الخلق الذي لا يفارق النبي!

تُعدّ الابتسامة إحدى لغات الجسد التي منحها الله لبني الإنسان، وهي وسيلة من وسائل الاتصال غير اللفظي لدى الكائن البشري، تعتبر الابتسامة من أقل الضحك وأحسنه وهي عبارة عن انفراج الشفتين وبروز الأسنان مع انبساط الأسارير.

  • التصنيفات: أخلاق إسلامية -


الابتسامة
تُعدّ الابتسامة إحدى لغات الجسد التي منحها الله لبني الإنسان، وهي وسيلة من وسائل الاتصال غير اللفظي لدى الكائن البشري، تعتبر الابتسامة من أقل الضحك وأحسنه وهي عبارة عن انفراج الشفتين وبروز الأسنان مع انبساط الأسارير. نعم.. الابتسامة طريق مختصر لكسب القلوب ومفتاح لهداية الكثيرين وباب يوصل إلى النفوس، وهي وسيلة حية للتعبير عما يجول في خاطر الإنسان تجاه أخيه المسلم، الابتسامة سلاح قوي يُستخدم منذ الطفولة للاقتراب وحسن التوجيه والتودد للآخرين، وهي تعبير صادق ورونقُ جمال وإشراقة أمل تَميّز بها الإنسان عن باقي الكائنات الحية لتضفي على وجهه قمة الراحة وذروة الانشراح ونهاية الانبساط.

أخي الكريم.. أختي الكريمة..
لا شك أن المسلم في حياته تعتريه أكدار وهموم وأحزان وغموم، مما يحتاج حقيقة إلى من يجلوا حلكتها، ويخترق ظلمتها بشيء من الابتسامة الرفيعة والضحكة المتزنة والدعابة المرموقة، والجدّية سمة بارزة في حياة المسلم، وهي مطلب ملح وأمر مهم، فإذا كانت صارمة فإنها لا تزرع الابتسامة على الوجه، ولا تدخل السرور على النفس. إن البلسم الناجع والدواء النافع في ترويح النفس وطرد الآلام وتخفيف الأحزان عن المسلم، رسم الابتسامة على شفتيه بضحكة متزنة ودعابة بريئة وابتسامة مشرقة.

أحاديث في البسمة والابتسامة:
1. عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه يقول: "ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي" (رواه البخاري).
2. يقول جابر بن سمرة رضي الله عنه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: "كان لا يضحك إلا تبسما" (رواه الحاكم ).
3. عن عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه: "ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه الترمذي ).
4. عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم" (رواه مسلم).

5. عن ‏عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال:‏ ‏"ما كان ضحك رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏إلا تبسما" (رواه الترمذي).
6. كان النبي صلى الله عليه وسلم كالرجل من رجالكم، إلا أنه كان أكرم الناس، وألين الناس ضحّاكا بسّاما (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص 397).
7. «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة» (رواه الترمذي).
8. «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» (رواه مسلم).

الابتسامة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد كان رسول الهدى ونبي التقى محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه من أشرح الناس صدرا وأعظمهم قدرا، وأعلاهم شرفا وأبهاهم وجها، وأكثرهم تبسما صلى الله عليه وسلم، وما كان يتكلف الضحك، ولا يختلق الابتسامة، بل كان يمتلك نفوس أصحابه رضي الله عنهم بابتسامته المشرقة، وضحكته البريئة، الهادئة اللطيفة، ليكسب قلوبهم ويفوز بودهم، ليقبلوا على هديه، ويرتضوا نهجه، ويجيبوا دعوته، وانظر إلى هذه الابتسامة التي ملكت لبّ هذا الصحابي وأسرت فؤاده.

يقول فضالة بن عمير الليثي: "قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو يطوف بالكعبة، وكنت أريد قتله، فلما اقتربت من الرسول صلى الله عليه وسلم قال لي: أفضالة؟ قلت: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدث نفسك؟ قلت: لا شيء، كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: استغفر الله، ثم وضع يده على صدري، فوالله ما رفعها حتى ما من خلق الله شيء أحب إليّ منه" (الإصابة في معرفة الصحابة لابن رجب 8 / 6998).

لقد مات المعصوم صلى الله عليه وسلم وما فتنة ولا مصيبة إلا نزلت به، فما كدرت حياته، وما مسحت السرور من تقاسيم وجهه، لأن البسمة وربي لا تفارق محيّاه، فهو يبتسم في الشدة والرخاء

صلى الإله ومن يحفّ بعرشه *** والطيبون على المبارك أحمد


وللابتسامة أنواع:
1. ابتسامة المُغضب: يقول كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه وما كان من شأنه في غزوة تبوك: "فجئته -أي النبي صلى الله عليه وسلم- فلما سلمت عليه تبسم تبسُّم المغضب" (رواه البخاري).

