مدح البَشَاشَة وطلاقة الوجه في السنة النبوية

«لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق» .قوله صلى الله عليه وسلم: «ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق»

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -


وردت أحاديث من السُّنَّة النَّبويَّة، تحثُّ على البَشَاشَة وطلاقة الوجه، ومن هذه الأحاديث:
* عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق» .قوله صلى الله عليه وسلم: «ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق»، روي (طَلْق) على ثلاثة أوجه: إسكان اللام وكسرها، وطليق، بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط. فيه الحثُّ على فضل المعروف، وما تيسَّر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللِّقاء.

* عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق».
قال المباركفوري: "...«وإنَّ من المعروف» أي: من جملة أفراده، «أن تلقى أخاك» أي: المسلم. «بوجهٍ» بالتنوين، «طَلْق» معناه: يعني تلقاه منبسط الوجه متهلِّله". وقال في (دليل الفالحين): "أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين". وقال أيضًا: "أي: متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام؛ لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعر لمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، والمطلوب من المؤمنين التوادُّ والتحابُّ" .

* عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرَّجل في أرض الضَّلال لك صدقة، وبصرك للرَّجل الرَّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشَّوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة». «تبسُّمك في وجه أخيك» أي: على وجه الانبساط. «صدقة» أي: إحسان إليه، أو لك، فيه ثواب صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، والصَّدقات مختلفة المراتب. قال المناوي: "...«تبسُّمك في وجه أخيك» أي في الإسلام، «لك صدقة» يعني: إظهارك له البَشَاشَة، والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة. قال بعض العارفين: "التبسُّم والبِشْر من آثار أنوار القلب، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ . ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38- 39]".

قال ابن عيينة: "والبَشَاشَة مصيدة المودَّة، و البِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن". وفيه رَدٌّ على العالم الذي يصَعِّر خدَّه للناس، كأنَّه معرض عنهم، وعلى العابد الذي يعبِّس وجهه ويقطِّب جبينه، كأنَّه منزَّهٌ عن النَّاس، مستقذر لهم، أو غضبان عليهم. قال الغزالي: "ولا يعلم المسكين أنَّ الورع ليس في الجبهة حتى يُقَطَّب، ولا في الوجه حتى يُعَفَّر، ولا في الخدِّ حتى يُصَعَّر، ولا في الظَّهر حتى ينحني، ولا في الذَّيل حتى يُضَمَّ، إنَّما الورع في القلب". قال ابن بطَّال: "فيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النُّبوة، وهو مناف للتكبُّر، وجالب للمودَّة".
 

المصدر: الدرر السنية