وسائل اكتساب الحِكْمَة

قال سيد قطب: والحِكْمَة ثمرة التَّعليم بهذا الكتاب، وهي ملكة يتأتَّى معها وضع الأمور في مواضعها الصَّحيحة، ووزن الأمور بموازينها الصَّحيحة، وإدراك غايات الأوامر والتوجيهات، وكذلك تحقَّقت هذه الثَّمرة ناضجة لمن ربَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكَّاهم بآيات الله.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

 

الحِكْمَة من حيث الاكتساب وعدمه تنقسم إلى قسمين:

- حِكْمَة فطريَّة: يؤتيها الله عز وجل من يشاء، ويتفضَّل بها على من يريد، وهذه لا يد للعبد فيها، وهي التي عناها عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه حينما كتب إلى أبي موسى الأشعري: إنَّ الحِكْمَة ليست عن كِبَر السِّن، ولكنَّه عطاء الله يعطيه من يشاء، فإيَّاك ودناءة الأمور، ومُرَّاق الأخلاق.

- حِكْمَةٌ مكتسبةٌ: يكتسبها العبد بفعل أسبابها، وترك موانعها، فيسهل انقيادها له، وتجري على ألفاظه التي ينطق بها، وتكتسي بها أعماله التي يفعلها، ويشهدها النَّاس على حركاته وسكناته.

 
ومن طرق اكتسابها: 
 
1- التَّفقه في الدِّين، وهو من الخير الكثير الذي أشارت إليه الآية: قال تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 269]. 

وهي ثمرة من ثمار التَّربية القرآنية، ونتيجة من نتائجها؛ قال سيد قطب: والحِكْمَة ثمرة التَّعليم بهذا الكتاب، وهي ملكة يتأتَّى معها وضع الأمور في مواضعها الصَّحيحة، ووزن الأمور بموازينها الصَّحيحة، وإدراك غايات الأوامر والتوجيهات، وكذلك تحقَّقت هذه الثَّمرة ناضجة لمن ربَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكَّاهم بآيات الله.

 
2- مجالسة أهل الصَّلاح، والاختلاط بهم، والاستفادة منهم؛ لذا كان لُقْمان يقول لابنه وهو يوصيه ويدُلُّه على طريق الحِكْمَة: يا بُنَيَّ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنَّ الله يحيي القلوب بنور الحِكْمَة، كما يحيي الأرض الميِّتة بوابل السَّماء.
 
3- العبادة الحقَّة لله سبحانه، والارتباط الوثيق به، والبعد عن المعاصي، وطرد الهوى، كلُّ ذلك من طُرُق نَيْل الحِكْمَة؛ فعن الحسن، قال: من أحسن عبادة الله في شبيبته، لقَّاه الله الحِكْمَة عند كِبَر سنِّه، وذلك قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: 14]. 

وقال ابن الجوزي: لكلِّ باب مفتاح، ومفتاح الحِكْمَة: طرد الهوى.

 
4- تحرِّي الحلال في مأكله ومشربه وملبسه وشأنه كلِّه سبب في نَيْل الحِكْمَة، والوصول إلى مصافِّ الحكماء.
 
5- كثرة التَّجارب، والاستفادة من مدرسة الحياة؛ فمن مشارب الحِكْمَة: الاستفادة من العمر والتَّجارب، بالاعتبار، وأخذ الحَيْطة لأمر الدِّين والدُّنيا، ففي الحديث: «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرَّتين». وكثرة التَّجارب هي التي تُكْسِب صاحبها الحلم والحِكْمَة.
 
6- ألَّا يعتمد المرء على رأي نفسه، بل عليه أن يستشير ذوي الخبرة والتَّجربة من إخوانه الصَّالحين؛ ليزداد بصيرة بالعواقب.
 
7- التَّحلِّي بالصَّمت عمَّا لا فائدة فيه، طريق إلى اكتسابها، فالحَكِيم يُعرف بالصَّمت وقلَّة الكلام، وإذا تكلَّم تكلَّم بالحقِّ، وإن تلفَّظ تلفَّظ بخير، أو سكت، ففي الصَّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو يسكت».
 
وقد قال وهب بن منبه: أجمعت الأطباء على أنَّ رأس الطبِّ: الحِمْيَة، وأجمعت الحُكَماء على أنَّ رأس الحِكْمَة: الصَّمت.
 
وقال عمر بن عبد العزيز: إذا رأيتم الرَّجل يطيل الصَّمت، ويهرب من النَّاس، فاقتربوا منه فإنه يُلقَّى الحِكْمَة.
 
وقيل: زَيْن المرأة الحياء، وزَيْن الحكيم الصَّمت. 
 
8- ومن طرق اكتسابها أيضًا ما ذكره لُقْمان الحكيم عندما سئل: أنَّى أُوتي الحِكْمَة؟ قال: بشيئين: لا أتكلَّف ما كُفِيت، ولا أضيِّع ما كُلِّفت.
 
المصدر: الدررالسنية