الخوفُ مِنْ اللهِ سَفِينَةُ النَّجَاةِ
محسن العزازي
ما أقسى ذلك القلب الراكد إلى سكرة الهوى يخلد إلى الأرض! ما أقسى ذلك القلب الذي لا يتأثر عند سماع القران ولا بوعده ووعيده! ما اقسي ذلك القلب الذي لا يعتبر بقصصه وعبره وأمثاله! ما أقسى ذلك القلب الذي لا يخاف إذا ذكرت آيات الموت والعذاب والقيامة والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار! إنه القلب الغافل الذي رانت عليه الذنوب فاعتراه الصدأ.
- التصنيفات: أعمال القلوب -
يقول رب العزة سبحانه وتعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74].
ما أقسى ذلك القلب الراكد إلى سكرة الهوى يخلد إلى الأرض! ما أقسى ذلك القلب الذي لا يتأثر عند سماع القران ولا بوعده ووعيده! ما اقسي ذلك القلب الذي لا يعتبر بقصصه وعبره وأمثاله! ما أقسى ذلك القلب الذي لا يخاف إذا ذكرت آيات الموت والعذاب والقيامة والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار! إنه القلب الغافل الذي رانت عليه الذنوب فاعتراه الصدأ.
قال تعالى{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
ذلك الران الذي أصاب العين بالغشاوة والأذن بالوقر وعطل الأفهام؛ فكانوا كالأنعام بل هم أضل.
قال تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:44].
الخوف من الله سفينة النجاة.
الخوف من الله مطية تنجيك من فتن الدنيا وشهواتها.
الخوف من الله سفينة النجاة من بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذ أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور.
*فما الخوف؟
الخوف في اللغة: ضد الأمن
يقول ابن فارس: (الخاء والواو والفاء) من أصل واحد، وهو يدل على الذعر والفزع.
وقال الفيروزابادى في تفسيره: إن الخوف أطلق في القرآن على معان عدة منها القتل والقتال والنقص والعلم.
والتخويف من الله هو التحرز قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28، 30]،وقال تعالى: {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16].
والخوف ليس المقصود منه ما يتبادر إلى الذهن من الرعب كاستشعار الرعب من الأسد، بل يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات، ولذلك قيل: لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا.
الخوف في الاصطلاح:
قال الراغب: الخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة وتستعمل في الأعمال الدنيوية والأخروية.
يقول الجرجاني: الخوف توقع حلول مكروه أو فوت محبوب.
وقيل هو اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف.
وقيل فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته.
*منزلة الخوف:
قال بن القيم رحمه الله: الخوف من أجل المنازل وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد.
قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]، وقال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة من الآية:150].
فالخوف ليس لذاته ولكن لما له من اثر في فعل الواجبات وترك المنهيات.
قال الحافظ بن حجر: الخوف من المقامات العلية وهو من لوازم الإيمان.
قال ابن رجب الحنبلي: إن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه ونصب لهم الأدلة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال.
*وأما عن مقدار الخوف: فقال بن رجب: أن هناك الخوف الواجب وهو ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن ذاد على ذلك فكان باعثا على أداء نوافل الطاعات والانعكاف عن دقائق المكروهات كان فضلا محمودا وهو خوف يقترن بالرجاء. يقول رب العزة: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:57]،
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في فراش الموت قال صلى الله عليه وسلم: « ؟». قال: والله يا رسول الله: إني أرجو الله وأخاف ذنوبي. قال: « ».
ويقول أبو سليمان الدارني: إن الخوف من الله هي عبادة القلب ويجب أن يزيد الخوف عن الرجاء -في حال القوة- فلو زاد الرجاء فسد القلب.
وإن زاد الخوف عن هذا الحد فيكون باعثا على الموت أو المرض أو الهم الذي يقعد صاحبه عن السعي في اكتساب الفضائل فهو خوف مذموم ويكون مقترنا بالقنوط يقول رب العزة {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} [الحجر من الآية:56]، بل إن الله ينهى عن الإسراف في الخوف من الله بإسرافهم في المعصية قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
*أشد الخلق خوفا من الله؟
كلما كان العبد قريبا من ربه عارفا بخالقه كان خوفه أشد، فالملائكة اشد المخلوقات خوفا من الله. قال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50].
والرسل والأنبياء قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « ».
والعلماء من أشد خلق الله خشية لله قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر من الآية:28].
*التخويف من الله نقطة البدء في دعوة الأنبياء والرسل قال تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة من الآية:40]، وقال تعالى: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل من الآية:51].
- ما جاء نذير من عند الله تعالى إلا بالتخويف والإنذار من عاقبة مخالفة أمر الله تعالى فنوح عليه السلام يخبرنا القران الكريم أنه مرسل من الله تعالى لإنذار قومه وتخويفهم من عذاب الله لهم إن هم خالفوا أمر الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [نوح:1-2].
- ونبي الله إبراهيم عليه السلام يخوفهم من مغبة كفرهم بربهم:{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ . أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ . فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:83-87].
