صليبي تحت جنح الظلام

درس هذا الصباح حول التنصير سرًا... كثير من طلاب "لوف" هم أنفسهم من المنصرين، عادوا مؤقتًا من مهام في بقاع تمتد من كازاخستان إلى كينيا، وهم يعلمون علم اليقين أن التنصير مخالف للقانون في العديد من الدول الإسلامية، وأن مصيرهم هو الطرد إذا ما كشفت أهدافهم الحقيقية.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

في كانون الثاني من عام 2002م، وعند الثامنة من صباح يوم الاثنين؛ يصطف عشرون طالبًا لحضور دروس ريك لوف[1] في "جامعة كولومبيا الدولية" بولاية كارولينا الجنوبية.

لكن هؤلاء الطلاب -وكلهم نصارى إنجيليون- قد وصلوا قبل بدء الدروس بأسبوعين لحضور دورة تدريبية مكثفة حول كيفية كسب الأتباع في البلدان الإسلامية، إنهم يتعلمون من معلمهم ريك لوف المدير الدولي لجمعية "فرونتيرز" أكبر جماعة نصرانية في العالم؛ تُركِّز حصرًا على التنصير في أوساط المسلمين بـ 800 من المنصِّرين في 50 بلدًا، ويمتد جهد "فرونتيرز" من منطقة جنوب المحيط الهادئ إلى شمال افريقيا، مرورًا بكل دول العالم الإسلامي الرئيسية بينهما.

درس هذا الصباح حول التنصير سرًا... كثير من طلاب "لوف" هم أنفسهم من المنصرين، عادوا مؤقتًا من مهام في بقاع تمتد من كازاخستان إلى كينيا، وهم يعلمون علم اليقين أن التنصير مخالف للقانون في العديد من الدول الإسلامية، وأن مصيرهم هو الطرد إذا ما كشفت أهدافهم الحقيقية.

إن درس "لوف" لهذا اليوم هو كيف تُخفي هويتك بينما تعمل سرًا لتحويل المسلمين عن دينهم، يقول شارحًا: "ينبغي للمنصِّرين أن يكونوا دائمًا على استعداد لتقديم تفسير لا ديني لوجودهم في مناطق معادية".

يذكر المنصِّر "ريك لوف" أنه قبل توجهه إلى غرب أندونيسيا للتنصير في أوساط مسلمي السوندا كان قد التحق بإحدى المدارس، وحصل على مؤهلات ليُصبح مدرسًا للغة الانجليزية، وبهذه الطريقة -كما يقول- أصبح لديه مُبرِّر ليكون في هذا البلد، "يمكنني الآن أن أنظر في عيني سائلي وأقول: أنا مدِّرس للغة الانجليزية، أنا حاصل على شهادة أكاديمية، وأنا هنا للتدريس".

ثم يضيف: "هذه هي الطريقة المثلى لكسب الأتباع في العالم الإسلامي، ابحث عن ذريعة أخرى لتكون في ذلك البلد، ابنِ صداقات مع السكان المحليين! وبعد أن تكون قد بَنيت ثقة الناس بك حينئذ تسعى لكسب مؤمنين جدد، ولكن لا تكشف عن الغرض الحقيقي قبل أوان ذلك".

يقول "لوف" لتلاميذه: "هناك الكثير من السُّبل لتمويه شخصيتك؛، ففي إندونيسيا كان الإنجيليون يديرون مصنعًا لصنع الألحفة لتوفير غطاء رسمي للإرساليين الغربيين، والسماح لهم لتوظيف وتنصير الحشود من المسلمين". 


يهز التلاميذ رؤوسهم متأمِّلين؛ إنهم متفقون على أنه لا بد من الوصول إلى المسلمين بأي شكلٍ من الأشكال، لقد أوقد حماسهم أكبر حملة إنجيلية في العالم الإسلامي منذ عهد المنصِّر الرائد صموئيل زويمر، فعلى مدى العقد الماضي -كما يذكر قادة الإنجيليين- ارتفع عدد المنصِّرين الذين يحاولون تحويل المسلمين إلى أربعة أضعاف من بضع مئات في مستهل التسعينات من القرن العشرين، إلى أكثر من ثلاثة آلاف (3000) اليوم، كثير منهم أرسلتهم الكنيسة المعمدانية الجنوبية، أما البقية فيتبعون جماعات تدعمها الكنيسة، وتحمل أسماء مثل "كريستار"، و"رعوية العالم العربي".

