تغييب الثورة السورية إعلامياً

لقد سبق لنا أن حذرنا من خطورة الانقلاب العسكري المصري، على كل من القضية الفلسطينية والثورة السورية، تمهيداً لتصفيتهما من خلال مؤامرة كبرى، تبدو معالمها جلية لكل مراقب منصف. استنتجنا ذلك من العداء الفوري الذي بادر الانقلابيون به الشعبين السوري والفلسطيني مترافقاً مع حملة كراهية ضدهما غير مسبوقة في تاريخ مصر، حتى عندما كانت القاهرة تختلف سياسياً مع نظم عربية متغطرسة!!

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

 

لا يختلف عاقلان في موقع مصر المركزي في المشرق الإسلامي بخاصة وفي العالم بعامة، وكذلك تحظى أرض الكنانة بمكانة متميزة في عقول المسلمين وقلوبهم. ولذلك يتفهم المرء انشغال الإعلام العربي كله بما يجري في مصر العزيزة منذ أن وثب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على السلطة واعتقل أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وعطل الدستور المستفتى عليه شعبياً، ونصب واجهات تخفي تسلطه على قرار مصر من رئيس مؤقت وحكومة انتقالية لا تملك من أمرها شيئاً.

كل ذلك مفهوم لكنه لا يفسر تغييب الثورة السورية ومذابح نيرون الشام في حق المدنيين العزل في أنحاء سوريا الحبيبة، تغييباً يكاد العاقل يظنه متعمداً، ربما لستر الخزي الغربي الذي يتصدره البيت الأبيض بتواطئه مع طاغية الشام ضد شعبها الشجاع. وها هو نبأ مثير للدهشة، إذ جرى التعتيم عليه من الفضائيات الأكثر عناية بأخبار الثورة السورية، يقول الخبر:
(قصف طيران الأسد موقعين للجيش الحر على الأراضي السورية).. حتى الآن هذا الخبر طبيعي، لكن معرفة هذين الموقعين هو الخبر الغير طبيعي، إذا أن القصف استهدف مناطق قرب الحدود مع إسرائيل في الأراضي السورية المحتلة، وطائرات الأسد حلقت في أجواء محرمة عليها بقرارات دولية منذ عقود.

ورغم أن الطيران محظور في هذه المنطقة على طائرات النظام السوري (الممانع) منذ أكثر من 40 عاماً، إلا أن إسرائيل لم تعترض هذه الطائرات، ولم تطلق حتى نيران تحذير لها من الاقتراب أكثر!! ولتؤكد إسرائيل حرصها على النظام الأسدي (المقاوم والممانع لها) برر مسؤول إسرائيلي تجاهل قوات بلاده لهذا الخرق الجوي من قبل طيران الأسد بالقول: "طالما أن القصف لم يوجه لإسرائيل، لا حاجة لعمل شيء الآن، نحن أيضا خرقنا الاتفاقات ضد الأسد عدة مرات، وهو لم يرد على ذلك"!!! وهذا ليس سوى نموذج لما يبعث على الريبة، وفي أحسن الأحوال لا ينبغي لإعلام جاد أن يتجاهله، حتى لو أورده في آخر نشراته الإخبارية!!

لقد سبق لنا في موقع المسلم أن حذرنا من خطورة الانقلاب العسكري المصري، على كل من القضية الفلسطينية والثورة السورية، تمهيداً لتصفيتهما من خلال مؤامرة كبرى، تبدو معالمها جلية لكل مراقب منصف. استنتجنا ذلك من العداء الفوري الذي بادر الانقلابيون به الشعبين السوري والفلسطيني مترافقاً مع حملة كراهية ضدهما غير مسبوقة في تاريخ مصر، حتى عندما كانت القاهرة تختلف سياسياً مع نظم عربية متغطرسة!!

وشاء العلي القدير أن يفتضح المستور أكثر فأكثر، حيث ألقت حركة حماس القبض على أحد أزلام (سلطة أوسلو) بقيادة محمود عباس، ومن خلال تفتيش حاسوبه المحمول، عثرت على كنز من المعلومات التي لا تدع مجالاً للشك، في الدور القذر الذي قام به عملاء نتنياهو في اختلاق أخبار لا نصيب لها من الصحة، جرى تزويد أبواق الانقلاب المصري بها، لتأجيج نيران البغضاء ضد حماس بخاصة والشعب الفلسطيني بعامة. وتلك الأبواق هبطت بالإعلام إلى دركات لم يصل إلى مثلها إعلام جوبلز وزير الدعاية النازي الشهير.

فأحد هؤلاء الأمساخ اتهم خصوم الانقلاب بأنهم هم المسؤولون عن ضياع الأندلس من أيدي المسلمين!! وهذه والله سمجة وفاضحة لو كانت نكتة، فكيف والمذيع الفاجر يؤكدها ليبرهن عن احتقاره لكل من يستمع إلى هرائه الصفيق... هذا مع العلم أن هذه المسطرة البذيئة المتغربة تنظر إلى وجود الإسلام في الأندلس على أنه احتلال!! وأين موسى بن نصير وطارق بن زياد وغيرهما من فاتحي الأندلس، أين هم من رسول الرحمة المهداة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، الذي وصفه زنديق من هذه الحفنة المارقة بأنه (فاشي) كبرت كلمةً تخرج من فيه!! عامله الله بما يستحق في الدنيا والآخرة..

إن ما جرى ويجري أكبر من جماعة يزعمون أنهم يناوئونها بل أكبر من سائر القوى والتيارات الإسلامية مجتمعة، إنها مؤامرة لسلخ مصر عن هويتها الحضارية الإسلامية الراسخة، والتي فشل في تحقيقها الهالك نابليون بونابرت قبل قرنين من الزمان.
 

 

مهند الخليل