قصة التعديلات الدستورية في مصر

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

 

القاهرة / ليلى بيومي 1/3/1428

وقع ما كان يحذر منه كثير من المثقفين والمعارضين السياسيين المصريين من أن التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس مبارك على (34) مادة من الدستور، انعكست بالسلب والتضييق على الدستور؛ إذ لم يلتفت أعضاء الحزب الوطني الحاكم إلى مطالب المعارضة خلال المناقشات التي دارت في مجلسي الشورى والشعب، ، فجاءت التعديلات مخيبة للآمال.

يسود بين المثقفين والمعارضين الإسلاميين المصريين رأي عام ينتهي إلى عدم صلاحية التعديلات الدستورية من جميع النواحي، واصفين إياها بالخاطئة من الناحية القانونية، والشكلية والموضوعية، ويقولون إنها تعديات دستورية وليست تعديلات، وهي كارثة على ما بقي من الدستور، وأن هذه التعديلات تهدف إلى مزيد من تركيز السلطة وكبت الحريات والاعتداء على الحقوق واستقلال القضاء وإعدام كل أمل في التغيير.

ويرى المعارضون للتعديلات أنها أدت إلى مخالفة المواد الدستورية للقواعد العرفية وقواعد العدالة المعروفة عند تنظيم وتعديل الدستور، وعلى الجميع "أحزابا وقوى سياسية وجمهورا" خوض المعركة ضد الحزب الوطني لإسقاط هذا التعنت والانفراد لأن مصر للجميع، وليست ملك الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية دون النظر لمصالح البلاد.

وتتحدث كثير من الصحف ومواقع الإنترنت المصرية، خاصة منها الصحف والمواقع الإسلامية، عن عودة إلى عصر القمع والديكتاتورية؛ لأن التعديلات الدستورية الجديدة تمثل عودة لزوّار الفجر، ووضع الشعب كله تحت دائرة الاشتباه، وتعطي للحاكم سلطات واسعة، وتتيح لأجهزة الأمن انتهاك حقوق المواطنين، وتشجع على التزوير وتزييف إرادة الأمة، وهذه التعديلات جاءت استجابة لرغبة أمريكا، وسوف تقود إلى الوداع الرسمي للديموقراطية التي يتشدق النظام بها.

كما أن هناك شبه إجماع بين خبراء القانون وأساتذة العلوم السياسية أن التعديلات الجديدة فاقدة للمشروعية؛ لأنها لا تتمتع بتوافق عام، وهو شرط أساس لإجراء التعديلات الدستورية في النظم الديموقراطية؛لأن الدستور لا يُفصّل على مقاس حزب معين. التعديلات تحظى بشرعية قانونية نابعة من أغلبية الحزب الوطني المشكوك فيها بالأساس، لكنها فاقدة للمشروعية السياسية؛ لأنها حصلت على المشروعية القانونية بالقوة، كما أنه ليست هناك وسيلة أمام المعارضة للطعن في الدستور إلاّ بوساطة الرأي العام والأحزاب والصحافة ومؤسسات المجتمع المدني التي تمر بحالة من الضعف، ولا تقوى على المواجهة.

تأبيد العمل بقوانين الطوارئ

أحد هذه التعديلات التي تمت على المادة (179) سوف تجعلها تحل محل قوانين الطوارئ المعمول بها منذ اغتيال الرئيس السادات في العام 1981م، والتي تمنح الأجهزة الأمنية سلطاتٍ واسعةً لاعتقال المواطنين وحظر التجمُّعات، والتعديلات التي ستحلُّ محلَّ قوانين الطوارئ سوف تمنح الرئيس الصلاحيات لـ"إحالة كل جريمة إرهابية لأي من السلطات القضائية المنصوص عليها في الدستور والقانون".

وهذا التعديل سوف يؤدي إلى تعزيز سياسة الانتهاكات والإساءات التي تشهدها مصر تحت قوانين الطوارئ، وسيؤدي إلى منح شرعية زائفة لهذه الانتهاكات.

والرئيس سوف يتجاوز المحاكم المدنية ويُحيل المتهمين بالإرهاب إلى المحاكم العسكرية والخاصة، وهي المحاكم التي لا توفر للمتهمين أية فرصة لمحاكمة عادلة، وهكذا فإن التعديلات تأتي في إطار قانون الطوارئ، والذي تعرضت حقوق الإنسان في ظله إلى انتهاكاتٍ واسعةٍ طوال عِقدين من الزمان.

ولم تترك التعديلات أية مساحةٍ لاستنتاج ما تريده من هذا النص، فطالبت بوضع نصٍّ جديدٍ بدلاً من نص المادة (179)، وبحيث لا تحول الأحكام الواردة في المواد (41) الفقرة الأولى، و(44) (45 الفقرة الثانية) دون قدرة إجراءات مكافحة الإرهاب على التصدي لأخطاره وأثاره الجسيمة".

وهذه المواد التي يريدون تجاوزها أو عدم الالتزام بها هي التي تنص: المادة (41) على "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيدٍ أو منعه من التنقل إلا بأمرٍ تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقًا لأحكام القانون.

