الاستمساك بالمنهج.. رؤية تطبيقية
الدعوات التي تقوم على مجرد شعارات وأفكار هامشية غير راسخة لا تلبث أن تنكسر في وجه ما تلقاه من عواصف ومعوقات، كما لا تستطيع مد أبنائها بما يُقوِّي عزمهم ويُثبِّتهم في تقلبات الحياة والأيام.
- التصنيفات: السياسة الشرعية -
الدعوات التي تقوم على مجرد شعارات وأفكار هامشية غير راسخة لا تلبث أن تنكسر في وجه ما تلقاه من عواصف ومعوقات، كما لا تستطيع مد أبنائها بما يُقوِّي عزمهم ويُثبِّتهم في تقلبات الحياة والأيام.
وقد أنعم الله سبحانه علينا بنعمة عظيمة، ورزقنا بآية باهرة هي هذا الدين المتين المعجز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، راسخة مبانيه، متينة جنباته، ثابتة جذوره.
ولكي يستطيع المؤمن أن ينعم بحقيقة هذا الدين وروعة آثاره؛ يجب عليه أن يأخذه كله، بشموله وكليته، فلا يُجزِئه، ولا يُفتِّته، ولا يتناقض في الأخذ به، فمرة يتهاون فيه، ومرة يتمسك به، بل يأخذه بقوة كما أمر ربنا سبحانه أنبياءه فقال: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم من الآية:12].
يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: "أي خذ التوراة بقوة. أي بجد واجتهاد، وذلك بتفهم المعنى أولًا حتى يفهمه على الوجه الصحيح، ثم يعمل به من جميع الجهات، فيعتقد عقائده، ويُحِلُّ حلاله، ويُحرِّم حرامه، ويتأدب بآدابه، ويتعظ بمواعظه، إلى غير ذلك من جهات العمل به".
بل قد أمر سبحانه أهل الإيمان أن يدخلوا فيه كافة في قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة من الآية:208]؛ {
السِّلْمِ} فيها قراءتان: بفتح السين؛ وبكسرها؛ والمراد به الإسلام؛ وهو الاستسلام لله تعالى ظاهرًا، وباطنًا، فهو إذن أمر آخر بالأخذ بتكاليف الإسلام جميعها: ما تميل إليه النفس منها، وما يخالف هواها.
وتُصرِّح الآية الكريمة بأن في عدم الأخذ بالإسلام كاملًا نوعًا من اتباع الشيطان، حيث إن المنهج الرباني يخالف المناهج الأخرى، والتفريط في أي جزء من ذلك المنهج سيكون فيه اتباع لسبيل الشيطان إذ لا يوجد خيار ثالث.
إن تفرُّد هذا المنهج الكريم ليجعل له تميزًا خاصًا فيما يخص الالتزام به، هذا التميز يقتضي أن أي انحراف عن سبيله ومقاصده وأوامره يؤثر تأثيرًا سلبيًا على أثره في تمام هداية صاحبه، وقدرته على الانتفاع النوراني به بقدر هذا الانحراف.
فخطوط الإسلام الرئيسة وجوانبه الأساسية تجتمع معًا في منظومة متكاملة، يتمم بعضها بعضًا، فلا نقص ولا خلل، ولا ثلم ولا فطور، قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]، إن ذلك يجعل التخلي أو التهاون في الالتزام بشيء منها اضطراب في النموذج المتفرِّد الذي جاء به هذا الدين.
هذه الحقيقة لا تمنع وجود حقيقة أخرى، وهي أيضًا من سمات عظمة هذا الدين، أنه لا يطرد الضعفاء في الأخذ به، ولا ينفرهم؛ بل يسعى إلى سد الخلل عندهم، وتعديل حالتهم، وتحسين ظرفهم، إذ طبيعة الإنسان وعادته النقص والضعف، فيدعو إلى التوبة والاستغفار، ويدعو إلى جبر الكسر وتجديد العهد في الأخذ به.
إن من الناس من يجعل همَّه من الدين هو الجانب الوعظي فقط، ومنهم من يجعل اهتمامه في الجانب الأخلاقي فقط، ومنهم من يجعل جانب العلاقات هو ما يهمَّه ويلتزم به، وغيرهم من يجعل العبادات وحدها نصيبه من هذا الدين غافلًا عن المعاملات والأخلاق وغيرها... وكل ذلك نقص في الأخذ بالدين.
