الخطوات العشرة لتنمية التفكير الإبداعي للطفل
لا شك أن الأبوين يمثلان لأطفالهما المادة الخام للمخزون المعرفي والاجتماعي الذي يعتمدون عليه على مدار كافة مراحل نموهم ونشأتهم؛ ومن ثم فإن الأسرة هي من يقع على عاتقها في المقام الأول تقديم النموذج الفاضل الذي ترغب في نقله إلى الأبناء واستنباط مواهبهم وقدراتهم المتنوعة.
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
لا شك أن الأبوين يمثلان لأطفالهما المادة الخام للمخزون المعرفي والاجتماعي الذي يعتمدون عليه على مدار كافة مراحل نموهم ونشأتهم؛ ومن ثم فإن الأسرة هي من يقع على عاتقها في المقام الأول تقديم النموذج الفاضل الذي ترغب في نقله إلى الأبناء واستنباط مواهبهم وقدراتهم المتنوعة.
وتفيد العديد من الأبحاث التربوية أن السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل هي الأكثر فاعلية في طريق تنمية قدراته الإبداعية؛ خاصة مع ما يلاحظ لديهم في هذه السنوات من سعة خيال ومهارات تكشف عنها ألعابهم ووسائل الترفيه التي يميلون إليها والأسئلة التي يطرحونها على الوالدين والمعلمين. وهذا لا يعني أن الإبداع ينتهي بمرور هذه المرحلة العمرية؛ حيث أن تنمية التفكير الإبداعي لا تتقيد بسن معين وإن كان تحفيزها منذ الصغر هو الأسلوب الأكثر إيجابية. وسنعرض في السطور التالية أبرز الخطوات الواجب اتباعها لتنمية الملكات الإبداعية لدى الطفل منذ سنوات عمره الأولى:
أولاً: مراعاة طبيعة الطفل
فلكل طفل شخصية فريدة في نوعها قد تتشابه في بعض ملامحها مع غيره من أقرانه إلا أنها لا تتطابق أبدًا؛ لتظل كل نفس بشرية خلقها الله إبداعًا منفردًا في ذاته. ومن ثم كان لا بديل عن التعامل مع شخصيات الأبناء وفقًا لها وليس وفقًا لما تربى الوالدان عليه. ويمكن أن نعرض أمثلة على ذلك؛ فالطفل الاجتماعي بطبعه كثير الحركة لا يمكن التعامل معه بنفس الأسلوب الذي يتلاءم مع الطفل الانطوائي الخجول. فالأول يحتاج إلى توجيه سلوكه لتنمية علاقاته الاجتماعية واكتساب المزيد من القدرات والمعارف ولكن مع المحافظة على القيم والآداب في التعامل مع من هم أكبر منه سنًا وأقاربه ومعلميه؛ أما الشخصية الانطوائية فتتطلب من الأهل عدم الزج المباشر بها في المناطق الاجتماعية التي تخشاها وترهبها، بل يجب أن يبحر الوالدان بطفلهما الانطوائي على نحو تدريجي نحو الاندماج مع أقرانه والبيئة المحيطة به دون ممارسة ضغوط غير مرغوبة أو اللجوء إلى أساليب الإجبار. وحديثي في هذه الحالة يتعلق بالطفل الانطوائي فقط وليس الطفل الذي يعاني من متلازمة التوحد؛ حيث أن الأخير في حاجة إلى رعاية متخصصة لا يستطيع الوالدان القيام بها بمعزل عن أخصائيي تلك الحالة من الأطباء والتربويين.
