غزة..ما معنى نهاية الدحلانية؟

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: السياسة الشرعية -

إبراهيم غرايبة 

الأكثر أهمية وعبرة فيما حدث في غزة هو كيف عجز جهاز الأمن الذي يقوده محمد دحلان والذي يقال إن عدد عناصره المسجلين في كشوف الرواتب الشهرية يتجاوز الثلاثين ألفا عن الصمود أكثر من ثلاثين ساعة قبل أن ينهار ويتبخر ويصبح غير موجود! المسألة تفرض على العالم وجميع العرب (نعم جميع العرب) إعادة التفكير في الرهانات السياسية والأمنية والعلاقات الدولية، وأن تقتنع الفرقاطة العربية والفلسطينية التي تجر الدول والمجتمعات في بحر السياسة أنها مهما كانت قوية وجبارة فلن تستطيع أن تقهر صخرة معزولة في البحر أو تزيحها من طريقها، ولا تملك سوى احترامها وإقامة فنار عليها يرشد السفن وحاملات الطائرات وقوارب الصيد ويحذرها من الاصطدام بالصخرة.

نهاية الدحلانية في غزة أكبر وأعمق بكثير من الجدل الدائر في فهم وتحليل الخلاف بين فتح وحماس، ولكنها تؤشر على انتهاء حقبة من التفكير والحكم والإدارة، وتغيير جذري في مفاهيم الأمن الوطني والقومي، وضرورة إدراك فلسفة ورؤية جديدة في فهم وإدارة السياسية، والحياة أيضا، وسيريحنا ويريحون أنفسهم أولئك المشغولون بأيدولوجيا حماس وأفكارها ومعتقداتها، والنظر في فشلها أو نجاحها وواقعيتها أو جمودها، تقديم الصراع بأنه بين مؤيدين للتسوية ومعارضين، وتقييم الموقف في غزة هل هو انقلاب أم دفاع عن النفس لو يكفون عن ذلك وينطروا فقط لمدة دقيقة في موجة النهايات التي تهب على المنطقة، كما هبت على العالم من قبل، نهاية فتح ومنظمة التحرير، نهاية جبهة التحرير في الجزائر، نهاية حزب العمل والليكود في إسرائيل، نهاية ثورة 23 يوليو وامتداداتها في مصر، نهاية حزب البعث في العراق وربما في سورية، تماما مثل نهاية الطرابيش، أو كما انتهت الكتاتيب وحلت مكانها المدارس.

هذا الاعتقاد بالقدرة على تجاهل واحتقار المجتمعات وخيارات الناس ورأيهم، وفرض الوصاية عليهم بقوة السلاح، وإدارة العلاقات وتنظيم الموارد وفق رؤية ومصالح نخب وقيادات تعتقد أنها قادرة على إدارة الدول وتنظيم علاقاتها بعيدا عن شراكة المجتمعات والأفراد والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية والخدماتية تحول إلى مجرد لعب في الوقت الضائع!

تحتاج الدول العربية والقوى الإقليمية والدولية التي تتعامل مع الشأن الفلسطيني أن تعيد النظر جذريا في أفكارها وسياساتها ولا تواصل الرهان على حصان خاسر بل لم يعد يقدر على المسير، فلن تحسم علاقات الشعب الفلسطيني ولن تفرض عليه خياراته حتى لو تضاعفت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في أعدادها وميزانياتها وأسلحتها، وليس المطلوب أيضا أن تغير الدول سياساتها تبعا لتطلعات ورغبات الجماهير والمجتمعات، ولكن ثمة شراكة جديدة للحكم والتنمية والإدارة وقواعد جديدة تتشكل للسياسة والحكم وأولويات ومخاطر جديدة تفرض نفسها، ولم يعد ممكنا التعامل معها بالأدوات والأفكار التي كانت حتى عهد قريب حاسمة وناجحة.

ليس المهم هو تأييد حماس أو فتح ولا الانحياز إلى إحدى الحركتين، وليس مجديا تحديد المخطئ والمعتدي، والأكثر أهمية ليس الإغراق الإعلامي هو الذي يشكل الوعي والموقف الجماهيري، وتجاهل الأزمة الحقيقية لا يعني حلها، فالمسألة الأساسية أن قوى وموارد وعلاقات جديدة تتشكل لا يستطيع محمد دحلان ومن على شاكلته أن يحسمها ولا أن يقررها، وأن العلاقة مع الفلسطينيين والتعامل معهم لم يعد ممكنا تحديدها وفق معايير ومواصفات من قبيل عدد أفراد الأمن أو العلاقة القوية والخطوط المفتوحة مع دولة ما، وأن الدول والمجتمعات بحاجة لتنظيم جديد لمصالحها وعلاقاتها، وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة بعد أكثر من أربع سنوات من الاحتلال ومئات المليارات التي أنفقتها عن السيطرة على العراق، وأن إسرائيل عاجزة بعد أربعين سنة من الاحتلال عن مواصلته فإن القادة الأصغر من ذلك بكثير وأقل مالا وسلاحا بحاجة ليريحوا رؤوسهم من مناطحة الصخر والمصالحة مع شعوبهم ومجتمعاتهم، أو احترامها لأجل المكاسب التي تحققت لهم بجهد وتضحيات هذه الشعوب والمجتمعات، أو على الأقل تركها وشأنها.
المصدر: الإسلام اليوم