إن ديننا بنيان عظيم متكامل، قام أساسه على التوحيد الخالص والعقيدة الصافية النقية، وقام تطبيقه على العبادات والمعاملات والأخلاق والرقاق وغيرها، ومن هنا تم نوره وبزغ فجره، إنه دين الحق والقوة، دين الجدية والإيجابية، دين الصلاح والإصلاح، فمن أخذه فليأخذه بقوة وليستمسك به بما استطاع من عزيمة، فهو نجاته في الدنيا والآخرة.
صراع الفكرة وأنصاف الحلول
إن صراع الأفكار لا يحتمل أنصاف الحلول، فالفكرة إذا تم التنازل عنها لإرضاء فكرة أخرى تم نقضها ونفضها، إنما الأفكار القائدة هي الأفكار الواضحة المتبلورة، المكتملة، التي تحوي في داخلها عوامل بقائها وثباتها، ولا بأس حينئذ أن تقبل في بعض مفرداتها بأكثر من وسيلة للتطبيق في إطار ثوابتها، وهذا ما ينطبق بحق على الفكرة المنهجية الإسلامية.
فهي فكرة ثابتة، جذورها راسخة، وفروعها منتشرة، ووسائل تطبيقها كثيرة، وقواعدها تحميها في كل تقلبات الزمان، لا ترتضي بالتغير في أصولها وأسسها، لكنها تقبل الاجتهاد في وسائل التطبيق بحسب ما يقتضيه شرعها وميثاقها العتيد، لذلك؛ فهي صالحة لكل زمان ومكان، فهي ترعى التغيرات والمتغيرات، وتفتح الباب للأفكار المبدعة لتبدي مشاركتها في دعم وسائلها في ظل قوانينها وقواعدها.
لكنها أبدًا لا تنكسر أمام الأفكار الغريبة ولا المستوردة، إذ منهجها منهج رباني سماوي علوي سامق، ولا تحيا تابعة لأفكار بشرية منقوصة لتضع لها منهجًا وتلون لها حياة أهلها بألوان مصطنعة.
ومنهج المعرفة في الإسلام؛ أسلوب جامع بين الحاسة والعقل والقلب، يقوم على العلم والحق، ويتابع الكم والكيف والمادة والروح، والغاية والسبب، ويحفظ العقل من الزيغ ويؤمن بالغيب الثابت على لسان الوحي ويدعو إلى البحث والتجريب في شئون الحياة، كما يدعو إلى التعلم والتخصص قبل البحث، ويشجع على المراجعة والمناصحة وقبول الحق أيًّا كان مصدره، والاستمساك به، والجهر به، والدفاع عنه، فإذا بنظريته تقوم على الحق والعدل والصدق، وتنطبق كلها على الجوارح والقلوب والعقول.
نقد الذات بين التراجع والمراجعة
وبينما نتحدَّث عن تكامل الاستمساك بالقضية الإسلامية المنهجية؛ يهمنا أن نؤكد على أن عملية نقد الذات الناتجة عن البحث والتجريب ومراجعة الآثار، وتقويم المواقف، هي عملية إيجابية ولا شك، لكنها قد تنحرِف بالبعض فتكون تكأة للتنازل عن الاستمساك بأصل المنهج وقِيمه وثوابته، لذلك فلا بد أن نضع ضوابط لِما يُطلق عليه عمليات المراجعة حتى لا تصير تراجعًا.
فلا بد أن تنطلق المراجعة من حالة وعي حرة، لا حالة ضغط تقع خلالها النفس تحت وطأة مؤثرات تتسبب في تراجع فكرتها، كما ينبغي أن يقوم بالمراجعة أهل علم أثبات، "وعلى المستوى الشخصي؛ أرى أن المراجعة المنهجية ينبغي ألا تقتصر على الأفراد وآرائهم مهما كان قدرهم، بل ينبغي أن تخرج من مجامع علمية وفقهية تجمع أهل العلم الأثبات المؤهلين للقيام بذلك في شتى المناحي".
كذلك؛ يجب التأكيد على الثوابت الإيمانية، والأسس العلمية، والأصول العقائدية، ورعايتها، بعيدًا عن المراجعة، إذ المراجعة موقعها الوسائل والفروع لا الثوابت والأصول.
فقه الأزمة والدعوة إلى الوسطية!
فارق كبير بين معرفة فِقه الأولويات وفِقه النوازل، وبين نوع من الفِقه يُسمُّونه فِقه الأزمة، والحقيقة أن هذا المُسمَّى إنما نتج عن حالة الضعف التي قد تشهدها الأمة، فتدعو للنظر إلى المعطيات الواقعية نظرة الفار المرتبك، فترتكب خطأ كبيرًا في تناولها للشأن المنهجي الإسلامي بدعوى الوسطية.