يعمل المنصِّرون في قرى نائية في أفغانستان وباكستان، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق مثل كازاخستان وأوزبكستان والمناطق الساخنة في الشرق الأوسط كالعراق وسوريا واليمن، ودول إفريقية مثل الصومال والجزائر.

إن الحركة المتنامية "لاصطياد الأرواح" في بلاد المسلمين على أيدي المنصِّرين الذين غالبًا ما يتسترون بأنهم عمال إغاثة، أو معلمون، أو رجال أعمال؛ أثارت اعتراضات خارج العالم التنصيري، فالمنصِّرون أنفسهم يعترفون بأن العمل يُعرِّض المتحولين عن دينهم للمخاطرة بحياتهم، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في قلب الحركة بما في ذلك تلاميذ "ريك لوف" فإن أي ضرر قد يتسبَّب فيه عملهم لا يقاس بأهمية رسالتهم التي هي: القضاء على الإسلام.

تقول "كيم ماكهيو" -36 عامًا- إحدى تلاميذ "جامعة كولومبيا الدولية"، والتي تعمل في تنصير اللاجئين الإيرانيين في تركيا: "أعتقد أنها -الإسلام- ديانة كاذبة وباطلة، وأود أن أراها مضمحلة"، يوافقها زوجها "برنت" قائلًا: "إذا لم تتسن لهم فرصة لتجربة يسوع فليذهبوا إلى الجحيم!"

مقارنة بجهودهم؛ فإن المنصِّرين لا يكسبون سوى القليل من "المؤمنين" الجدد، ولكن يبدو أنهم لا يضطربون لذلك. يقول آل دوبرا (45 عامًا): "ليس هدفي هو تنصير المسلمين" -وهو شاب يُقيم صداقات مع رجال الأعمال المسلمين في نيروبي، كينيا، ومن ثم يحاول إقناعهم بأن في الإسلام اختلافًا وتناقضًا، يقول: "هدفي هو زرع بذور شِبه صغيرة سرعان ما تتفاقم وتنمو وتنخر، وفي نهاية المطاف سوف يَشكِّون في دينهم، ما أُصَلّي لأجله هو أن يصابوا بالسهاد والأرق مما يسمعون، أعلم أنه من الفظيع أن أتمنى ذلك لشخص ما".

إن اليقين المطلق بأن النصرانية -بزعمه- هي الحق الوحيد، وأن الأديان الأخرى من وحي الشيطان؛ يمتد طوال أسبوعين من درس "ريك لوف"، ففي صباح أحد الأيام يقوم "توم سيكلير" -ذو الشعر الداكن، والشارب الكثيف- بإلصاق العلم الكمبودي على لوحة الفصل، ويضع خريطة البلاد على جهاز العرض الضوئي: إن إرسالية "النادي العالمي" التابعة لسيكلير تستهدف فئة "شام الغربية" وهي أقلية فقيرة مسلمة في كمبوديا ذُبِح منها الآلاف على أيدي الخمير الحُمر في السبعينات من القرن الماضي... 


وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها "النادي العالمي" إلا أن "سيكلير" يُقدِّر بأنه لا يوجد سوى 25 ممن اعتنقوا الدين النصراني.

ثم يطلب من زملائه أن يُصلُّوا لـ"شعب شام" ويقول: "إن هناك قدرًا من الاعتزاز بالنفس في أوساط "شعب شام"، وهم يعتقدون أنهم على خير، ولا نرى فيهم تعطشًا روحيًا".

إن هذه الصلوات تعكس موقف الجامعة الرسمي مما تعتبره دينًا منافسًا؛ ففي صفحة بارزة على موقع الجامعة نشر مقال بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر 2001م، كتبه "وارين لارسون" مدير برنامج الدراسات الإسلامية، والأب الروحي للمنصِّرين في أفغانستان جون ويفر؛ جاء في أثناء المقال "أن من يزعم أن الإسلام يعني السلام فإنه يحاول تضليل الرأي العام". 


ويضيف: "زعماء المسلمين قد أفصحوا عن هدفهم المتمثل في نشر الإسلام في الغرب حتى يصبح المهيمن والقوة العالمية"، كما أعرب لارسون عن مخاوفه من أن تخسر النصرانية في سباق الهيمنة على العالم، وأضاف: "الإسلام يهيمن بيولوجيًا على العالم، إنهم أكثر إنجابًا مِنَّا".

