هوس "الإسلاموفوبيا" في جيانا




تعد مقاطعة جيانا الواقعة ضمن المستعمرة الفرنسية في قارة أمريكا الجنوبية من المناطق العصية على البحث والدراسة لرصد أوضاع المسلمين المعيشية هناك، وتحديد أبرز التحديات التي تواجههم، خاصة وأنها تعتبر من المناطق النائية، التي يصعب الوصول إليها، إلا بغرض الهجرة أو العمل، إذ يعرف أن هذه المقاطعة تخضع لحكم فرنسي، وعليه فإن الراغبين في زيارتها ينبغي لهم الحصول مسبقا على تصاريح من السلطات الفرنسية، في فترة يمكن تحديدها بنحو ثلاثة أشهر على الأقل، ما يعني صعوبة التوجه الى هذه المقاطعة النائية.
 
 
علاوة على ذلك فإن المقاطعة ونظرا لطبيعتها الجغرافية والمناخية، فإنها موطنا لإطلاق صواريخ الأقمار الاصطناعية، إذ تتخذ شركة "اريان سبيس" الفرنسية من المقاطعة مركزا لإطلاق الأقمار الاصطناعية التي تقوم بتصنيعها في مدينة تولوز في جنوبي فرنسا، ليتم التوجه بها لاحقا إلى منصات الصورايخ في جيانا  تمهيداً لإطلاق هذه الأقمار، ما يعني صعوبة دخول هذه المقاطعة نظراً لطبيعة الإجراءات الأمنية المشددة التي تواجه الراغبين في الوصول إليها، فضلاً عن ندرة ما يتسرب من معلومات عن أوضاع المقيمين بها، وأبرزهم المسلمين.
 
 
غير أنه ولكون هؤلاء جزء من الجسد المسلم العالمي، الذي لا ينبغي نسيانه أو التغافل عنه، فإنه حري بكل مسلم أن يشارك إخوانه هناك فيما يعانونه ويواجهونه من تحديات، ربما تهددهم بالأساس في عقيدتهم وهويتهم الإسلامية، خاصة وأن المعلومات التي صارت متاحة بخصوص طبيعة هؤلاء المسلمين تشير الى أن أعدادهم تصل ببضع آلاف، من الحاصلين على الجنسية بداخل هذه المقاطعة، ليصل عددهم إلى حوالي 5 آلاف مسلم، دون أن تكون هناك إحصاءات دقيقة ورسمية بشأن هذه الأعداد، كما أن المتاح من معلومات تؤكد أن أعداد المقيمين بالمقاطعة من المسلمين أنفسهم ربما يصل إلى نصف العدد المشار إليه، وربما هذا يفسر ما استهل به المقال من صعوبة الوصول إلى هذه المقاطعة، التي توصف بأنها مقاطعة فرنسية بامتياز، الوصول إليها يحتاج إلى حزمة من الإجراءات الأمنية، مع عدم إغفال ما يوصف بحالات الخوف من الإسلام، أو "فوبيا الإسلام"، والتي تنتاب العديد من حكومات العالم، وخاصة في جيانا، نظراً لحساسية وطبيعة المقاطعة.
 
 
خلاف ما سبق فإن بعد المسافة ذاتها بين جيانا وفرنسا، والتي تصل إلى قرابة 11 ساعة طيران، ساهم في عزوف كثيرين عن السفر إلى هذه البقعة من العالم، إذ تقع هذه المقاطعة ما بين نهر الأمازون والشمال الشرقي في قارة أمريكا الجنوبية، غير أن اللافت هنا أن جيانا لها مقاطعات أخرى هي جيانا البريطانية، وجيانا الهولندية، وجيانا الفرنسية -موضع حديثنا- وأجزاءاً من البرازيل وفنزويلا.

 
وربما يفسر هذا سر إحجام العديد من المنظمات العربية والإسلامية عن عدم الذهاب إلى هذه المقاطعة ودعم مسلميها، خاصة وأن المساعدة والدعم هنا ليس بالضرورة أن يكون منصبا على الدعم المالي، إذ أن الدعم الأدبي ومتابعة أوضاع المسلمين، وتشجعيهم على التمسك بعقيدتهم وثوابت دينهم، وسط الأمواج الهدامة، فضلا عن حالة الخوف والهلع الذي تنتاب الإعلام هناك من كل إسلامي، أمر يمكن أن يكون نصرة لله وللمسلمين وهم على هذه الحالة.

 
غير أنه وبالمقابل، فإن هناك من يعتبر حالة الضعف التي عليها المسلمون في شتى بقاع العالم، ومنها المنظمات المعنية ربما يكون هو السبب وراء هذا العزوف، إذ أن النصرة والدعم للمسلمين في مناطق أخرى أكثر يسراً في الوصول إليها هو من الأمور الصعبة لدى كثيرين، فما بالنا بهذه البقعة النائية من دول العالم، حيث يتواجد فيها عدد من المسلمين، إلا أن هناك من واجبات النصرة والدعم لهؤلاء ما دام متعثراً على المنظمات العربية والإسلامية التوجه إليهم لدعمهم والعمل على رعايتهم، أن تقوم حتى على الأقل بإبراز ما يعانيه المسلمون هناك، وأخطرها هو الهاجس الدائم بالحديث عن "الإرهاب الإسلامي"، والخوف من الإسلام وفق المصطلح الشهير"إسلاموفوبيا"، وفق ما تبثه أجهزة إعلام دعائية مختلفة.

 
والتساؤل الذي يطرح نفسه: كيف وصل الإسلام إلى هذه البقعة النائية من دول العالم؟ الدراسات والإحصاءات المختلفة تجيب بأنه عندما دعت الثورة الفرنسية بتحرير العبيد ثار هؤلاء على أسيادهم من المستعمرين الذين يتملكون الأراضي الزراعية والمصانع في جيانا، ما دفع الفرنسيين إلى جلب آخرين من العمال من مستعمراتهم في الهند وجزر الهند الشرقية والصين وإفريقيا.

 
ومن خلال هؤلاء العمال دخل الإسلام إلى مقاطعة جيانا، نتيجة حسن المعاملة التي كان يتعامل بها المسلمون، وهي الحالة التي دخل بها الإسلام العديد من مناطق العالم، بفضل إتقان العمل والإخلاص فيه، وحسن معاملة الآخرين، وتلفت ذات الدراسات الى أن الإسلام دخل إلى جيانا قبل مائة عام تقريبا، وقتها كان معظم أهالي المقاطعة من الأميين، فوجدوا العمال يعلمونهم القراءة والكتابة ويحسنون معاملتهم فأقبل أهالي المقاطعة على الدخول في الإسلام، واعتناق عقيدته، إلى أن بدأ الإسلام ينتشر شيئا فشيئا في هذه المدينة، حتى بلغت ذروة اعتناقه مع فتح باب الهجرة إلى جيانا، وتم بناء أول مسجد بها مع البدايات الأولى لدخول الإسلام، أي منذ قرن من الزمان.


علا محمود سامي