إن الإسلام يُسر في حقيقته ومنهجه، قال صلى الله عليه وسلم: «البخاري). » (أخرجه
وقال: «عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما"، بل إن من أهم قواعد الفقه الكبرى قاعدة "المشقة تجلب التيسير" وهي قاعدة متفقٌ عليها بين علماء الإسلام » (أخرجه أحمد)، وفي الصحيح تقول
لكننا لا بد أن ننظر إلى القضية نظرة منهجية علمية صحيحة قبل أن نسقط في هاوية التلفيق والتنازل والسقوط، إن هذه الأوصاف -من اليُسر والسعة وغيرها- إنما هي أوصاف للمنهج الإسلامي الحق المتكامل، لا للمنهج المنقوص ولا المتجزئ.
فليس اليُسر يعني ترك الثوابت العقدية المتفق عليها، ولا الأسس العبودية المبني عليها ذلك المنهج، ولا يعني تتبع رخص المذاهب في كل مسألة، فتتكون لديه مجموعة من الرخص في كل باب فيسميها الوسطية، وﻗﺪ ﻗﺎل أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ: "إن ﻣﻦ ﺗﺘﺒَّﻊ رﺧﺺ اﻟﻤﺬاھﺐ ﺑﺪﻋﻮى اﻟﺘﯿﺴﯿﺮ ﻓﻘﺪ رﱠق دينه".
فمقياس اليُسر ليس تابعًا لرؤية الناس ولا حتى لرؤية آحاد الفقهاء، وھﺬه ھﻲ طﺮﯾﻘﺔ السلف الصالح من العلماء، ﻓﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﻨﺎھﺠﮭﻢ اﻷﺻﻮﻟﯿﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﺼﺪون اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﺮاد اﻟﺸﺎرع بعيدًا عن الحكم بالسهولة أو غيره، وﯾﻌﺘﺒﺮون ﻋﻨﺪھﺎ أن ﻣﺎ اﻧﺘﮭﻮا إﻟيه من الحكم الشرعي ھﻮ اﻟﻮﺳﻂ وھﻮ اﻟﯿُﺴﺮ ﻷنه ﻣﻘﺘﻀﻰ أمر الشارع العظيم.
والمتتبِّع لألفاظ الأمر باليُسر والنهي عن التشدُّد يجدها وردت في سياقات إما للنهي عن المبالغة في الأعمال المشروعة أصلًا بأوامر شرعية، فيكون التشدُّد هو الزيادة عن المشروع، وإما في مقابل الغلو في الدين بما لم يأذن به الله سبحانه، وإما ردًا على الذين اتخذوا التشدُّد ديدنًا لهم ومنهجًا رافضين كل رخص التيسير.
يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمر بعده سُننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل واستكمالٌ لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرُها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي مَن خالفَها، فمن اقتدى بما سنُّوا اهتدى، ومَن استبصر بها بصر، ومَن خالَفها واتَّبع غير سبيل المؤمنين، ولاه الله عز وجل ما تولاه" (شرح أصول الاعتقاد؛ اللالكائي).
فالوسطية إذن؛ هي شرائع الإسلام الحقة، وليست الوسطية تنازلًا عن شريعة الإسلام، ولا عن شىء مما جاء به الوحي الكريم.
مواقف وتناقضات:
كثيرة هي النماذج السلبية في ما يخص الالتزام الكلي والمتكامل بهذا الدين وأسسه ومبادئه، وعليها يترتب نتائج سلبية كثيرة أيضًا سواءً على مستوى الأفراد أو المجتمعات.
فالإسلام كما يرفض المغالاة والتنطع، فهو أيضًا يرفض التهاون والتقاعس والسلبية، فهو منهج وسطي معتدل، يريد لأبنائه أن يلتزموا بخطوته وخطواته، لا أن يترددوا فيها ويذهلوا عنها، ويريد لهم أن يستمسكوا بشرائعه ومبادئه وقيمه، لا أن يتراخوا في تطبيقها أو يتنازلوا عنها لقيم أخرى مهترئة، ومبادئ مهتزة، ويريد لهم أن يكونوا نموذجًا متفرِّدًا في الصلاح والإصلاح به، لا أن يفشلوا ويخسروا الناس والمجتمعات، ويريد لأجياله أن ترفع رايته خفاقة لا أن تغفل وتنشغل عن شعائره وشرائعه.
إن الدين عقيدة وانقياد ومتابعة يحملها الإخلاص والصدق، ويقومها حسن العمل والإتقان، ويساعد على نجاحها الإيجابية والعطاء، كل ذلك يجري في توازن تام وعدل قائم وربانية وتُقىً.
