إسرائيل.. ومكاسب بالجملة
لقد تخلّت النخبة الحاكمة في الكيان الصهيوني عن كل متطلبات الحذر، وباتت تتدخل بفاعلية غير مسبوقة في الشأن الداخلي المصري وبشكل معلن في أعقاب التغيير العسكري الذي نفذه الجيش ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي. لقد تحوّل رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، ليس فقط إلى بوق دعاية للدفاع عن الانقلابيين، بل بات الأكثر حرصا على توفير كل مقومات نجاح الانقلاب. وقبل الخوض في رصد الأسباب الكامنة وراء الحماس الصهيوني للانقلاب على مرسي، فإنه من الأهمية بمكان التعرض للخطوات التي أقدمت عليها إسرائيل من أجل دعم الانقلاب على مرسي.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
لقد تخلّت النخبة الحاكمة في الكيان الصهيوني عن كل متطلبات الحذر، وباتت تتدخل بفاعلية غير مسبوقة في الشأن الداخلي المصري وبشكل معلن في أعقاب التغيير العسكري الذي نفذه الجيش ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي. لقد تحوّل رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، ليس فقط إلى بوق دعاية للدفاع عن الانقلابيين، بل بات الأكثر حرصا على توفير كل مقومات نجاح الانقلاب. وقبل الخوض في رصد الأسباب الكامنة وراء الحماس الصهيوني للانقلاب على مرسي، فإنه من الأهمية بمكان التعرض للخطوات التي أقدمت عليها إسرائيل من أجل دعم الانقلاب على مرسي.
ماذا قدَّمت (إسرائيل) لدعم الانقلاب؟
لقد أقدمت (إسرائيل) على الخطوات التالية من أجل إنجاح الانقلاب على أول رئيس عربي منتخب:
1- عمل نتنياهو على تأمين دعم دولي واسع النطاق للانقلاب من خلال القيام بحملة دبلوماسية شملت إجراء اتصالات شخصية بعدد من قادة الدول، لا سيما الولايات المتحدة والدول المهمة في أوروبا؛ لإقناعهم بأهمية الإعلان عن تأييد الانقلاب دون أي تردد. وقد أكدت وسائل الإعلام الصهيونية أن نتنياهو كلّف سفراء الكيان الصهيوني في الغرب بالاتصال بحكومات هذه الدول ومحاولة إقناعها بأهمية التحول الإستراتيجي الذي يشتمل على التخلص من حكم الإخوان المسلمين في مصر و(العوائد الإيجابية) لهذه الخطوة على مصالح الغرب في المنطقة. ولم يكتفِ نتنياهو بهذه الخطوة، بل تواترت الأنباء التي أكدت أنه قام شخصيا بالاتصال بقادة في الكونغرس والمنظمات اليهودية الأمريكية للضغط على إدارة الرئيس أوباما من أجل عدم اعتبار ما أقدم عليه قادة العسكر انقلابا، وقد نجح في ذلك.
2- حرص نتنياهو على ضمان نجاح الانقلاب من خلال سعيه لتأمين دعم مالي كبير لقادة التغيير، حيث إنه وأقطاب حكومته أجروا اتصالات مكثفة مع قادة الإدارة الأمريكية ودول أوروبية ومسؤولين كبار في مؤسسات مصرفية دولية لحثهم على تقديم دعم مادي سخي لمصر من أجل تأمين نجاح حكم العسكر، لا سيما في الفترة التي تلي عزل مرسي. ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو نجح في إقناع السيناتور الجمهوري راند بول بسحب اقتراحه الذي تقدم به للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بتقليص الدعم الاقتصادي والعسكري لمصر بحجة ممارسة مؤسسات الحكم فيها التمييز ضد الأقباط. وفي الوقت ذاته، فإن نتنياهو حرص على حثّ إدارة أوباما على ممارسة نفوذها لدى الدول العربية الغنية لتكثيف المساعدات المالية لمصر في الوقت الحالي.
3- لا يخفي نتنياهو حرصه على توظيف عملية إسقاط حكم مرسي لتكون نقطة تحول فارقة يسدل الستار في أعقابها على أي فرصة لوصول الإسلاميين للحكم عبر صناديق الاقتراع. فقد ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة أن نتنياهو اقترح على الولايات المتحدة ودول أوروبية تنفيذ خطة (مارشال) جديدة تهدف إلى تقديم الدعم المادي لكل الدول العربية التي تحدث فيها ثورات الربيع العربي، وذلك من أجل تحسين مستوى المعيشة للناس هناك، على اعتبار أن هذا التحول يقطع الطريق على الإسلاميين للوصول للحكم عبر صناديق الاقتراع.
