{عَلَى بَصِيرَةٍ}
فإن من فضل الله على كثير من الناس تواصيهم بالخير ودعوة بعضهم بعضًا لتقوى الله وهذا خلق النبيين وسبيل المفلحين.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
لكن شرط هذه الدعوة أن تكون على بصيرة أي على حجة واضحة وهي العلم القائم على دليل.
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن من فضل الله على كثير من الناس تواصيهم بالخير ودعوة بعضهم بعضًا لتقوى الله وهذا خلق النبيين وسبيل المفلحين.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
لكن شرط هذه الدعوة أن تكون على بصيرة أي على حجة واضحة وهي العلم القائم على دليل.
وحيث سهلت وسائل الإتصال وتعدَّدت طرقه؛ سعى الناس عبر المنتديات والإيميلات ورسائل الجوال لنشر الأحاديث والمواعظ والفتاوى رغبة في الأجر وما علِموا أن في بعض ما ينشرون وزرٌ، وأي وزر!
1- الأحاديث
ساهم كثير من الناس في نشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة بحسن نية وذلك بنقلها من المنتديات وإعادة إرسالها بالإيملات دون التحقق من صحتها وقد يقع في الإثم من حيث أراد الأجر من نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام من غير تثبت وقد جاء الوعيد لمن كذب على النبي عليه السلام.
حيث قال صلى الله عليه وسلم: « » (الراوي: أبو هريرة وأبو قتادة وأسامة بن زيد المحدِّث: الألباني).
قال الذهبي: "وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر، بل عده بعضهم من الكفر، وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض"، وقد أثر عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتحرَّجون من رواية الأحاديث، قال مالك بن أنس رضي الله عنه: "إني ليمنعني أن أحدثكم حديثًا كثيرًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »" (رواه مسلم) أي: أخشى أن يجرني كثرة الحديث إلى الكذب.
وذلك لعظم مقام السنة النبوية فهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله والزيادة فيها زيادة في الدين ونحن مأمورون بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه لأنه مبلغ عن ربه سبحانه.
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور:54].
ولذلك كان لِزامًا على من ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتيقَّن من منقوله "متنًا وسندًا"، حتى لا يكون من الكاذبين قال صلى الله عليه وسلم: « » (صحّحه الألباني).
وإن لم يستطع فلئن يزهد في أجر ما ينقل خيرًا له من أن يحمل وِزره. ومن حرص على الأجر فقد تعدّّدت طرق التثبت من صحة الأحاديث النبوية عبر البرامج والمواقع الموثوقة ومنها:
موقع الدرر السنية http://www.dorar.net/enc/ hadith
ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/ index.php
برنامج مكتبة الألباني http://www.saaid.net/book/ open.php?cat=95&book=2119
ويكفي أن تكتب في مُحرِّك البحث قوقل "صحة حديث...." وتكتب طرفًا من الحديث ليُحيلك إلى رأي العلماء فيه.
2- الفتاوى: تساهل الناس كثيرًا بموضوع الفتوى حتى أصبح كل شخص يفتي على هواه بغير دليل من كتاب ولا سنة ولا يعلم بأن هذا من القول على الله بغير علم {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].
وكثيرًا ما نقرأ ونسمع فتاوى عجيبة في أمور تقرَّرت منذ أربعة عشر قرنًا ورواها الخلف عن السلف في مسائل مثل "الولي للمرأة أو الغناء أو الحجاب"، وفي هذا خطرعظيم فمن يعمل المعصية ويُقرُّ بها فهو آثم وقد يتوب أو يعفوا الله عنه أما من يستحل الحرام فقد يكفر والعياذ بالله. قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى: "ولا نُكفِّرُ أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله".
أو نجد من يتهكم على الفتاوى مثل "إرضاع الكبير أو الإختلاط" وهذه من حبائل الشيطان التي وقع فيها كثير من الناس، ولا ننكر أن مما عمَّت به البلوى أن تصدَّى للفُتيا قوم ممن لاخلاق لهم ولا علم عندهم لكن هذا ليس مسوغًا للاستهزاء بدين الله.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التّوبة:65-66].
ذكرالإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في (كتاب التوحيد): "أن الناقض السادس من نواقض الإسلام هو: الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه".
وهناك من ينقل فتوى وينسبها إلى عالِمٍ من العلماء، والأَولى أن يأتي برابط هذه الفتوى ونص كلام المفتي؛ حتى لا يقع اللبس وبحمد الله يوجد مواقع لمعظم العلماء مثل:
ابن باز رحمه الله:
http://www.binbaz.org.sa/
أو ابن عثيمين رحمه الله:
http://www.ibnothaimeen.com/ index.shtml
وبالإمكان البحث عن الفتاوى في خانة البحث في هذه المواقع.
