نماذج مِن حياء السَّلف
دعتني النَّفس بعد خروج عمرو *** إلى اللَّذَّات تطَّلع اطِّلاعا
فقلت لها عجلت فلن تطاعي *** ولو طالت إقامته ربَاعا
أحاذر أن أطيعك سبَّ نفسي *** ومخزاة تحلِّلني قناعا
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
عن الشَّعَبي، قال: سمع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه امرأة تقول:
دعتني النَّفس بعد خروج عمرو *** إلى اللَّذَّات تطَّلع اطِّلاعا
فقلت لها عجلت فلن تطاعي *** ولو طالت إقامته ربَاعا
أحاذر أن أطيعك سبَّ نفسي *** ومخزاة تحلِّلني قناعا
فقال لها عمر: "ما الذي منعك مِن ذلك؟" قالت: "الحَيَاء وإكرام زوحي". فقال عمر: "إنَّ في الحَيَاء لهَنات"، (هنات: أشياء). (الصحاح، للجوهري [6/2537]). ذات ألوان، مَن استحيى اختفى، ومَن اختفى اتَّقى، ومَن اتَّقى وُقِي، (محاسبة النَّفس، لابن أبي الدُّنْيا [ص 113]). وقال الجرَّاح الحكمي: "تركت الذُّنوب حياءً أربعين سنة، ثمَّ أدركني الورع" (سير أعلام النُّبلاء، للذهبي [5/190]).
ورُوِي أنَّ عمرو بن عتبة بن فرقد كان يصلِّي ذات ليلة، فسمعوا صوت الأسد، فهرب مَن كان حوله، وهو قائم يصلِّي فلم ينصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ فقال: "إنِّي لأستحي مِن الله أن أخاف شيئًا سواه" (حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني [2/40]).
وقال جعفر الصَّانع: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل، رجل ممَّن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يومًا إلى مجلس أحمد يسلِّم عليه، فكأن أحمد لم يردَّ عليه ردًّا تامًّا وانقبض منه، فقال له: "يا أبا عبد الله! لم تنقبض منِّي؟ فإنِّي قد انتقلت عمَّا كنت تعهدني برؤيا رأيتها". قال: "وأيُّ شيء رأيت؟" قال: "رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في النَّوم كأنَّه على علوٍّ مِن الأرض، وناس كثير أسفل جلوس، قال: فيقوم رجلٌ رجلٌ منهم إليه، فيقول: ادع لي! فيدعو له حتى لم يبق مِن القوم غيري، قال: فأردت أن أقوم فاستحييت مِن قبيح ما كنت عليه، قال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟ قال: قلت: يا رسول الله! يقطعني الحَيَاء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحَيَاء فقم فسلني أدع لك فإنَّك لا تسبُّ أحدًا مِن أصحابي. قال: فقمت، فدعا لي، فانتبهت وقد بغَّض الله إليَّ ما كنت عليه". قال: فقال لنا أبو عبد الله: "يا جعفر، يا فلان، حدِّثوا بهذا واحفظوه فإنَّه ينفع" (التوَّابين)، لابن قدامة [ص152]).
وكان الرَّبيع بن خُثَيم مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: "صديقك الأعمى قد جاء"، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره، (إحياء علوم الدِّين، للغزَّالي [1/181]).
ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: "ما لي لا أجزع؟ ومَن أحقُّ منِّي بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة مِن الله لأهمَّني الحَيَاء منه ممَّا قد صنعت، وإنَّ الرَّجل ليكون بينه وبين الرَّجل الذَّنْب الصَّغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه" (حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني [2/103]).