قبل التحاقه بـ"جامعة كولومبيا الدولية" كان لارسون قد عمل لمدة 23 عامًا في "ديرا غازي خان" بباكستان في محاولة لإدخال المسلمين في النصرانية، وكان هو وزوجته يستضيفان اجتماعات الصلوات، ودراسة الكتاب المقدس، والتجمعات غير الرسمية، حيث يحضر المسلمون لتناول الشاي.


ويقول لارسون: "الكثير منهم يأتي لأنك قد تكون قادرًا على مساعدته في الحصول على تأشيرة لأميركا... والبعض يقبل الحديث عن النصرانية؛ لكن الأغلبية لا يقبلون ذلك".

وفي أحد الدروس يفتح "ريك لوف" "كتابه المقدس"! على سِفر أعمال الرسل، والذي يكسب فيه القديس بولس معتنقًا جديدًا يدعى "تيموثاوس" فيخاطبه: "إن كنت ترغب في الانضمام لفريقي فعليك أن تختتن".

إن "لوف" لا يوحي بأن على الطلاب أن يختتنوا، إنه يُقدِّم فكرة أعمق، لكسب الأتباع من ثقافة أجنبية ما، عليك أن تتبنى سلوكيات تلك الثقافة، ولو اقتضى الأمر القيام بطقوس دين آخر، إن هذه الممارسة تُسمَّى "الاندماج"، وهي واحدة من أكثر الموضوعات سخونة بين المبشِّرين، والفكرة تتمثل في الابتعاد عن الأسلوب القديم الذي ينشر نصرانية أميركية الطراز بما معها من مقاعد خشبية، وترانيم غربية، بدلًا من ذلك فإن المنصِّرين اليوم يحملون أسماء إسلامية، ويلبسون الحجاب، وغيره من الملابس المحلية، ويسجدون في صلواتهم، بل ويصومون شهر رمضان.

"يجب أن نصبح مسلمين للوصول إلى المسلمين"، هذا ما يقوله كاشين الأستاذ بـ"جامعة كولومبيا الدولية".

إذا كان المنصِّر في القرن الأول الميلادي على استعداد للختان في سبيل كسب الأتباع؛ فإلى أي مدى يمكن أن يصل منصِّروا القرن الحادي والعشرين؟ يتساءل المنصِّر ديريك: "هل يمكن لنا أن نُسمِّي أنفسنا مسلمين؟ أَوليس المعنى الأصلي للكلمة هو المستسلم"، ففي الأردن يمتلك المنصِّرون ما يُسمُّونها مساجد يسو"، ويدعون أنفسهم مسلمون من أجل المسيح، لقد أردنا أن ندعو الرب باسم الله؛ حتى نكون بذلك المستوى من العلاقة الحميمة مع المسلمين".

وتشير دورية البعثات الإنجيلية إلى أن إحدى الفِرق -التنصيرية- في منطقة الشرق الأوسط لديها سياسة عدم السماح للمنصِّرين بالإفصاح عن دينهم، وفرقة أخرى أطلقت على نفسها اسم "العيسويون"، وقدَّمت نفسها  كـ"واحدة من الطرق الصوفية، أو الدراويش الصوفيين الكثر"، وعند الإلحاح يعترف الإنجيليون بأنهم كثيرًا ما يضببون الفوارق بين الديانتين الإسلام والنصرانية، ويتسترون على نواياهم الحقيقية.

"إن الخط الفاصل بين الخداع وإبقاء المعلومات سرًا رقيق جدًا" كما يقول أحد المنصِّرين في "جامعة كولومبيا الدولية" الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.


هنا يعود تلاميذ "ريك لوف" إلى الميدان لينشروا الإنجيل في بقاع لا تريدهم، لقد أَحيَت فيهم دروس "جامعة كولومبيا الدولية" الحماس من جديد لإنقاذ المسلمين مما يعتبرونه دينًا باطلًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (د. ريك لوف: ولد في 9 أكتوبر 1952م، وهو صانع السلام الأمريكي. ومستشارًا في العلاقات "المسيحية - المسلمة"، ومدِّرس، وقس مسيحي).
 


فيصل بن علي الكاملي