لماذا الصوفية صامتون عن الحملة الصليبية والمشروع الأمريكي؟

حامد بن عبد الله العلي

  • التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -

- السؤال: فضيلة الشيخ، لقد انتشرت لدينا بدع التصوف مثل الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه، والتعلق بالأموات ودعائهم، والتمسح بالأضرحة، وإحياء بدع الموالد، واجتماعات الرقص الصوفي. ويلاحظ أنه كلما تكالبت أمم الكفر على الإسلام، وحلت جيوشها على أرض المسلمين، زادت هذه البدع، وظهرت كما لم تظهر من قبل. ثم الصوفية لم تقف أي موقف ضد الحملات الكافرة على أمتنا، بل قد تقف معها أو تأمر الناس بعدم الاعتراض عليها، كما يفعل المرجئة، فما رد فضيلتكم على هذا كله؟

- الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعــد:

فإن الصوفية كانت منها طائفة في العصور الأولى قد اعتنت بالزهد في الدنيا، وإصلاح الباطن والإنقطاع للعبادة وتصحيح العمل، مهتدين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما حكى العلماء عن الجنيد، وابن أدهم والتستري، والعدوية، وغيرهم من الزهاد الصالحين الصادقين المتمسكين بالكتاب والسنة. وإن كان فيهم ما يلامون عليه، فهو الانتساب إلى لقب بدعي، غير أنه قد كان لهم في الإسلام من الذكر الحسن، والمقامات الصالحة، ما استحقوا به ثناء المؤمنين.

وكانت منها طوائف ابتدعت، منهم من قرب في بدعتـه ومنهم من بعد، وأخرى تزندقت كالقائلين بوحدة الوجود، مثل ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين.

ثم غلب على أهل التصوف بعد ذلك، ومنذ قرون البدع والانحرافات، حتى آل أمر عامتهم إلى ما نراه من الاقتصار على السماع البدعي وإحياء الموالد وقصائد العشق بالرسول صلى الله عليه وسلم، والغلوّ فيه والتمسح بالقبور والتعلق بها، بل ربما يقع أو كثيرا ما يقع منهم عبادتها من دون الله تعالى.

وقد قصرت همتهم هذه الأيام على التمسح بهذه البدع والخرافة. يسعون إلى إحيائها في زمن تكالبت فيه أمم الكفر على أمتنا وحلـّت جيوشهم بأرض العراق وجزيرة العرب.

والعجب أنهم ـ مع أن التصوف نشأ على الزهد في الدنيا ـ جمعوا مع هذه البدع والبطالة، حب الدنيا والتنافس عليها والتهالك فيها، حتى تقربوا إلى الطواغيت والظلمة وصاروا لهم أعوانا وخدما. لهذا تجد بعضهم لا يبالي أن يعين الكافر المحتل لبلاد الإسلام، بل يقاتل معه من أجل حطام الدنيا، ولئلا يبعده الطاغوت الموالي للكفار عما أشركه فيه من ملذاتها إن هو أنكر عليه موالاة الكافر.

ولهذا تجد الكفار من اليهود والنصارى يقربون هؤلاء المتصوفة الضالة ويستعينون بهم ويرحبون بجعلهم بديلا عن إسلام العزة والجهاد، إسلام أهل السنة والجماعة الذين لم يــزل سيف الإسلام في أيديهم ينصرون به الملّة الحنيفية والسنة المحمدية.

والصوفية في هذا الانحراف تفعل كما تفعل المرجئة العصريّة سواء. فلا أحب إلى الكفار إذا حلوا ديار الإسلام من هاتين الطائفتين، الصوفية والمرجئة العصريّة. ولهذا نراهم اليوم قد رضيت عنهم دوائر الكفر ورضي عنهم أعوانهم من الطواغيت الموالية للكفار تمام الرضا، وقربوهم منهم وأغدقوا عليهم العطايا والأموال والمناصب ونالوا عندهم الحظوة والجاه، نسأل الله تعالى أن يثبنا على الحق وأن لا يولي أمرنا غيره سبحانه.

ومعلوم أن البدع يظهــر قرنها ويشتد أوارها وينتشر سوادها كلما حلت جيوش الكفر بلاد الإسلام وظهرت أحكام الجاهلية، وكذلك كانت في الاستعمار الماضي، كما حكى "مصطفى كامل" في كتابه "المسألة الشرقية" : ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسا للقيروان، أنَّ رجلاً فرنساويًّا دخل في الإسلام وسمّى نفسه "سيد أحمد الهادي" واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجةٍ عاليةٍ وعُيِّن إماماً لمسجد كبيرٍ في "القيروان". فلما اقترب الجنود الفرنساوية من المدينة استعدَّ أهلها للدفاع عنها وجاؤوا يسألونه أنْ يستشير لهم ضريح شيخٍ في المسجد يعتقدون فيه!. فدخل "سيد أحمد" الضريح ثم خرج مهوِّلاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم بأنَّ الشيخ ينصحكم بالتسليم لأنَّ وقوع البلاد صار بحتاً. فاتبع القوم البسطاء قوله ولم يدافعوا عن "القيروان" أقل دفاع بل دخلها الفرنساويون آمنين. أهـ.

وحين أغار الفرنجة على "المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري، اجتمع زعماء الصوفية، أتدري لماذا؟ لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء. من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين يغدقون على الصوفية الجاه والمال، فربَّ مفوَّض سامٍ لم يكن يرضى أن يستقبل ذوي القيمة الحقيقية من وجوه البلاد، ثم تراه يسعى إلى زيارة "حلقة" من حلقات الذكر، ويقضي هنالك زيارة سياسية تستغرق الساعات. أليس التصوف الذي على هذا الشكل يقتل عناصر المقاومة في الأمم" أهـ. نقلا عن كتاب عمر فروخ "التصوف في الإسلام".

ومن الطرائف المشهورة، أنه لـمّا جاء الرئيس المصري السادات، بعدما عقد صلح الذل والهوان مع الصهاينة، كان في استقباله شيوخ الطرق الصوفية في مطار القاهرة. والعجب أنه كان عدد ممثلي الطرق الصوفية اثنين وسبعين، فما كان من الشيخ محمد جميل غازي رحمه الله إلا أن قال مستهزئا بصنيعهم: "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» فاثنتان وسبعون في "المطار" وواحدة في "القاهرة "!

ولهذا لا تجد لزعماء التصوف في هذه الأيام موقفا ضد الاحتلال الصهيوصليبي، والمشروع الأمريكي الذي يحتضنه. بل هم إما يرونه لا يستحق الاشتغال به، أو يرونه قدرا ماضيا ليس لنا معارضته. أو يرونه حقا مشروعا كما يقوله من يقوله من زنادقة التصوف أتباع ابن عربي أو يعينونه. وكثير منهم من يعينه بالقول أو الفعل إما طمعا في إرضاء الطواغيت ابتغاء الحياة الدنيا. أو تدينا؛ إما ظنا أنه مباح، أو بسبب ضلالة زندقة وحدة الوجود التي تسوي بين الأديان عافانا الله من الكفر.

وقد بينا في فتوى سابقة مفصلة حقيقة التصوف، وما يحمله من بدع وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان.

المصدر: موقع الشيخ حامد العلي