ثانيا: توقف عن ضرب طفلك
إذا كان الأهل قد استنفذوا طاقاتهم في محاولة تربية طفلهم دون اللجوء إلى الضرب ولم يبق إلا الإيذاء البدني سبيلاً للتربية؛ فإن الدراسات التربوية المعاصرة تحذر من مخاطر الضرب وإيذاء الجسد لأن مثل ذلك الأسلوب يؤدي إلى نتائج عكسية قد تصل بالطفل إلى حالة يمكن أن تكون خارج نطاق السيطرة؛ ليصبح بعدها مهزوز الشخصية أو ضعيف في التحصيل الدراسي بل في بعض الأحيان قد يكون الطفل ناجحًا دراسيًا إلا أنه ذو ميول عدوانية خطيرة تزج به وبأسرته في سلسلة لا تنتهي من المشكلات الاجتماعية؛ ناهيك عن القضاء على أي مهارات إبداعية لديه. فإن كان موهوبًا فإن ضربك إياه يعني أنك تجهز على قدراته النفسية والإبداعية وتلقي به إلى أتون الشخصية غير السوية.
ثالثا: الإيجابية في التفاعل مع الطفل
وهناك أكثر من وجه لإيجابية المربي باختلاف درجة علاقته بالطفل؛ فإيجابية أسلوب الأب والأم تختلف عن إيجابية أسلوب المعلم أو المدرب؛ غير أن القاسم المشترك بينهم جميعًا هو ترسيخ الثقة بالنفس والشعور بالأهمية في نفس الصغير. وتنصح الخبيرة التربوية (كريستين دورهام) في كتابها (مطاردة الأفكار)- تنصح الوالدين والمعلمين بضرورة أن يصبحوا إيجابيين في التعامل مع الصغار لتنمية ملكاتهم الإبداعية؛ واعتبرت أن هناك خمسة مفاتيح للتفكير الإبداعي تتطلب من المربي معرفتها والتعامل من خلالها مع الأبناء عند الحوار معهم أو مناقشة أفكارهم بشأن مسألة ما وهم: تصنيف موضوع الفكرة، ثم البدء في رصد تفاصيل وقائعها، وما يتعلق بتلك الوقائع من مشاعر مصاحبة لها مثل: حزن أو فرح أو فخر أو بهجة... إلخ، ليأتي في النهاية المفتاح الرابع الذي يستفز عقل الطفل ليحدد من خلال المفاتيح الثلاثة السابقة ثلاثة انطباعات مختلفة عن موضوع النقاش تندرج تحت خيارات ثلاث هي (جيد- سيء- فضولي)؛ ثم في النهاية المفتاح الخامس الذي لا بد أن يتقن الأهل الإمساك به وهو تنشيط سؤال (ماذا لو) كأن يقول الوالد لطفله مثلاً ماذا لو كان العام كله صيف؟ ماذا لو وجدت كنز كبير؟
إن تبني هذا النوع من التفكير المتدرج يشجع خيال الصغار ويثير فضولهم وخاصة إن كانوا ضمن أسرة واحدة أو فريق واحد مما يترتب عليه تنمية نمط وآلية إبداعية لدى الطفل تجعله لا يكتفي على الإطلاق بتقصي الوقائع بل باستنباط الأفكار الموازية والهادفة طول الوقت.
ولدينا في مجتمعاتنا الإسلامية سير رائعة لنماذج إسلامية جليلة كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاح الدين الأيوبي، وطارق بن زياد، وغيرهم من أبطال ثقافتنا العربية والإسلامية يمكن من خلال سيرتهم أن يطرح الأهل على أبنائهم العديد من الأفكار حولهم؛ كأن يقول الأب أو الأم لطفلهما ماذا لو عشت في زمن صحابة الرسول؟ ماذا كنت ستفعل؟ أي الشخصيات الإسلامية تعتقد أنها أقرب لك ولماذا؟ ويستمران على ذلك المنوال في مختلف الموضوعات مع التنوع في العرض وأساليب التشجيع وتوسيع دائرة معارف طفلهما بل ومحاولة جذب أصدقائه المحببين إلى مثل هذا النوع من الأنشطة الفكرية. وهكذا ينبغي أن يستمع المربي بانتباه لأفكار طفله ويزيد عليها مع توضيح ما يعجز عقله البسيط عن فهمه ودفعه للتعبير عن مشاعره بكل حرية مع احترام تفكيره وتقديره تمامًا حتى لو بدت أفكاره سطحية ومضحكة.