4- سمح نتنياهو بأن يتجاوز الجيش المصري بعض بنود اتفاقية (كامب ديفيد) المتعلقة بانتشار القوات المصرية في سيناء، ومنحه الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات عسكرية بشكل أكثر حرية، لا سيما في وسط وشمال سيناء. وعلى الرغم من أن إسرائيل هي المستفيدة الرئيسة من هذه العمليات على اعتبار أن بعضها يستهدف عمليات تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية، إلا أن هذه الخطوة تم تصويرها في الإعلام المصري على أساس أنها تدلل على تصميم قائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي، أي أن نتنياهو معني بشكل كبير بتحسين صورة قادة الجيش المصري أمام الرأي العام المصري.
5- لقد تبيّن أن لدى (إسرائيل) مخططا طموحا لفتح قنوات اتصال مع القوى الثورية المصرية ذات التوجه العلماني والليبرالي على قاعدة استغلال العداء المشترك للإسلاميين. وقد اعتبرت توصيات مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أنه ليس بإمكان (إسرائيل) تجاهل التأثير الكبير للقوى العلمانية والليبرالية المدنية التي أسهمت في إسقاط مبارك ومرسي. وعلى الرغم من أن إدراك الصهاينة محدودية هامش المناورة المتاح لـ(إسرائيل) في التأثير على الخريطة الحزبية المصرية المدنية، إلا أن مركز أبحاث الأمن القومي يرى أنه يتوجب على صناع القرار في تل أبيب البحث عن قنوات اتصال مع الجهات المسؤولة عن تفجير الثورة المصرية، عبر عرض مساعدة إسرائيل في حل مشاكل اقتصادية وإدارة حكم سليم، وهذا الجهات يمكنها أن تجد في (إسرائيل) الطرف الذي بإمكانه أن يوظف إمكاناته وعلاقاته في خدمة أهداف هذه الجهات، كما يرى المركز.
الرهان الصهيوني على التغيير
من الواضح أن التجنيد الإسرائيلي لخدمة تغيير الرئيس مرسي يأتي لإدراك النخبة الصهيونية الحاكمة العوائد الإستراتيجية الإيجابية التي ستحصل عليها (إسرائيل) في أعقاب ذلك، والتي يمكن حصرها في التالي:
أولا: تبدو (إسرائيل) متأكدة من أن التخلص من حكم الإخوان سيسمح لها باستعادة الشراكة الإستراتيجية التي كانت قائمة بين (إسرائيل) ونظام الرئيس المصري الأسبق مبارك، وهي الشراكة التي منحت (إسرائيل) القدرة على تحقيق أهداف كبيرة في ظل أقل قدر من التكلفة. ولعل المثال الذي يتذكره الصهاينة بشكل جيد هو الدور المصري في مساعدة (إسرائيل) على شنّ حربها على غزة أواخر عام 2008، في حين أن مرسي لعب دورا رئيسا في دفع (إسرائيل) نحو إنهاء الحملة العسكرية الأخيرة التي نفذتها في تشرين الثاني 2012 على قطاع غزة حتى قبل أن تحقق أيا من أهدافها، وهو ما مثّل مصدر قوة للمقاومة الفلسطينية. وكما قال الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ومدير (مركز أبحاث الأمن القومي) الإسرائيلي، فإن الشراكة الإستراتيجية التي تأمل (تل أبيب) استعادتها مع مصر بعد سقوط نظام مرسي تتمثل في تجنيد مصر في مساعدة (إسرائيل) من جديد على مواجهة التحديات الإستراتيجية، مثل: خطر (الإرهاب) الفلسطيني، والتعاون في مواجهة حركات الجهاد العالمي. وبحسب يادلين، فإنه رغم قصر فترة حكم مرسي، إلا أنه لم ينهِ فقط الشراكة الإستراتيجية، بل إنه عمل على تقليص هامش المناورة في المنطقة أمام (إسرائيل).
ثانيا: تنطلق (إسرائيل) من افتراض مفاده أن التغيير والتخلص من حكم الإخوان المسلمين سيقلص من مساحة الفضاء التي يعمل فيها الإسلاميون في العالم العربي، ويقلص من فرص نجاح تجاربهم في الدول العربية الأخرى. وقد اعتبر سفير (إسرائيل) الأسبق في مصر تسفي مزال، أن مصلحة (إسرائيل) تقتضي تقليص هامش المناورة أمام الإسلاميين وإغلاق الأبواب أمامهم بسبب مواقفهم الأيديولوجية من (إسرائيل). وقد ذهب الدبلوماسي الإسرائيلي زلمان شوفال بعيدا عندما حثّ دول العالم على إدراك أهمية توفير الفرص التي تكفل إقصاء الإسلاميين عن الحكم وتقليص فرص وصولهم إليه. في الوقت ذاته، فإن النخبة الصهيونية الحاكمة تنطلق من افتراض مفاده أن إسقاط مرسي سيعزز محور (الاعتدال) في العالم العربي، والذي أدى فوز الإخوان بحكم مصر إلى إضعافه إلى حد كبير. وترى (إسرائيل) أن استعادة محور الاعتدال قوته سيسمح لها بهامش مناورة كبير، بشكل يسمح لها باستعادة القدرة على بناء تحالفات مع قوى إقليمية عربية لمجرد التقاء المصالح بينها.
