا المعتقد، فلما ظهر الإسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالإيرانيين سرى ذلك المعتقد منهم إلى المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غريبة" (التشيع والشيعة- أحمد الكسروي، ص: [35])، و(ساوشيانت) هو مخلص الزرادشتية المنتظر.
أسطورة (اهورامزدا) و(هرمن)، وإشراك الله في أفعاله:
من الأفهام المغلوطة لمعاني الربوبية عند الشيعة قولهم أن الله يفعل الخير ولا علاقة له بأفعال الشر، وهو فهم قاصر لمقام الربوبية، وذلك لأن من لوازمه أن يكون لله شريكاً في تصريف أمور هذا الكون، مختصاً بأفعال الشر التي نزَّهوا الله عنها جهلًا أو عنادًا وكفرًا.
فقد جاء عن المفيد قوله: "إن الله تعالى لا يريد إلا ما حسن من الأفعال ولا يشاء إلا الجميل ولا يريد القبائح ولا يشاء الفواحش" (تصحيح اعتقادات الإمامية للشيخ المفيد، ص: [50]).
وهذا القول يقارب قول المجوس، حيث زعموا أن للعالم خالقين، خالق للخير ويُسمُّونه (اهورامزدا)، وخالق للشر ويُسمُّونه (هرمن)، فـ(اهورامزدا) هو الإله الأوحد الذي يُمثِّل الخير والحق والنور، أما (هرمن) فهو يُمثِّل الشيطان والشر والظلام، وهو مسبب الخطايا والجرائم في هذا الكون بحسب الزعم الزرادشتي (ينظر: معتقدات آسيوية - كامل سعفان، ص: [106-107]).
وهكذا فلغالب المعتقدات الشيعية الشاذة أصول قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ العقدي عند قدماء الفرس، حيث تتعدد المِلل والديانات، في وسط لا يعترف سوى بالأسطورة والحكايات التي تأسر العقل البشري ويعجز عن تفسيرها، ومن ثم فليس أمامه سوى الاستسلام لها، والنظر إليها بشيء من القداسة.
فهذه كانت إطلاله سريعة على الواقع الشيعي الاثني عشري، لبيان ما عليه شيعة اليوم من ضلالات، وسوء معتقد، وما ذكرته هنا -كما يقال- غيض من فيض، وليس الأمر عند الشيعة الإثنى عشرية قاصر على خرافات الفرس، بل في العقيدة الشيعية أساطير تستمد أصولها من خارج السياق الفارسي المجوسي، إلى سياقات أخرى إغريقية وبابلية يهودية... إلخ.