3- قصص الوعظ
في مدة قريبة تناقل الناس "وصية الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم" الذي يدَّعي فيها أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصاه وأمره بتبليغ الناس فسَرت وصيته في الناس كالنار في الهشيم وأنفق البعض وقته وماله في توزيعها ثم ثبت بطلانها، وكثيرًا ما نقرأ ونسمع عن شخص يَخرج من قبره دخان أو ثعبان أو أن جنازته لا تدخل المسجد أو أن امرأة ولدت طفل على شكل ثعبان، أو أن ميتًا قد اسودَّ وجهه فتجد كثير من الناس يرتب الحوادث على الذنوب فيقول هذا بسبب شرب الدخان وذاك بسبب النوم عن الصلاة وتلك بسبب الاستهزاء بالناس، ولا شك أن مثل هذه الأمور قد تحدث لكن ما يُدرينا أن هذا العقاب بسبب ذاك الذنب؟! بل ما يدرينا أن القصة قد وقعت أصلًا؟!
حيث ثبت أن ما ينتشر بين الناس في الغالب هو محض خرافة، وقد سُئِلَ أهل العلم عن الحكم في هذه المسائل فكان جوابهم: "أنه لا يجوز تناقل هذه القصص والمواعظ، وفي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الوعد والوعيد ما يُغني عن سواهما".
4- الأدعية والأذكار
لا تكاد تمضي مدة حتى ينتشر بين الناس دعاء أو ذِكر يقال؛ أن من قرأه ونشره سيأتيه أمر يُفرحه ومن يُهمله يُصيبه كذا وكذا... أو يقال إن فلانًا دعا بهذا الدعاء، أو قال هذا الذكر من العام الفائت ولا تزال الملائكة تكتب له الأجر، وقد يكون الدعاء أو الذكر من الأدعية والأذكار الصحيحة أو المأثورة لكن ترتيب الثواب والعقاب عليه دون دليل شرعي يُعد افتراءً على الله.
وقد تكون بعض الأدعية والأذكار من مداخل الشيطان على الناس؛ مثل: أن يقال إن هذا دعاء أو ذكر الشيخ أو السيد فلان كما يحدث عند المتصوفة، فإن سَلِمَ هذا الدعاء أو الذكر من المحاذير الشرعية كـ الإعتداء بالدعاء أو شرك التوسل أو الذكر المبتدع؛ فإنه لا يَسلم من هجران السنة النبوية وترك الفاضل إلى المفضول، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلهِمَ جوامع الدعاء وأطايب الذكر وما حاز أفضل الأجر.
5- حملات الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وهي أمور مشروعة ما لم:
أ- تقترن بعدد؛ كأن تقول صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات وأرسلها لعشرة أشخاص أو تقول حملة المليون استغفار؛ لأن هذا بدعة.
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد ووجد الناس يتحلّقون وأمام كل حلقة رجل يقول: سبِّحوا مائة، فيُسبِّحون، كبِّروا مائة، فيُكبِّرون... فأنكر عليهم -مع أن هذا له أصل في الذِّكر- ورماهم بالحصباء، وقال لهم: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصًا نَعدّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم! فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدي من ملة محمد، أو مُفتَتِحوا باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير! قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تراقيهم. وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم"، ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة: "رأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج".
ب- أن لا تكون بشكلٍ جماعي أو في وقتٍ مُعيِّن: الإستغفار مطلق ومقيد.
فالمقيد مثل عقب الصلاة والاستغفار في السحر وبعد الإفاضة من عرفة. والمطلق هو الاستغفار في سائر الأوقات ولا يجوز تخصيص وقت أو حال للاستغفار إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
"فينبغي أن يُعلم أن ما انتشر في رسائل الجوال مما يُسمَّى حملة الاستغفار بدعة؛ لأنها تدعو إلى الاستغفار في وقت مُعيَّن مِن كل مَن وصلتْ إليهم هذه الرسالة. والواجب أن تستبدل رسالة حملة الاستغفار برسالة تحمل الدعوة إلى الإكثار من ذكر الله والاستغفار دون تقييد في وقت وكل يذكر ربه ويستغفره متى بدا له، وتذكر دون أن يرتبط في ذلك مع آخرين وهو ما سُمِّيَ بحملة الاستغفار" (الشيخ عبد الرحمن البراك).
قال سفيان الثوري رحمه الله: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يُتاب منها والبدعة لا يُتاب منها".
أحمد الهداف