وتنص المادة (44) على أن "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمرٍ قضائي مسبب، وفقًا لأحكام القانون"، وتنص المادة (45) على أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون" وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمرٍ قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقًا لأحكام القانون.

وهذا التعديل الخطير وبحجة مكافحة الإرهاب يطلق يد أجهزة الأمن في انتهاك الحريات الشخصية للمواطنين وإلقاء القبض عليهم وتفتيشهم وحبسهم وتحديد إقامتهم واقتحام مساكنهم والتجسس عليهم".

وهكذا فإن تعديل المادة (179) كارثة كبرى؛ لأنه سوف يؤدي إلى تأبيد حالة الطوارئ بالنص في الدستور على ما يُسمّى حماية الدولة من الإرهاب، وهو ما يترتب عليه واقعياً تعطيل كل مواد الدستور المتعلقة بالحريات الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، خاصة في ظل وجود المادة (74) سواء بصيغتها الحالية أو المقترحة، والتي تترك لرئيس الجمهورية وحده سلطة تقدير الخطر، حيث يكون هو وحده، صاحب تقدير الخطر المسوّغ، لتطبيق أحكام قانون الإرهاب، مع عدم وجود تحديد دقيق متفق عليه بالنسبة للإرهاب، وحتى على المستوى الدولي، لا يوجد مصطلح للإرهاب، أو الاتفاق على تعريفه.

لماذا يرفضون الإشراف القضائي؟

الاقتراح الأسوأ والأخطر على الإطلاق، هو الاقتراح بتعديل المادة (88) التي تنصُّ على إجراء انتخابات مجلس الشعب تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية.

وما يتردد كثيراً على لسان بعض المسؤولين في الحزب الحاكم كأحد مسوّغات تعديل المادة (88)-وهو أن القضاة ليسوا هم وحدهم الشرفاء في هذا الوطن- يدل إما على جهل مطبق بالأولويات القانونية، أو على نوع من الاستخفاف بعقول الناس؛ لأن ضمانة النزاهة التي من المفترض أن يوفرها إشراف القضاة لا يأتي من كونهم هم وحدهم الشرفاء، ولكن يأتي من الحصانة التي يتمتعون بها، ومن الضمانات القانونية التي لا تتوافر لغيرهم.

فالخبراء يرون أن التعديل الذي يحدث الآن نوع من دسترة التزوير الذي سيستمر ما لم توجد في الشارع المصري قوى سياسية وشعبية حقيقية تفرض على الحكومة إجراء انتخابات نزيهة

جدل المادة (76)

المادة (76) من الدستور والخاصة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية شابها كثير من الجدل، فهي أطول مادة في دساتير العالم؛ إذ تتضمن أحكامًا دستوريةً ونصوصًا قانونيةً ولوائح بشكل تفصيلي لا يوجد إلاّ في مصر فقط، بالإضافة لإعاقتها مبدأ المواطنة لما تضعه من عقباتٍ أمام المواطن الذي يريد ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة، فنحن مع وضع ضوابط للترشيح، إلاّ أنَّ العوائقَ الموجودة بالمادة تُفرغها من مضمونها القانوني؛ لأنها بهذا الشكل تحرم كل المصريين من حق الترشيح للرئاسة، وذلك لحصرها الترشيح العملي بين (5 أو 6) أشخاص ترشحهم أحزابهم؛ ومصيرهم يكاد يكون معروفًا.

والشارع المصري يطالب الرئيس بتنفيذ ما قاله سابقاً؛ لأن تأبيد فترة الرئاسة يتيح الفرصة لتكوين مراكز قوى، وبالتالي نشوء أوضاع ضارة بالصالح العام.

والمادة (١٠٨)، التي تجيز للبرلمان تفويض الرئيس لمدد لا حصر لها، كانت في حاجة إلى تعديل؛ لأن من اشتراطات التفويض أن يكون لمدة محددة، ولا يجوز التجديد إلاّ بعد مناقشة القرارات التي تم أخذها.

Editorial notes: الديمقراطية مبدأ مناف لأسس العقيدة الإسلامية، ولا حياة للشعب بدون التحاكم لشرع الله فمن أعرض عن ذكره فليس له إلا المعيشة الضنك، فما بالنا بمن وضعوا شرع ربهم وراء ظهورهم، ولكن ما نراه الآن هو تطاول في الغي وإفساد حتى في تنفيذ اتجاه فاسد كالديمقراطية، وهذا التلاعب المراد به ما هو أسوأ وأسوأ من كبت للحريات وتزوير وخنق للشعب المصري الذي أنهكته اقتصادياته المنهارة وحريته المفقودة، والغرض من نشرنا هذا المقال ليس اقرار هذه المجالس المبنية على أسس باطلة ( كفرية ) بل لتبيين الزيف والتناقض في كلامهم وبيان أن الديموقراطية عند القوم كصنم العجوة متى احتاجوا لأكله أكلوه. ونسأل الله الإصلاح
المصدر: موقع الإسلام اليوم