وسائل معينة على التَّودُّد إلى النَّاس
حُسن الخُلق مع البشْر فهو مفتاح قلوبهم، والباعث على مَوَدَّة صاحبه، وممهد له في قلوب النَّاس مكانًا.
- التصنيفات: أخلاق إسلامية -
وسائل التَّودُّد إلى الخَلق كثيرة جدًّا، وتختلف باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال، ولكن نُعدِّد بعضًا من أهم هذه الوسائل، فمنها:
1- حُسن الخُلق مع البشْر فهو مفتاح قلوبهم، والباعث على مَوَدَّة صاحبه، وممهد له في قلوب النَّاس مكانًا.
قال أبو حاتم: "حُسن الخُلق بَذْر اكتساب المحبَّة، كما أنَّ سُوء الخُلق بَذْر استجلاب البغْضَة. ومن حَسُن خلقه صان عِرضه، ومن ساء خُلقه هتك عِرضه؛ لأنَّ سُوء الخُلق يُورِث الضَّغائن، والضَّغائن إذا تمكَّنت في القلوب أورثت العداوة، والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدِّين، أهوت صاحبها إلى النَّار، إلا أن يتداركه المولى بتفضُّلٍ منه وعفو" (روضة العقلاء، ص: [65]).
2- التَّغافل عن الزلَّات، وعدم التَّوقف عند كلِّ خطأ أو كبوة يقع فيها الرَّفيق.
قال بعض الحكماء: "وجدت أكثر أمور الدُّنيا لا تجوز إلا بالتَّغافل" (أدب الدنيا والدين؛ للماوردي، ص: [180]).
3- البشَاشَة وطلاقة الوجه، والتَّبسُّم في وجوه النَّاس، مما يقذف الوُدَّ في قلوب البَشَر لصاحبها.
4- الرِّفق ولين الجانب، والأخذ باليُسر والسُّهولة في معاملة النَّاس.
5- التَّواضع، وخفض الجناح، وعدم التَّعالي والتَّكبر عليهم.
قال أبو حاتم: "ولكن من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها: مشي القصد، وخفض الصوت، وقلَّة الإعجاب، ولزوم التَّواضع، وترك الخلاف" (روضة العقلاء، ص: [88]).
6- عدم إكثار المؤونات والتَّثقيل عليهم، فالبَشَر مجبولون على كراهية من يكلِّفهم المؤونة، ويشق أو يثقل عليهم.
قال أبو حاتم: "ولا يجب للمرء أن يُكثِر على إخوانه المؤونات، فيبرمهم؛ لأنَّ المرضع إذا كثر مصُّه، ربَّما ضجرت أمه فتلقيه" (روضة العقلاء، ص: [88]).
وقال أكثم بن صيفي: "تباعدوا في الدِّيار، تقاربوا في الموَدَّة" (البيان والتبيين؛ للجاحظ، ص: [1/46]).
7- تفريج كرب الإخوان، والوقوف إلى جانبهم في الملمَّات والأحزان، ومواساتهم والإحسان لهم.
فعن سليمان مولى عبد الصَّمد بن علي: "أنَّ المنصور -أمير المؤمنين- قال لابنه المهدي: اعلم أنَّ رضاء النَّاس غاية لا تُدرك، فتحبَّبْ إليهم بالإحسان جهدك، وتودَّد إليهم بالإفضال، واقصد بإفضالك موضع الحاجة منهم" (روضة العقلا؛ لابن حِبَّان البستي، ص: [235]).
8- الزِّيارة والتَّواصل، والسُّؤال عن الإخوان، وتجنُّب الجفاء بين المتودِّد وبين من يطلب وُدَّه.
قال أديب: "الموَدَّة روح، والزِّيارة شخصها" (البصائر والذخائر؛ لابن حيان التوحيدي، ص: [3/57]).