نموذج القدوة
لقد قدَّم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم نموذجًا مثاليًا للقدوة التطبيقية لكل شرائع الشريعة الغرَّاء، فصلح أن يكون قد أدَّى دوره وبلغ رسالته بكل أمانة وصدق وإخلاص، وقد ضرب لنا القرآن الكريم نماذج كريمة من الأنبياء الكرام عليهم السلام في حمل رسالتهم والدفاع عن فكرتهم الإيمانية السمحة.
وقد يتمثل نموذج القدوة أيضًا عبر بعض السمات والأوصاف التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّنها القرآن الكريم لمن يستحقون أن يوصفوا بكونهم أسوة حسنة في تحمل هذه الرسالة بقوة وعدل.
قال سبحانه: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181]، فهم يعلمون الناس الحق ويبلغونه للناس ثم لا يكتفون بذلك، بل يُطبِّقونه على أنفسهم ويعدلون به بين الناس، فيُحوِّلونه إلى نماذج حية.
ولما سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خُلقه القرآن"، إنه وصف تطبيقي فعلِيٌ واقعيٌ لِما أُمِرنا به من دستور عظيم للأخلاق.
وقد وصف القرآن الكريم بعضًا من هذه النماذج الواقعية فقال: {مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب من الآية:23].
وفي أوصاف أهل الإيمان المفلحين ترى القرآن الكريم يُعدِّد عددًا من الصفات ليَعرِض لنموذج من شخصية متوازنة إيجابية مؤثرة جادة في أخذها بالشرائع.
لقد أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] واليقين هو: الموت، أي: واعبد ربك دائمًا، وكن مواظبًا على ذلك حريصًا عليه حتى يأتيك الموت، فيكون عبدًا لله مادام حيًا، فليس هناك تقاعد في حياة المسلم تجاه إسلامه، بل هي عبودية، وحمل للراية، واستمساك بالحق إلى أن نلقى الله تبارك وتعالى.
وفي الصحيح: "أن الأنصار عندما انتصر الإسلام وأعزَّ الله دينه، وأعلى كلمته، وأذل الشرك والباطل، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، قال البعض منهم: آن الأوان لنرجع إلى أموالنا وأعمالنا، فأنزل الحق تبارك وتعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة من الآية:195]، فالعطاء والإنفاق في سبيل الله والبذل لهذا الدين لا يتوقف عندما يكبر الإنسان، أو عندما ترتفع راية الإسلام، وإنما هو شعار مستمر، وعبودية حتى الموت.
المؤمن القوي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه مسلم).
أمامنا في الحديث نموذج للقوة في الأخذ بهذا الدين، يفضلها النبي صلى الله عليه وسلم على الضعف، وهي قوة قد يوصف بها أمرئ ضعيف الصحة والبنيان، فقير قليل المال، قليل النصير والأتباع، لكنه مع ذلك قوي في قلبه، قوي في مبادئه، قوي في استمساكه بدينه، قوي في إيمانه باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فأما إن استطاع أن يكون قويًا في صحته وبنيانه وقويًا في شيعته وأحبابه، وقويًا في ماله الحلال، وقويًا في جهده وعطائه فهو الأكثر تأثيرًا والأكثر بلاغًا.
إن أصل القوة هي قوة الإيمان، وقوة القلب، وقوة النفس في مواجهة المتغيرات، لذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من: « »، قال أنس رضي الله عنه: "كنت كثيرًا ما أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقولهن" (أخرجه البخاري).
إنه يستعيذ بالله من هم مقعد لا يدفعه نحو العمل، ومن حزن مؤلم يمنعه من انطلاقة جديدة، ومن عجز مانع من المعالي والطموح الإيجابي المرجو، ومن كسل يُثبِّط المرء عن الطاعات والفضائل وهكذا...
إن المسلم ما دامت فيه روح وما دام حيًا، فهو عبد لله تبارك وتعالى، فلا تتوقف العبودية والاستمساك بهذا الحق وهذا الدين، إذ الإسلام منهج لحياة الإنسان في تفكيره وعقيدته وتصوره وأعماله، فعليه أن يقضي حياته كلها ملتزمًا بهذا الدين، وملتزمًا بهذا المنهج، فالله سبحانه أخذ على الإنسان المواثيق، ثم في كل صلاة يأمرك بتجديد العهد والميثاق بـ{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
سُئِلَ إبراهيم الحربي عن أحمد بن حنبل رحمهم الله، فقال: "لقد صحبته عشرين سنة صيفًا وشتاءً حَرًا وبَردًا ليلًا ونهارًا فما لقيته في يوم إلا وهو زائد عليه منه بالأمس".
خالد روشه