تنامي الإسلاموفوبيا في بلغاريا

على الرغم من الفترة الطويلة التي كانت فيها بلغاريا في ظل الخلافة العثمانية والتي دامت أكثر من خمسة قرون من الزمان، لم يتعرض خلالها النصارى لأي اضطهاد أو اعتداء لا في أنفسهم ولا في أموالهم أو مقدساتهم، إلا أن جزاء المسلمين بعد كل تلك المعاملة الحسنة لم يكن من جنس ما صنعوا، بل كان الجزاء تنامي العنصرية المقيتة التي باتت تسمى في العصر الحديث بعد أن أصبحت ظاهرة بـ (الإسلاموفوبيا).

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

 

على الرغم من الفترة الطويلة التي كانت فيها بلغاريا في ظل الخلافة العثمانية والتي دامت أكثر من خمسة قرون من الزمان، لم يتعرض خلالها النصارى لأي اضطهاد أو اعتداء لا في أنفسهم ولا في أموالهم أو مقدساتهم، إلا أن جزاء المسلمين بعد كل تلك المعاملة الحسنة لم يكن من جنس ما صنعوا، بل كان الجزاء تنامي العنصرية المقيتة التي باتت تسمى في العصر الحديث بعد أن أصبحت ظاهرة بـ (الإسلاموفوبيا).

 

ومع كون مصطلح (الإسلاموفوبيا) حديثًا نسبيًا إلا أن معناه وفحواه- إرهاب الإسلام وشيطنة المسلمين وبث مشاعر العنصرية والكراهية ضدهم- قديم قدم العداء الغربي اليهودي الصليبي لهم.

 

وأمام جنون الغرب من خطر انتشار الإسلام في بلادهم، وهوسهم من عودة فترة الخلافة الإسلامية رغم العدل والتسامح الذي اتصفت به، لم يكن جديدًا خبر مهاجمة مئات من العنصريين مسجدًا في مدينة (بلوفديف) ثاني أكبر المدن البلغارية، حيث كسروا نوافذه بالحجارة، في مظهر من مظاهر تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوربا الشرقية.

 

وفي تفاصيل الخبر تجمع أكثر من ألفي شخص أمام محكمة (بلوفديف) أثناء نظر استئناف في قضية تخص إعادة مسجد قديم في مدينة (كارلوفو) في وسط البلاد، صادرته الدولة منذ أكثر من 100 عام إلى مفتي بلغاريا ليكون مسؤولًا عنه.

 

وبينما تصل العنصرية البلغارية تجاه المسلمين إلى حد حرمانهم من حق استعادة الإشراف على مسجد قديم كان قد أُخِذَ منهم ظلمًا وعدوانًا، يتناسى هؤلاء درجة التسامح الإسلامي معهم أثناء فترة الخلافة العثمانية، والتي وصلت إلى حد منح الكنيسة الأرثوذكسية حق إدارة جميع شؤون النصارى روحيًا ومذهبيًا بصلاحيات تصل إلى منصب وزير في الدولة العثمانية آنذاك.

 

ولم تتوقف العنصرية عند حد الاعتداء على المسجد الذي تعرض للرشق بالألعاب النارية والمشاعل والحجارة بحسب رويترز، بل تعداه إلى خروج من كانوا أمام المحكمة في مسيرة بأنحاء المدينة، مرددين شعارات عنصرية ضد المسلمين.

 

لم تكن هذه الحادثة فريدة أو منقطة عن سياسة عامة تمارَس تجاه المسلمين منذ ضعف الخلافة العثمانية وزوالها بعد ذلك، حيث تعرض المسلمون منذ ذلك الوقت لسياسة عنصرية عدائية من قِبَل جميع الحكومات البلغارية المتعاقبة، كتعبير عن الانتقام والتشفي من العثمانيين رغم المعاملة الحسنة التي كانوا ينعمون بها في تلك الحقبة من الزمن.

 

ففي الحقبة القيصرية التي أعقبت استقلال بلغاريا عن الدولة العثمانية عام 1908م وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، اتبعت سياسة القتل والتهجير والتصفية الجسدية وطمس الهوية الإسلامية بحق المسلمين، معتبرين كل مسلم عميلًا للأتراك العثمانيين.

 

ولم تكن حقبة الشيوعيين أقل قسوة أو أدنى عنفًا، بل ازداد الاضطهاد لدرجة لا توصف، فحولت المساجد والمراكز الإسلامية لمتاحف وإسطبلات خيول، حتى لم يبق إلا مسجد واحد في العاصمة (صوفيا)، كما قام نظام (جيفكوف) الشيوعي المتطرف بقتل وتعذيب وإبادة واعتقال وتهجير حوال 2 مليون مسلم بلغاري، إضافة لإجبار حوالي 800 ألف من ذوي الأصول التركية على تغيير أسمائهم المسلمة، وذلك تحت شعار التوحيد الكامل والنهائي للأمة البلغارية ذات الأغلبية الأرثوذكسية وتخليصها من الحضور التركي المسلم.

 

ورغم سقوط الحكم الشيوعي في بلغاريا عام 1989م إلا أن ذلك لم ينه معاناة المسلمين هناك، فقد استمرت الحكومات بتبني سياسة (جيفكوف) العنصرية وإن بصورة أقل شراسة وقسوة، من خلال الحرمان من الحقوق السياسية والدينية والاجتماعية.

 

ورغم انضمام بلغاريا للاتحاد الأوربي الذي يدعي تبني شعار الديمقراطية وحقوق الأقليات عام 2005م، إلا أن ذلك لم يأت بنتيجة تذكر لإلغاء لغة العنصرية المتبعة من قبل حكوماتها حيال المسلمين فيها، ففي مارس من عام 2009م نقلت وكالة الأنباء البلغارية تصريح (يان يانييف) زعيم المعارضة ورئيس حزب (نظام، قانون، عدالة RZS) بأن بلغاريا التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي تبدو بعض جهاتها وقراها في حاجة ملحة إلى عملية تحرير ثانية من الحكم العثماني.

 

إن ظاهرة الإسلاموفوبيا في بلغاريا التي يشكِّل المسلمون فيها 13 % من السكان البالغ عددهم 7.3 مليون نسمة، لا يبدو أنها ستتوقف بله أن تنتهي ما دام الغرب يحمل تلك الجرثومة الخبيثة التي تسمى العداء والحقد غير المبرر على الإسلام والمسلمين، مما يعني أن الواجب علينا- كمسلمين- مواجهة تلك الظاهرة بمزيد من امتلاك القوة- بكافة أنواعها العلمية والعسكرية- التي أمرنا الله بها بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].