رابعًا: احترم عقل الطفل وتجنب السخرية منه
ليس أقسى على نفس الطفل من التعرض له بالانتقاد غير المبرر بالنسبة له؛ فقيام بعض الأهل بالسخرية من سذاجة بعض أفكار أولادهم تؤدي بالصغير إلى استخدام منطقه الخاص في التفسير؛ كأن يرى أن والديه غير فخورين به وأنه أقل من أقرانه وأنه فاشل ولا يقدر على شيء؛ وهي بالطبع معان سلبية ربما لم يقصدها الوالدان لكنهم بسخريتهم واستهزائهم الذي لم يفهمه الطفل يساعدانه دون أن يشعرا في أن يضع صورة دونية لنفسه تؤدي به لاحقًا إلى فقدان ثقته بنفسه والاستهانة بقدراته واللجوء إلى العدوانية كذلك في بعض الأحيان. ومن ثم كان من الأهمية بمكان أن يشعر الصغار بتقدير الكبار لهم واحترامهم لأفكارهم واختياراتهم بل وتساؤلاتهم التي تبدو غريبة أو ساذجة أو محرجة أحيانًا؛ وذلك عن طريق القاعدة التربوية الذهبية وهي الإصغاء. فمجرد إصغاء الوالدين لأطفالهم باهتمام وإظهار الفضول لمعرفة ما يودون قوله يكسبهم شعورًا بالفخر بأهميتهم ومحبة والديهم ومعلميهم ويمنحهم إحساسًا بالتميز والرقي؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تطور ثقتهم بأنفسهم وتألق أفكارهم وتفتح إبداعاتهم الفكرية والمنطقية.
خامسًا: تنمية الشعور بالحب
أكدت الدراسات التربوية على أن تعبير الوالدين عن حبهم لأطفالهم يجب ألا يكون مشروطًا؛ أي أن الطفل لا بد أن يشعر أن والديه يتقبلانه كما هو ويحبانه سواء كانت قدراته بسيطة أو ممتازة؛ فهذه المحبة الفطرية يجب ألا يتلاعب بها الوالدين أبدًا حتى في حالة العقاب أو تقويم سلوك الطفل عند الغضب، بل يجب التأكيد عليها في كل الأحوال مع وضع العقاب المناسب في حالة الخطأ دون مبالغة أو تهديد بفقد هذا الحب. ولا يكون ذلك فقط بتكرار الأب والأم بالقول أنهما يحبان طفلهما بل ينبغي عليهما إظهار ذلك له فعليًا بلغة يفهمها. فإذا نظرت الأم إلى صغيرها أثناء التحدث معه فإنه سيسعد بذلك ويفسره بأنه يقول أشياء مفيدة وأن أهله فخورين به ما سيجعله يتمنى أن يكون أفضل في نظرهم بالاجتهاد في دراسته أو التفوق في الرياضة التي يمارسها أو الهواية التي يحبها ليحظى دائمًا بهذا الحب. ليس هذا فحسب فاحترام خياراته البسيطة في لون ملابسه وشكل أدواته البسيطة التي يستخدمها؛ كل ذلك يصب بقوة في خلق شخصية سوية متزنة مبدعة وشجاعة تتحمل نتائج اختياراتها.