2. ابتسامة المُتعجِّب: كما في قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام إذ يقول الله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا} [النمل: 19].

3. ابتسامة السخرية والاستهزاء والشماتة بالمسلمين، وقد يصاحب البسمة صوت أو ضحك وقهقهة كما حكى الله عن قوم موسى عليه الصلاة والسلام في معرض استهزائهم بآيات الله: {فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ} [الزخرف: 47].

4. ابتسامة الملاطفة والترحيب والمضاحكة عند تسلية الناس ولقاؤهم: يقول جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي" (رواه البخاري).

5. ابتسامة التفاؤل والأمل والبشارة: عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: "نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ثم استيقظ يتبسم فقلت: ما أضحكك، قال: «أناسٌ من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة» قالت: فادعوا الله أن يجعلني منهم فدعا لها... الحديث" (البخاري ).

6. ابتسامة النفاق والعياذ بالله: وهي أكثر ما يروج بين كثير من الناس اليوم إلا ما رحم ربي فيبتسم هذا لهذا والقلوب في الغالب مليئة بنوع من البغضاء والشحناء والكراهية.

مواقف باسمة..
1. ‏عن ‏ ‏أنس رضي الله عنه ‏ ‏قال: "‏أصاب أهل ‏ ‏المدينة ‏ ‏قحط على عهد رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك‏ ‏الكراع ‏ ‏هلك الشاء فادع الله أن يسقينا ‏فمد يديه ودعا، قال ‏‏أنس: ‏وإن السماء لمثل الزجاجة فهاجت ريح ثم أنشأت سحابة ثم اجتمعت ثم أرسلت السماء ‏عزاليها ‏‏فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى فقام إليه ذلك الرجل ‏‏أو غيره ‏فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه، فتبسم رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب ‏يتصدع ‏حول ‏المدينة ‏كأنه ‏إكليل" (رواه أبو داوود).

2. ‏عن صهيب رضي الله عنه ‏قال:‏ ‏"قدمت على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏وبين يديه خبز وتمر فقال النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏ادن فكل، فأخذت آكل من التمر فقال النبي ‏صلى الله عليه وسلم: ‏‏تأكل تمرا وبك رمد، قال: فقلت إني أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم" (رواه ابن ماجه).

3. عن ‏أنس بن مالك رضي الله عنه‏‏، قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي ‏فجذبه جذبة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى ‏صفحة ‏عاتق النبي ‏صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال:‏ مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت فضحك ثم أمر له بعطاء" (رواه البخاري).

4. عن ‏أنس بن مالك ‏رضي الله عنه: "‏أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم ‏‏الاثنين ‏وأبو بكر‏ ‏يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏قد‏ ‏كشف ستر حجرة ‏عائشة ‏فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك" (رواه‏ البخاري).

5. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين في غزوة أحد، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ارم فداك أبي وأمي»، قال: فنزعت له بسهم له نصل، فأصبت جنبه فسقط وانكشفت عورته، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم (رواه الطبراني في الكبير).

فوائد الابتسامة:
1. أنها باب من أبواب الخير والصدقة: «وتبسمك في وجه أخيك لك صدقة» (رواه الترمذي).
2. أنها سبب في كسب مودة الناس ومحبتهم وزرع الابتسامة على وجوههم: «لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه» (رواه الحاكم).
3. فيها ترويح للنفس وإجمام للروح ودواء للهموم وذهاب للغموم: «وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة» (رواه الطبراني في الكبير).
4. تبعث على الاطمئنان بين المسلمين، وتصفي القلوب من الغل والحسد وتجدد في النفس النشاط، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن هذه القلوب تمل كمل تملّ الأبدان، فابتغوا لها طرف الحكمة".
5. أنها مظهر من مظاهر حسن الخلق التي يدعوا إليها الإسلام: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» (رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان).
6. فيها تأس بسيد الخلق وأعظمهم خُلُقا وأكثرهم ابتسامة صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا..
ينبغي لمن كان عبوسا منقبض الوجه أن يتبسم ويحسّن خلقه، ويمقت نفسه على رداءة خلقه، فكل انحراف عن الاعتدال مذموم، ولا بدّ للنفس من مجاهدة وتأديب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلمان بن يحيى المالكي


 

المصدر: صيد الفوائد