- وهود عليه السلام يذكر لنا القران قصته: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأحقاف:21].
- والمبعوث رحمة للعالمين جاء بالإنذار والتخويف من مغبة مخالفة أمر الله تعالى روى البخاري عن بن عباس رضي الله عنهما: لما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].
صعد النبي صلى الله عليه وسلم ونادى على بطون قريش فقال: « » حتى إذ لم يستطيع الرجل الخروج أرسل أحدا ينظر، وجاء أبو لهب وقريش فقال صلى الله عليه وسلم: « ي». قالوا: ما جربنا عليك إلا صدق. قال: « ».
وفى رواية عند احمد عن أبى هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: « ».
فالتخويف من الله سنة الأنبياء والمرسل والدعاة الصادقين لإيقاظ الغافلين من سباتهم العظيم ورد الشاردين إلى الطريق القويم فهو طريق السير إلى الله والفوز برضوانه
قال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46].
روى الترمزي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من خافَ اللهَ أخافَ اللهُ مِنْهُ كلََ شيء، ومنْ لمْ يخفْ اللهَ خافَ مِنْ كلََ شيء
*الأمور التي تجلب الخوف من الله تعالى وتحي القلب الميت وتزيل الغشاوة من العين وتبكيها خشية من الله تعالى:
1: التفكر في عظمة الله تعالى واستحضار قدرته وجبروته وعزته وقوته في القلب قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67].
روى البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ؟»
2: التفكر في الموت وسكراته والقبر وظلماته
قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:57]، {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].
قال الإمام الغزالي رحمه الله : جدير بمن كان الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنيسه ومنكر ونكير جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده والجنة والنار مورده ألا يكون له فكر إلا فى الموت ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله ولا تدبير إلا فيه.
وُجد مكتوبٌ على قبر:
يا أيها الناس كان لي أمل *** قصر عن بلوغه الأجل
فليتق الله ربه رجل *** أمكنه في حياته العمل
ما أنا وحدي حيث ترى *** فالكل إلى مثله ينقلب
3: التفكر في الذنوب وأن عمله كله معروض على الله في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وجدها.
قال تعالى:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49].
4: تذكر يوم القيامة وأهوالها واستحضار كرباتها.
قال تعالى{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحـج:2]
5: تذكر النار وأهوالها فقعرها بعيد وحرها شديد ومقامعها من حديد طعام أهلها من زقوم وشرابهم من حميم ولباسهم من نار وسرابيلهم من قطران مسالكها ضيقة حديث أهلها لوم وعتاب ولعن {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]، وقال تعالى:{إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا . وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان:12-13]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
* من أحوال الخائفين: الخوف من الجليل صفة الأنبياء والمرسلين والدعاة الصادقين لأنهم أكثر قربا من الله تعالى وأعرف بجلالة وقوة سلطانه فيخبرنا رب العزة عن صفة إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود:75].
روى الترمزي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أبو بكر: يا رسول الله أراك شبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: « ».
وعمر بن الخطاب يسمع قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7]، وكأن العذاب ساقطا فوقه فيبكى بكاء شديدا ومرض حتى عاده الناس.
وأبو هريرة يبكى عند مرضه الأخير فيقال له ما يبكيك يا أبا هريرة؟. قال أما إني لا أبكى على دنياكم، ولكنى أبكى على طول سفري وقلة زادي أصبحت في صعود مهبط على جنة ونار فلا أدرى إلى أيهما اسلك.
حُكي عن (عتبة الغلام) وكان شاب مشهور بالفسق والفجور دخل يوما على مجلس الحسن البصري وهو يقرأ في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]، فوعظ الشيخ وعظا بليغا فى الآية حتى أبكى الحاضرين، فقام شاب فقال: يا تقي المؤمنين: أيقبل الله تعالى الفاجر مثلى إذا تاب؟، فقال الشيخ: يقبل الله توبة فسقك وفجورك، فلما سمع عتبة الغلام قول الشيخ اصفر وجهه ووقع مغشيا عليه فلما أفاق دنا منه الشيخ الحسن وانشده:
أيا شابًا لربِّ العرشِ عاصي *** أًتًدْرِى ما جزاءُ ذوى المعاصي؟
سعـيــرٌٌ لـلعُـصـاة لها زفـيــرٌ *** وغيْـظٌ يــومٍ يُؤْخَـذُ بالنواصي
فإِنْ تصبر على النيران فاعْصه *** وإلا كُنْ عن العصيـانِ قاصي
وفيما قد كـسبْـت من الخـطـايــا *** رهنْتَ الَنَّفْسَ فأجْهَدْ في الخلاصى
فيا من رهنت نفسك بمعصية سارع بالتوبة والخلاص، وأبرأ إلى الله من النواقص واستقم على طاعة الله ولا تتلون؛ فالحق واضحٌ فالحٌ أهله والباطل طالحٌ هالكٌ أهله.
اللهم اجعلنا من الخائفين الراجين رحمتك، ومن التائبين الراجين عفوك، ومن المتقين الفائزين بجنتك، ومن المنعمين بنور وجهك... آمين.