أويس القرني الإفريقي
وائل عبد الغني
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
وكان العكس ففي الوقت الذي لم يتهم فيه أي من أمراء الحرب، وجد نفسه مواجهاً بتهمة الإرهاب مع مزاعم بطلبه للعدالة، والسبب سابقته في كونه على رأس المتهمين بأسلمة المجتمع الصومالي في عهد عرف بالاستبداد في ظل حكم شيوعي.. ثم بسعيه الحثيث في استقلال الصومال وانضوائها تحت حكم الشريعة.. ذلك هو الشيخ حسن طاهر أويس وليس عويس كما يتردد في كثير من وسائل الإعلام العربية..
بساطة في العيش وتواضع عليه سيما العلم، وبذل للنفس والنفيس في سبيل قضيته التي نذر نفسه لها، يحمل أمالاً كبيرة عبر عنها كثيراً في مواقفه وأقواله.. ودفع ثمنها حريته حيناً من عمره ، وكاد أن يدفع حياته من أجلها في عهد سياد بري، فهو بحق أحد أبرز القيادات الإسلامية الصومالية في العقود الأربعة الأخيرة، وأحد مؤسسي الحركة الإسلامية في السبعينات والتي واجهت خطر التمدد الشيوعي في ظل نظام سياد بري.
جمع له وضوحه الشديد في كلامه وشجاعته الأدبية في التعبير عما يعتقد ويؤمن به من قيم وأفكار - جمع له محبة القريب وعداوة الأبعدين، ومع ما يتمتع به من نبل في الخلق إلا أنه لم يسلم من حملات تشويه تأتي متوافقة بين الإعلام الغربي وكثير من وسائل الإعلام العربية، حين تصوره كمطلوب للعدالة الأمريكية العمياء، بل ومطلوب أيضاً للمحاكمة لدى الأمم المتحدة بتهمة إيواء عناصر من القاعدة ودعم الإرهاب، لكن الرجل الذي لا يلقي بالاً لمثل هذه التهم؛ نذر نفسه لقضية بناء الصومال القوي بإسلامه المعتز بعروبته.
ينتمي الشيخ أويس إلى قبيلة عير التي تعتبر مخزون المجاهدين الصوماليين ضد أميركا، وتتهم أميركا المحكمة التابعة لهذه القبيلة مع الفصيل الذي يمثله الشيخ حسن طاهر أويس وآدم عيرو بإيواء أفراد من تنظيم القاعدة، وهي نفس القبيلة التي ينتمي لها عبدي قاسم صلاد حسن الرئيس الانتقالي لحكومة عرتى والذي عرف بمواقفه الوطنية، ولعل هذا يفسر لنا بعض دوافع الولايات المتحدة وإثيوبيا في إسقاط حكومته.
تلقى الشيخ أويس تعليمه الديني على النظام الأهلي في المساجد كعادة علماء الصومال، ثم تخرج في مدرسة جمال عبد الناصر الثانوية في مقديشو، وبعد إنهائه الثانوية التحق بالجيش الوطني الصومالي وترقى فيه حتى بلغ رتبة عقيد.
لكنه في عام 1987م حكم عليه بالإعدام بتهمة الدعوة إلى "أسلمة" المجتمع وإرجاعه إلى الحكم الإسلامي، ثم تمَّ تخفيف الإعدام إلى السجن المؤبَّد، وأُفرج عنه بعد ثلاث سنوات من الاعتقال.
وبعد سقوط حكومة بري كان له دوره البارز في بعث الروح الإسلامية في المجتمع الصومالي، حين تزعم في بداية التسعينات حركة الاتحاد الإسلامي وبذل ما في وسعه لإخماد الفتنة وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، إلا أن جهات خارجية مارست ضغوطاً واحتالت من أجل إقصائه من اللعبة في الصومال، وقد قبل بذلك مضطراً إلى حين، نزولاً عند رغبة الوجهاء لإنجاح حكومة عرتى رغم اختلاف تقديراته حينها للأمر.
لكنه مارس تحركه في اتجاه آخر من أجل الاستفادة من الوقت قدر المستطاع، حيث أنه وبعد حل قوات الاتحاد الإسلامي وتسليم أسلحته لحكومة عرتى، عاد الاحتراب أشد ما يكون، وظهرت مليشيات زعماء الحرب، فشرع ومعه بعض العلماء والوجهاء تستجيب للتهديدات القائمة حينها بما يجب حينها وفعل من وجود المحاكم الإسلامية لتقوم بمصالح الناس بعد غياب الدولة.
ومما يذكر له أنه وفي عام 1991 وبعد دخول الصومال في أتون الحرب الأهلية وقعت معارك بين قوات حركة الاتحاد الإسلامي الفصيل ـ الذي يقوده أويس ـ وفصيل آخر كان يقوده الرئيس الصومالي الحالي عبد الله يوسف وتمكن من أسر العقيد عبد الله يوسف مع عدد من رفاقه ثم أمر بإطلاق سراحه بعد عدة أيام، تلبية لشفاعات قبلية وشرعية في الصومال.
كان صاحب المبادرة بالدعوة إلى تطبيق الشريعة التي نذر حياته من أجلها، فحين عقدت قبيلتا (عير) و(هبرجدر) جلسةً لحلِّ خلافاتٍ كانت بين الجنرال الراحل عيديد والجنرال محمد جلال- وهما من قبيلة هبر جدر- استغل الشيخ الفرصة في شجاعة وقام في الحاضرين من الأعيان والكبار وقال لهم: ما الذي يعجزكم عن أن تتبنَّوا تحكيم شريعة الإسلام فيما بينكم، وكانت الساعة الرابعة صباحًا، وتشاور الناس ثم ردَّ عليه كبيرهم في الساعة العاشرة مساءً، وأعلن تبنيهم للشريعة، وبعد أربع سنوات من ذلك تشكَّلت المحكمة، بعد أن وقَّع كلُّ فرد في القبيلة على موافقته على تنفيذ شرع الله..