ثالثا: تعتبر (إسرائيل) أن إسقاط مرسي سيمثل ضربة موجعة للمقاومة الفلسطينية وسيقلص من قدرتها على العمل ضد إسرائيل، على اعتبار أن حكم العسكر سيبدي تعاونا منقطع النظير في إنجاح إستراتيجية (تجفيف المنابع) التي تنتهجها إسرائيل تجاه المقاومة الفلسطينية، لا سيما تقليص قدرتها على الحصول على السلاح عبر الأنفاق. وللأسف، لقد أثبتت الأيام التي تلت عزل مرسي صدق رهانات الصهاينة، حيث تقوم الأجهزة الأمنية المصرية بحملة غير مسبوقة تستهدف تدمير الأنفاق بحجج واهية. في الوقت ذاته، لا خلاف في (إسرائيل) على أن إسقاط مرسي مثَّل ضربة قوية لحركة حماس، التي تحسنت بيئتها الإستراتيجية كثيرا بعد فوز الإخوان، بسبب الرابط التنظيمي والأيديولوجي. ويتوقع الجنرال رون تيرا، الذي شغل في الماضي مواقع حساسة في شعبة الاستخبارات العسكرية، أن يسهم سقوط مرسي في ردع حركة حماس عن التحرش بإسرائيل في المستقبل. لكن أغلبية المراقبين في إسرائيل يستبعدون أن يسهم إسقاط مرسي في تشجيع (إسرائيل) على مهاجمة حماس دون أن يكون لذلك مبرر قوي، وذلك لإدراكها أن مثل هذا السلوك قد يلفت أنظار الرأي العام العربي مجددا لإسرائيل بشكل يقلص من هامش المناورة المتاح أمام قادة العسكر في مصر.
رابعا: تنطلق النخبة الإسرائيلية من افتراض مفاده أن عزل مرسي حَسَّن من قدرة نظام الحكم في الأردن على الصمود في مواجهة دعوات الإصلاح التي يمكن أن تقلص من قدرته على مواصلة التعاون الإستراتيجي مع (إسرائيل). فقد اعتبر الوزير والجنرال الإسرائيلي إفرايم سنيه أن إسقاط مرسي قد زاد من فرص بقاء نظام الحكم في الأردن، مشيرا إلى أن مئات الآلاف من الإسرائيليين مدينون ببقائهم على قيد الحياة للدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الأردنية عبر تعاونها مع الأمن الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته، فإن (إسرائيل) تعتبر أن استعادة العسكر زمام المبادرة في مصر ستسهم في استعادة الولايات المتحدة مكانتها في المنطقة، وهذا بحد ذاته يمثل مصلحة إستراتيجية كبيرة لإسرائيل، على اعتبار أن هذا التحوّل يقلص من حجم الأعباء الإستراتيجية التي تتحمّلها إسرائيل من جراء التحولات في الإقليم، علاوة على أنه يسهم بشكل كبير في ترميم قوة الردع الإسرائيلية ويحسِّن من قدرة تل أبيب على استعادة مكانتها الإقليمية.
خامسا: ترى (إسرائيل) أن إسقاط مرسي سيسهم في تحقيق مصالحها في الساحة السورية، والمتمثلة في منع تحقيق حسم في المواجهة المتواصلة بين نظام بشار الأسد والثوار، فبحسب شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان")، فإنه رغم محدودية الدور الذي كان بإمكان مرسي أن يقوم به، إلا أن نظامه أقدم في الآونة الأخيرة على خطوات تحسّن مكانة الجماعات الإسلامية العاملة ضد نظام بشار الأسد، وهذا ما يتعارض مع مصالح (إسرائيل). وبحسب المصادر، فإن أي تدخل عربي فاعل لصالح الثوار يمكن أن يؤدي إلى وضع حد للاقتتال الحالي، وهذا ما يتناقض مع المصلحة الإسرائيلية الهادفة إلى إطالة أمد المواجهة.
محاذير
رغم الحماس الصهيوني الشديد لإبعاد مرسي، إلا أنه بالإمكان سماع أصوات صهيونية أخرى تحذر من خطورة العمل العلني والمكشوف لصالح الانقلاب، على اعتبار أن (إسرائيل) ستكون أول الخاسرين في حال فشل ذلك. وبحسب الإذاعة العبرية، فقد وجه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس انتقادات حادة لنتنياهو بعد افتضاح الدور الذي قام به في دعم هذا التوجه. ومما فاقم مخاوف بيريس الحشود الهائلة التي عمّت مدن وميادين مصر معلنة تأييدها لمرسي، وهو ما اعتبره بيريس مصدر خطر كبير في حال تمكّنت هذه الجموع من إفشال ذلك، على اعتبار أن هذه الجماهير ستوجه غضبها لـ(إسرائيل).
صالح النعامي