وقال أبو حاتم: "العاقل يتفقَّد ترك الجفاء مع الإخوان، ويراعي محوها إن بدت منه، ولا يجب أن يستضعف الجفوة اليسيرة؛ لأنَّ من استصغر الصغير يوشك أن يجمع إليه صغيرًا، فإذا الصغير كبير، بل يبلغ مجهوده في محوها؛ لأنه لا خير في الصِّدق إلا مع الوفاء، كما لا خير في الفقه إلا مع الورع، وإنَّ من أخرق الخرق التماس المرء الإخوان بغير وفاء، وطلب الأجر بالرياء، ولا شيء أضيع من مَوَدَّة تُمنح من لا وفاء له" (روضة العقلا؛ لابن حِبَّان البستي، ص: [89]).
9- عدم مقابلة الإساءة منهم بالمثْل، بل من أراد التَّودُّد للبَشَر فليعف وليصفح، وليقابل الإساءة بنقيضها.
قال السلمي: "وقابل القطيعة بالصِلَة، والإساءة بالإحسان، والظلم بالصَّبر والغفران" (وصية الشيخ السلمي، ص: [49])، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا عقبة بن عامر! صِل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك»[1].
10- إدخال السُّرور في قلوب النَّاس، والانبساط معهم والمزاح.
قال الماوردي: "العاقل يتوخَّى بمزاحه أحد حالين، لا ثالث لهما؛ أحدهما: إيناس المصاحبين، والتَّودُّد إلى المخالطين، كما قال حكيم لابنه: يا بني اقتصد في مزاحك؛ فإنَّ الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرِّئ السُّفهاء، والتَّقصير فيه نقص بالمؤانسين، وتوحش بالمخاطبين. والثَّاني: أن ينفي من المزاح ما طرأ عليه، وحدث به من هم" (بريقة محمودية؛ لأبي سعيد الخادمي، ص: [4/16]).
11- أن يُوقِّر المشايخ ويرحم الصِّبيان، وفي الحديث قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرنا، ويُوقِّر كبيرنا»[2].
12- أن يبدأ من يلقى بالسَّلام قبل الكلام.
قال صلى الله عليه وسلم: « ؟» قالوا: بلى يا رسول الله! قال: « » (رواه مسلم: [54] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
13- الكلمة الطَّيبة، فهي تقود القلوب إلى محبَّة صاحبها.
فقد قال بعضهم ناصحًا: "ولا تمتنع أن تتكلم بما يطيِّب قلوب العامَّة؛ فإنَّ النَّاس ينقادون للكلام أكثر من انقيادهم بالبطش" (لباب الآداب؛ لأسامة بن منقذ، ص: [1/51]).
14- الهديَّة، وهي وسيلة ذات أثر كبير على القلوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا»[3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1]- (رواه أحمد: [4/158] [17488]، والطبراني: [17/269] [739]، والحاكم: [4/178]، والبيهقي؛ في شعب الإيمان: [6/222] [7959]. قال المنذري في الترغيب والترهيب، ص: [3/310]: "رواه أحد إسنادي أحمد ثقات". وجوَّد إسناده الدمياطي في المتجر الرابح: [253]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: [8/191]: "أحد إسنادي أحمد رجاله ثقات". وصحّح إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: [6/859]، وحسَّن إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد: [4/158]).
[2]- (رواه بألفاظ متقاربة أبو داود: [49433]، والترمذي: [1920]، وأحمد: [2/207] [6937] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال المنذري والنووي في الترخيص بالقيام: [57]: "حسنٌ صحيح". وصحّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد: [11/143]، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود: [4943]، والوادعي في الصحيح المسند: [788]، ورواه البزَّار: [7/157] [2718]، والطحاوي في شرح مشكل الآثار: [3/365] [1328]، والحاكم: [1/211] من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. حسَّن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب: [1/90]، وابن كثير في جامع المسانيد والسنن: [5865]، والهيثمي في مجمع الزوائد: [8/17]، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع: [4553]).
[3]- (رواه البخاري في الأدب المفرد: [594]، وأبو يعلى: [11/9] [6/48]، والبيهقي: [6/169] [12297]، جوَّد إسناده العراقي في تخريج الإحياء: [2/53]، وحسَّن إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير: [3/1047]، وحسَّن الحديث الألباني في صحيح الأدب المفرد: [462]).