واهتم الناس وتحمست كثير من القبائل للفكرة كل قبيلة في إطارها.. ومن ثم تتابعت المحاكم الإسلامية واتحدت أيام حكومة عرتى..
ومازالت المحاكم ـ بفضل الله ـ تكتسب كل يوم ثقة الناس حتى كان الالتفاف الكبير حولها في أحداث مقديشو والتي بدأت في مارس الماضي واستمرت حتى يوليو لتوحد العاصمة لأول مرة بعد سقوط نظام سياد بري بعد فشل جميع المحاولات في ذلك ومما يذكر في ذلك أنه قد فشلت أربع عشرة مبادرة لحل الأزمة ولكنها لم تفلح في حين أن مصداقيه هذا الرجل ومن معه منحته ثقة الشعب فحقق المستحيل لدى غيره.
وقد كان لحرصه على إسلامية ووحدة الصومال وعلى هويته العربية دوره في التفاف الشعب حوله، واستمر نهجه في رفض أي تدخل أجنبي في الصومال، وبرز نجمه حين فشلت جميع المحاولات أو أفشلت في استعادة الأمن والاستقرار.
كما كان لمواقفه القوية أثرها البالغ في تحول كثير من القبائل الصومالية نحو تطبيق الشريعة، وهو ما جلب عليه نقمة النخب العلمانية في الداخل والمحيط الإقليمي وغضب الولايات المتحدة.
انتخب كأول رئيس لمجلس شورى اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال في يونيو الماضي على رأس 88 عضواً، وبموجب هذا المنصب يشرف على وضع السياسة العامة للمحاكم، ويقوم بدور رقابي بينما يدير الشيخ شريف شؤونها اليومية.
وجاء قرار انتخابه بإجماع أعضاء المحاكم وحال تغيبه عن مقديشو، وعندما بُلِّغ بالقرار رفض المنصب بشدة، لكنه ومع إصرار من حوله من قادة المحاكم وتعين الواجب عليه رضخ لنداء الواجب كما عبر هو.
حاولت الولايات المتحدة قطع الطريق على صعود نجمه بإدراج اسمه ضمن قائمة المجمدة أموالهم وهو إجراء تتخذه الحكومة الأمريكية من أجل إعلان الضغط الإعلامي والسياسي على الشخص الذي تريد حصاره، بينما أشيع حينها أنه من المطلوبين للعدالة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة بتهمة الإرهاب وخضع حينها لعملية تشويه منظمة عبر بعض وسائل الإعلام..
اتسمت رؤيته بالوعي الشديد للواقع المعاش وإدراك جيد لدروس التاريخ في منطقة القرن الإفريقي، كما تبدي مواقفه مرونة وسماحة تحمل روح الإسلام دون لين في الحق، ويعكس ذلك قوله: "القضايا التي بيننا وبين الجيران لا يبرر ضعفنا الحالي التنازل عن حقنا فيها"، في إشارة إلى إقليم أوغادين المتنازع عليه والتوتر الحالي بين البلدين.
ويضيف: "نحن نقبل بحل هذه القضايا بالمفاوضات على أساس العدل ونرحب بأي جهود من المجتمع الدولي إذا كان بمقدوره حلها".
يقول عن نفسه: "أنا من هؤلاء الذين يريدون أن يقيموا دولة إسلامية في أوطانهم، التي تريد أن تستعيد مجدها، لأن المسلمين كلهم متفقون على أن الحكم بغير كتاب الله كفر، فلابد من استعادة الحكم بالشريعة.. والاستعمار هو الذي أخرجنا من هذا الخير فلابد من استعادته، فهذه الاستعادة.. هم يحاربوننا على هذه الاستعادة حتى لا يأتي إسلام مجاهد يقاتلهم في أوطانهم.
يرى أن التحدي الأكبر يتجلّى في رفض العالم الغربي لإرادة الشعب الصومالي باختياره الإسلام، ومن ثم فإن ممانعة النظام الغربي الأحادي القطبية بقيادة أمريكا التي تحكم العالم، تضع الصوماليين أمام معادلة صعبة تتطلب المزيد من الصبر واليقين، حيث المياه كلها تتجه إلى الشمال بينما الصوماليون يريدونها على عكس الهوى، وهو ما يدفع حسب اعتقاده نحو الاصطدام الحقيقي .
ومنذ توليه رئاسة مجلس الشورى في أغسطس الماضي وضع خطة طموحة لإعادة الاستقرار للبلاد خلال ثلاثة أشهر، وهو ما تحقق كثير من جوانبه، إلا أنه يرى في التدخلات الأمريكية المتلبسة بالفعل الإثيوبي أو الكيني في داخل الصومال تهديداً حقيقياً وخطيراً يحول دون استعادة الأمن والاستقرار ، كخطوة في طريق الاستقلال وإعادة بناء الدولة الصومالية على أساس هوية الشعب الذي يدين كله بالإسلام .
يقول عن نفسه: "أنا إسلامي سياسي والسياسية الإسلامية.. يعني في كل موطن لها.. يعني أسلوبها، شرط ألا يخرج عن الإسلام.. وإذا سموا هذه أصولية إسلامية فهي تأتي كرد فعل طبيعي لتوجهات الأصولية المسيحية الغربية.