بأدواتنا ننتصر لا بأدواتهم

أبو الهيثم محمد درويش

الله عز وجل ميَّز المؤمنين برسالاتٍ أنزلها على رسله؛ لتكون لهم دليلًا ونِبراسًا ومرشدًا لسيرهم في الحياة الدنيا حتى يلقوا ربهم سبحانه، وكل الأنبياء جاءوا بنفس الأصول المرشِدة للأمم لتحصيل أسباب السعادة والنجاح والصلاح والابتعاد عن أسباب الفساد والخسران الدنيوي والأخروي.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


الله عز وجل ميَّز المؤمنين برسالاتٍ أنزلها على رسله؛ لتكون لهم دليلًا ونِبراسًا ومرشدًا لسيرهم في الحياة الدنيا حتى يلقوا ربهم سبحانه،وكل الأنبياء جاءوا بنفس الأصول المرشِدة للأمم لتحصيل أسباب السعادة والنجاح والصلاح والابتعاد عن أسباب الفساد والخسران الدنيوي والأخروي.

جاء في صحيح مسلم أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا أولى الناسِ بابنِ مريمَ. الأنبياءُ أولادُ عَلَّات. وليس بيني وبينه نبيٌّ».

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: "وفي رواية الأنبياء إخوة من عَلَّات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد؛ قال العلماء: أولاد العَلَّات بفتح العين المهملة وتشديد اللام؛ هم الإخوة لأب من أمهات شتى، وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان". 

قال جمهور العلماء: "معنى الحديث أصل إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف" أهـ (من شرح النووي على صحيح مسلم).

فكل ما جاءت به الشرائع يعلى مصالح الفرد والمجتمع، وكل نهي فيها جاء ليبعد عنه شرًا آنيًا في دنياه أو منتظراً في أُخراه. قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام من الآية:38].

وكل شريعة نزلت على رسولٍ من الرسل؛ جاءت لتُناسِب زمانه، فدلَّت الناس على ما فيه الخير، وحذَّرتهم على ما فيه الشرّ والمفسدة.

وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي الشريعة الناسخة لكل الشرائع، الخاتمة لكل الأمم منذ بعثته إلى قيام الساعة، وقد جاءت بما فيه صلاح الناس إلى يوم الدين، ونهت وحذَّرت إلى ما فيه فساد دنياهم وأخراهم، فلا يسع أحد أن يخرج عن الإيمان بما فيها وتطبيقها وإلا لفسدت عليه دنياه وآخرته.

لذا؛ فأدوات المسلم وسلاحه، لصلاح نفسه ومجتمعه بل والعالم بأسره؛ هو السلاح الرباني هو منهج السماء الذي من تبِعه رشد ومن خالفه ضل، والخسران كل الخسران في مخالفته والحَيدة عنه.

قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور من الآية:63]. 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: 

"أيْ: فَلْيَحْذَرْ وليخْشَ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ بَاطِنًا أَو ظَاهِرًا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ، مِنْ كُفْرٍ أَو نِفَاقٍ أَو بِدْعَةٍ، {أَو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، بِقَتْلٍ، أَو حَد، أَو حَبْسٍ، أَو نَحْو ذَلِكَ".

عن أَبي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا؛ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ اللَّاتِي يَقَعْنَ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ ويتقحَّمن فِيهَا». قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بحجزِكم عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، فَتَغْلِبُونِي وَتَقْتَحِمُونَ فِيهَا» (أخرجه أحمد، ومسلم).

من المعلوم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا شيئين ما تمسكت بهما الأمة واعتصمت بهما فلحت ورشدت، وهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، و سُنَّةَ نبيِّه» (أخرجه مسلم، والترمذي، والطبراني عن زيد بن الأرقم رضي الله عنه). 

وبمفهوم المخالَفة إن لم نتمسك بهما ضللنا الطريق وأصابنا الوبال ونزلت علينا المصائب من كل ناحية.

الشريعة هي سلاحنا وأداتنا للتمكين:

مما سبق؛ يتضح بجلاء أن سبيل إصلاح الفرد والمجتمع للوصول إلى النصر والتمكين هو التعلُّق بشريعة السماء معرفةً وعملًا وتطبيقًا ونشرًا لها وصبرًا على نشرها؛ حتى يتحصل الإصلاح الكامل للفرد والمجتمع، وليمتدَّ هذا الإصلاح من الدنيا ليشمل صلاح الدنيا والآخرة معًا. وأن في مخالفة هذه الأدوات والعدول عنها لغيرها؛ الهلكة كل الهلكة والخسران، وفوات النصر والتمكين.

أدواتهم كيف هي؟ وهل تصلح لنا لتحصيل النصر والإصلاح؟!

كل من خرج عن منهج السماء؛ حاول أن يجعل من العقل أداة حكم وإصلاح، فاخترع بعقله القاصر عن مكنونات الحاجات البشرية والمجتمعية بل الكونية، جعل من العقل وثنًا من عجوة يأكله متى يحتاج، ويكفر به متى تَعارض مع لذاته وشهواته. فدخل هؤلاء تِيهًا لا نهاية له؛ فتارةً يخترعون الإلحاد، وتارةً يرتمون في أحضان الماركسية، وتارةً الديمقراطية، وتارةً يتحججون بالليبرالية، وتارةً يتمسحون بالبرجماتية وصولًا لتحقيق المصلحة واللذة والشهوة وبعيدًا عن قيود الدين، وهذه الأيديولوجيات نهايتها الحتمية تحطيم الذات الإنسانية وإفساد المجتمعات. 

وإن حققت سعادة شهوانية لبعض الطبقات؛ فعلى حساب طبقات أخرى ودماء وأعراض ومآسي لا تنتهي... جعلوا  فيها من اللذة وثنًا، ومن المال وثنًا، ومن الجسد وثنًا، ومن الجمال وثنًا، ومن القوة وثنًا، ومن الدنيا نفسها وثنًا.

اخترع القوم! أدواتهم لتحقق لهم ولهم فقط سعادتهم، ولو على حساب العالم بأسره دون نظرة شمولية واضحة لعواقب هذه الأدوات وآثارها على سائر المجتمعات. 

هم الآن يعانون من اختراعاتهم، ثم لن يسمحوا لأحد أن يلعب دورًا في لعبتهم إلا ما رسموه له فقط، فلن يسمحوا لأحد أن يخرج عن طوعهم خاصة لو كان اللعب بأدواتهم.

هل ننتصر بأدواتهم؟

وفي النهاية؛ لن نحقق إصلاحًا لأنفسنا ومجتمعاتنا ثم للعالم بأسره -الذي هو في أشد الحاجة لنا- إلا بأدواتنا، ومنهجنا الواضح؛ إن كُنَّا نؤمن بصدق هذا المنهج وصلاحيته لسيادة العالم وقيادته لِما فيه خيري الدنيا والآخرة.

بأدواتنا نحن التي التمسناها من منهج السماء، القائم على كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ليقود البقية الباقية من البشرية إلى يوم القيامة.

اللهم! خذ بنواصينا إليك، ومكِّن لمنهج السماء ليقود الأرض بأسرها لِما يًرضيك.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام