الخمر بين الإسلام والنصرانية

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: اليهودية والنصرانية -

أحمد ديدات

 

تمهيد: إن جمهورية جنوب إفريقيا ذات الأقلية البيضاء، التي تقدر بأربع ملايين نسمة، من بين مجموع السكان البالغ عددهم أربعين مليون نسمة. بها حوالي ثلاثمائة ألف مدمن خمر، يسمونهم (الكحوليين). وتظهر الإحصائيات أن عدد مدمني الخمر من الملونين في جنوب إفريقيا يوازي خمسة أضعاف عدد مدمني الخمر ضمن أي جنس آخر.

ويذكر المبشر الإنجليزي، جيمي سواجرت. في كتاب له بعنوان (الخمر): إن أمريكا بها احد عشر مليون مدمن، وأربعة وأربعين مليون من المفرطين في شرب الخمر.

الخمر النصرانية:

إن شرور معاقرة الخمر منتشرة في العالم كله. وروح القدس لم يبد رأيه و لم يعلن قراره في هذه المصيبة والكارثة من خلال أي كنيسة لحد الآن. إن العالم النصراني يتغاضى عن معاقرة الخمور على أساس ثلاث حجج واهية. تستند إلى الكتاب المقدس.

الخمر في العهد القديم:

"أعطوا مسكرا لهالك و خمرا لمريئ النفس يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه" (الامثال6:31). انك ستوافقني تماما بان هذه الفلسفة ناجحة لمن يريد إبقاء الأمم الخاضعة مستعبدة.

الخمر في العهد الجديد:

يقول شاربو الخمر: إن يسوع لم يكن هادم لذات. فلقد حول الماء إلى خمر في أول معجزاته على الإطلاق، كما هو مدون في الكتاب المقدس: "قال يسوع إملأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم: استقوا وقدموا إلى رئيس المتكأ. فقدموا، فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرا ولم يعلم من أين هي. لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا علموا. دعا رئيس المتكأ العريس، وقال له: كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتا سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فأبقيت الخمر الجيدة إلى الآن". ( يوحنا 7:2). ومنذ أن جرت تلك المعجزة، والخمر لم تزل تتدفق كالمياه في العالم النصراني.

النصيحة الرزينة:

إن القديس بولس الحواري الثالث عشر للمسيح، الذي عين نفسه تلميذا للمسيح، والمؤسس الحقيقي للنصرانية، ينصح أحد رعاياه المتحولين حديثا إلى النصرانية، ويدعى تيموثاس، قائلا: "لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمرا قليلا من أجل معدتك و أسقامك الكثيرة". (رسالة بولس إلى ثيموثاوس 23:5).

موقف النصرانية ومفسري الكتاب المقدس من الخمر:

إن النصارى يقبلون جميع شواهد المشروبات الكحولية والمسكرة، والتي ذكرناها سابقا. باعتبارها كلام الله المعصوم. وهم يعتقدون أن الروح القدس ألهم مؤلفي أسفار العهد الجديد بكتابة مثل هذه النصائح الخطيرة.

ويبدو أن القس دميلو، لديه بعض الشكوك بخصوص رسالة بولس، ويقول: "إنها تعلمنا أنه من الصواب تعاطي المسكرات من الخمر. ولقد تعلم الآلاف من النصارى إدمان الخمور، بعد أن رشفوا ما يسمونه دم المسيح أثناء المشاركة في شعائر الكنيسة".

الخمر في الإسلام:

الإسلام هو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي حرم الخمر بالكامل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ما أسكر كثيره فقليله حرام ». فلا يوجد عذر في دين الإسلام لمن يرشف رشفة أو يتناول جرعة من أي شراب مسكر. إن القران الكريم كتاب الحق. حرم بأشد العبارات ليس فقط شرب الخمر وما تجلبه من شرور. بل حرم كذلك الميسر والقمار والنصاب والأزلام. أي أنه حرم الخمر وعبادة الأوثان والأصنام والعرافة وقراءة الطالع في آية واحدة.