سادسًا: مراعاة الخط الفاصل بين التشجيع والمبالغة في التشجيع
لا شك أن تشجيع الوالدين والمعلمين للطفل من أهم مقومات نجاحه وإبداعه؛ فقيام والداه بأخذه إلى رحلة استكشافية ما لتحفيز عقله، أو الثناء عليه أمام الأهل والأقارب أو شراء قصة ما وقراءتها معه ومناقشته بشأنها وحثه على الاستكشاف والتفكير التحليلي جميعها وسائل هامة تشجع الطفل على التميز والتطور الفكري؛ إلا أن المبالغة في الثناء أو الذم ليس إلا هاوية يجب الانتباه حتى لا يتم الوقوع فيها بغير قصد. فالثناء الزائد يجعل الطفل مدللاً وزائد الثقة بنفسه؛ وهو ما قد يؤدي به إلى التراخي وإهمال التزاماته وواجباته معتقدًا أنه الأفضل حتى وإن أخطأ. الأسوأ من ذلك هو المبالغة في الذم لأنها تدفع الصغير إلى العمل الدءوب لإثبات رأي والديه فيه بأنه عديم الجدوى وغير ناجح!
سابعًا: ضرورة التنسيق والتواصل بين البيت والمدرسة
من الخطأ أن يعتمد الوالدين على ما يقومان به فقط من دور كبير وخطير في تربية أطفالهم دون الاهتمام بالتنسيق والتواصل مع المدرسة أو دار الحضانة التي يتفاعل معها أطفالهم بصورة يومية. فدور المعلم في المدرسة مهم للغاية بل إن أحياناً يكون دوره في الصفوف الأولى من التعليم أكثر تأثيرًا من دور الوالدين نظرًا لانبهار الطفل بمعلمه واعتباره الشخصية الأكثر علمًا ومعرفة. وكان العالم النفسي والتربوي الأمريكي المعروف (إليس بول تورانس) قد وجد في دراسة له: أن المعلمين الذين يتصفون بالحماسة للإبداع قد نجحوا في دفع تلاميذهم من الأطفال في سن الحضانة والصفوف الابتدائية إلى التفوق على أقرانهم ممن يشرف على تعليمهم مدرسون يفتقرون هذه الحماسة.
ثامنًا: الانضمام إلى برامج تنمية الإبداع
بدأ في الآونة الأخيرة انتشار كبير لمراكز تنمية النشاط والإبداع لدى الأطفال والطلاب حتى مراحل ما قبل الجامعة. وتعمل تلك المراكز على اكتشاف مواهب روادها وتنميتها بشتى الطرق الممكنة من عقد محاضرات ومسابقات تنافسية وورش عمل وغيرها. وفي كثير من الحالات يستطيع المدرب المتابع للطفل في أنشطته داخل المركز من توجيه الوالدين لمناطق القوة والضعف في قدرات أبنائهم عن طريق بعض اختبارات الذكاء واختبارات تورانس للتفكير الإبداعي واختبارات الرسم والتعبير. وقد أظهرت العديد من الدراسات التربوية أنه على الرغم من العلاقة الطردية بين نسبة الذكاء والقابلية للإبداع إلا أن الدلائل المختلفة تشير إلى أن هناك حالات يتميز فيها أشخاص بقابلية عالية للإبداع بالرغم من ضعف نسبة الذكاء لديهم.
تاسعًا: إبعاد الطفل عن النزاعات الأسرية
ليس من المستبعد وجود بعض الخلافات في جهات النظر بين الوالدين سواء في طريقة التربية أو نوع الدراسة التي يرغبونها لطفلهم أو حتى غير ذلك من المشكلات الأسرية؛ إلا أن عدم إقحام الطفل في مثل هذه المشكلات هو مفتاح الأمان. أي أنه ينبغي على الوالدين التوصل إلى حل مشكلاتهم بعيدًا عن مسامع الطفل وتجنب أي محاولة من الطرفين لاستقطاب الصغير والتأثير على رأيه في مواجهة والده أو والدته.
عاشرًا: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يمكن أن نتحدث عن التنشئة التربوية دون أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان رسولاً ومربيًا وداعية حث على رعاية الأسرة وتعليم الأبناء القرآن والعلم والرياضة والإبداع من الكلم الطيب من شعر ونثر وكل أشكال الإبداع الذي يتسم بالنقاء والإيمان.
شيماء نعمان