الخمر في القران:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90].

موقف المسلمين من الخمر:

وعندما نزلت هذه الآية أفرغ المسلمون أوعية الخمر في شوارع المدينة، ولم يعودوا إلى شربها مرة أخرى. إن هذا التوجيه الصريح البسيط، قد جعل الأمة الإسلامية أكبر تجمع من الممتنعين امتناعا تاما عن شرب الخمر في العالم.

بين يدي الرسالة:

"إن الخمر تشل الحواس وتجعل المرء يترنح ويتقيأ، وتطفئ البصيص الضعيف من القدرة على الجدل والإقناع بالحجة والمنطق، التي تتقد ثم تخبو في تردد داخل عقولنا، وسرعان ما تتغلب الخمر على أشد الرجال قوة وتحوله إلى شخص ثائر هائج عنيف، تتحكم فيه طبيعته البهيمية، محمر الوجه، محتقنة عيناه بالدم، يجأر ويقسم ويتوعد من حوله ويسب أعداء خياليين، ولا يوجد مثل هذا السلوك المخزي بين أي نوع من أنواع الحيوانات، لا بين الخنازير ولا ابن آوى ولا الحمير. وأبشع ما في الوجود هو السكير، فهو كائن منفر، تجعل رؤيته المرء يخجل من انتمائه لنفس النوع من الأحياء". من أقوال الدكتور الفرنسي (شارل ريشيه) الحاصل على جائزة نوبل للفسيولوجيا.

هناك العديد من القوى المدمرة التي تنتهك وتدمر الأمم، واحد أخبث وأخطر هذه القوى هي الخمر. السود في جنوب إفريقيا ينفقون ألف مليون راندا سنويا على الخمر. ينفق السود مبلغا مذهلا سنويا على الخمر. هذا المبلغ المذهل يبدده أفراد شعب من السود الفقراء على الخمر فقط. وتكلف الخمر جنوب إفريقيا خمسمائة مليون راندا سنويا بسبب الحوادث والأسر المنهارة والأنفس الضائعة. فمعظم حوادث الطرق يتسبب فيها أشخاص واقعون تحت تأثير الخمر. والسيارة التي يقودها سائق مخمور تتحول إلى نعش.

والخمر لا تحتوي على أي قيمة غذائية. فهي لا تحتوي على أي أملاح معدنية أو بروتينات. ويذهب تسعون بالمائة منها إلى مجرى الدم. وبناء عليه فإنها لا تحتاج لأي هضم وليس لها أي تأثيرات نافعة على الجسم. والخمر عامل هام من العوامل المسببة لأمراض القلب والكبد والمعدة والبنكرياس. كما أن الخمر تسبب الإكتئاب النفسي، وتسبب في أشد التغيرات المدمرة في المخ.

إن سبعين في المائة من حالات الطلاق والأسر المنهارة هي بسبب الخمر. وللأسف فان أكثر الناس يعتقدون أن شرب الخمر هو أمر يقربهم إلى المجتمع ويدمجهم فيه. فهم يريدون الانتماء إلى المجتمع. ويريدون أن يعدوا في مصاف العصريين والتقدميين. ليست لديهم الشجاعة والإرادة لكي يثبتوا في وجه ما يلاقونه من ضغط وهجوم. فلا يستطيعون أن يرفضوا هذا السم بصوت عال واضح.

وصانعوا الخمر لا يشعرون بتأنيب الضمير. فلا يهمهم أن تغرق الأمة طالما يحققون أرباحهم. وهم يعلنوها بصراحة: "إننا لا نشعر بالذنب". ولكي يجعلوا الخمر في متناول الجمهور، فإنهم يرعون ويمولون الرياضة والاحتفالات، وهذا لكي يصطادوا الشباب.

إن إدمان الخمر عادة سيئة يمكن أن تبدأ بتناول كاس واحدة، كتلك التي يتناولها النصارى في احتفالاتهم الدينية، ومتى بدأت فانك تصبح مدمنا للخمر مدى الحياة إلا أن يشاء الله. إن الأطفال الذين يولدون للنساء اللاتي يشربن الخمور يكونون عادة متخلفين عقليا ولديهم خلل تناسلي وثقوب بالقلب ويكونون أصغر حجما وأخف وزنا من الأطفال العاديين. إن الخمر داء.

ومن المستفيد ؟

لوان المال المبدد كان ينفق في حماية الضعفاء ومساعدة الفقراء وشفاء المرضى وإعانة الأرامل والأيتام وإيجاد فرص عمل وتقليل البؤس وجلب السعادة. ربما أمكن الدفاع عن هذا التبديد.

بخلاف جميع الأديان والمذاهب الوضعية في العالم يبرز الإسلام لموقفه الصلب المشرف ضد شرب الخمر. فقد أعلن الإسلام الحرب الشاملة ضد الخمر منذ ألف وأربعمائة سنة. فلا سبيل للمداهنة مع الشر ولاشك أن الخمر التي ينصح الكتاب المقدس بشربها، شر. فالخمر عدو هائل متربص بنا يجب أن ندمره.

ونحن كمسلمين لا يجوز لنا أن نتغاضى عن إدانة شرب الخمر على سبيل المجاملة أو الصداقة، فالقران يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.

وقد قال أعظم المجددين والبطل الذي أعاد إلى الإنسان كرامته، محرر البشرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

1- كل شراب أسكر فهو حرام، ما كثيره يسكر فقليله حرام.

2- كل مسكر حرام.

3- ليست الخمر دواء بل داء.

4- أيما امرئ شرب مسكرا فلن تقبل منه أربعين صلاة فإن تاب تاب إلى الله بنعمته ورحمته غفر الله ذنبه.

5- لعن في الخمر عشر، عاصرها ومعتصرها وشاربها ومقدمها و حاملها والمحمولة إليه وبائعها وشاربها ومهديها وآكل ثمنها.

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإسلام يهدي السبيل:

إن كل أمة تتوق إلى أن تكون حرة ومحترمة ومشرفة وأن تحيا في سلام وكرامة. ولا يمكن تحقيق هذه الغايات في أمة يعتدي أفرادها بانتظام على أجسامهم بشرب الخمر و تعاطي المخدرات. ولكي تكون الأمة حرة ومحترمة ومشرفة حقا، فعليها أن تتألف من أفراد لهم عقيدة وهدف. أفراد على استعداد كامل للالتزام بهذه العقيدة وذلك الهدف. وتلك الأهداف يمكن تحقيقها فقط إذا حفظت العقول والأجسام طاهرة نقية. وللإسلام عقيدة فريدة تكشف الطريق لكل أولئك الذين يتوقون إلى الشرف والحرية.

فللحفاظ على طهارة الجسم، حرم الله الخمر والمخدرات ولحم الخنزير والميتة....الخ، تحريما تاما. وللحفاظ على طهارة العقل، أمر الله بالإيمان والطاعة التامة له وإسلام الأمر له والإيمان بأن الله واحد وفرد وليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء والرزاق والحي والمميت والحفيظ. و الإيمان بأن البشرية أمة واحدة. متساوية من كل جهة ولا فرق بين الناس إلا بالتقوى. قال الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

كما يجب تنشئة شخصية أخلاقية سوية بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل. ومحاسبة النفس يوميا، بسؤالها ماذا عملت اليوم وإحصاء الحسنات والسيئات خلال ذلك اليوم. لتتجنب الأعمال السيئة وتستمر على الصالحات.

إن اتباع المنهج الإسلامي الصحيح، سوف يحرر الإنسان والمجتمع من الظلم والاضطهاد. فالإسلام يهدي السبيل - حقا - إلى الحرية...

المصدر: رسالة للشيخ أحمد ديدات بنفس العنوان، بتصرف يسير