العلاقات بين "إسرائيل" وإيران

أعادت الحادثة التي كشفت عنها صحيفة التلغراف مؤخرًا بشأن ضبط شحنة أسلحة مهربة من "إسرائيل" إلى إيران عبر اليونان الحديث عن العلاقات الخفية التي تربط بين الطرفين رغم الصخب الإعلامي، فكل طرف يكيل الاتهامات والتهديدات للطرف الآخر عبر الصحف وشاشات التلفزة وعندما تنظر في الواقع لا تجد صدى حقيقي لهذه التصريحات بل من وقت لآخر تتكشف علاقات خفية بين الجانبين.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

 

أعادت الحادثة التي كشفت عنها صحيفة التلغراف مؤخرًا بشأن ضبط شحنة أسلحة مهربة من "إسرائيل" إلى إيران عبر اليونان الحديث عن العلاقات الخفية التي تربط بين الطرفين رغم الصخب الإعلامي، فكل طرف يكيل الاتهامات والتهديدات للطرف الآخر عبر الصحف وشاشات التلفزة وعندما تنظر في الواقع لا تجد صدى حقيقي لهذه التصريحات بل من وقت لآخر تتكشف علاقات خفية بين الجانبين.

 

إن الحادثة الأخيرة التي كشفتها الصحيفة البريطانية بشأن نقل سفن لشحنات تحتوي على قطع غيار لطائرات عسكرية  ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فكما يذكر تريتا بارسي- أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكينز- في مقدمة كتابه (التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية): "إن إيران و"إسرائيل" ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون بقدر ما هو نزاع إستراتيجي بينهما".

 

واستدل على ذلك بعدم لجوء كل طرف إلى استخدام أو تطبيق ما يعلنه خلال تصريحاته النارية، فالخطابات في وادٍ والتصرفات في وادٍ آخر معاكس, مضيفا: "إن هذا الرأي يكشف سبب عدم إقدام "إسرائيل" على ضرب إيران، رغم أنها هددت في أكثر من مناسبة بأنها ستقوم بذلك، سواء وقفت الولايات المتحدة إلى جانبها أم لا".

 

وكشف المحلل السياسي أن إيران- الباحثة عن مدخل إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموما- استخدمت ورقة الصراع العربي "الإسرائيلي"، وحاولت أن تظهر في مظهر "عدو" إسرائيل اللدود، والداعمة الرئيسية للقضية الفلسطينية، لكن الخفايا تبطن عكس الظواهر، فإيران و"إسرائيل" يتعاملان معًا وفق سياسة الإخوة الأعداء، وما التصريحات المتبادلة بين الطرفين إلا لعبًا سياسيًا ودبلوماسية لتحقيق المصالح، مثلما هو الحال مع شعار "الشيطان الأكبر" الذي أطلقته إيران على أميركا، وشعار "محور الشر" الذي أطلقته أميركا بدورها على إيران والدول التابعة لها.

 

وأوضح أن إيران و"إسرائيل" تربطهما علاقات اقتصادية متينة، قد تكون تأثرت منذ سقوط الشاه وصعود الخميني، لكنها بقيت قوية يتم التباحث بخصوصها خلال اجتماعات تعقد في دول أوروبية في سرية تامة.

 

ويقول عمرو هاشم ربيع- الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية-: "مقارنة بإيران، كانت علاقة مصر مع إسرائيل أكثر عداء بكثير من علاقتها مع إيران اليوم، حيث كان هناك قتال وصراعات عسكرية على نطاق واسع مع العرب، على العكس مع طهران، فحتى بعد ثورة الخميني واصلت إسرائيل علاقتها مع إيران وكانت الأخيرة تمدها بالسلاح والنفط من أجل مواصلة الحرب في سيناء، وأيضا إسرائيل كانت تضغط على واشنطن من أجل بيع الأسلحة إلى طهران".

 

أما عبد المنعم المشاط أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة فيرى أن التقارب بين أميركا وإيران هو جزء لا يتجزّأ من تحسين العلاقة بين إيران و"إسرائيل", مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ليست لديها مصلحة في إبرام اتفاق مع إيران وتترك "إسرائيل" غاضبة كونها الدولة المتضررة والضعيفة من وراء هذا الاتفاق، لذلك سيعمل الجانبان في وقت لاحق على إيجاد وسيلة للعمل من خلال الاتفاق لطرح ضمانات سياسية وعسكرية بين "إسرائيل" وإيران مستقبلًا.

 

كما كان الصحفي الإيراني المعتقل في أحد السجون الإيرانية نادر كريمي قد كشف عن معلومات تؤكد هذه العلاقات الخفية بين الطرفين وأكد أن الحرب بين طهران و"تل أبيب" لا تتجاوز الحرب الكلامية وأن حكومتي إيران و"إسرائيل" حولتا الصحفيين إلى أداة للنفخ في بالون العداء بين البلدين، وإلى أدوات مثيرة في مسرحية التخاصم بينهما إلا أن ثمة واقعًا آخر خلف ستار هذه التمثيلية التي كتبت فصولها في فئة الإثارة, عداء يستثمره الجانبان.

 

وأكد كريمي المعتقل الآن خوفًا مما لديه من معلومات بهذا الشأن، أن السنوات التي أمضاها في الحديث مع الدبلوماسيين الإيرانيين ودراسة خارطة العداء بين طهران و"تل أبيب" زادت لديه الغموض الذي يكتنف جوهر هذا العداء وهو يعتقد أنه في واقع الأمر هناك تمثيل عدائي يستثمره الطرفان لصالح مصالحهما السياسية، كاشفًا عن أن الهدف من وراء هذا العداء وخلافًا للحرب الإعلامية يتبلور في استثماره بصورة نفعية.

 

إن الكثيرين تعجبوا بعد الاتفاق الأخير بين الدول الكبرى وإيران وثورة غضب "إسرائيل" على الاتفاق ولكن عندما نضع معايير المصالح وتقسيم النفوذ وتاريخ العلاقات بين الجانبين يتبين أن كل ما يجري ما هو إلا محاولات لإخفاء ما هو أعمق وأن "إسرائيل" ستكون قريبًا أحد أطراف هذا الاتفاق ولكن بشكل سري كالعادة وما ستكشف عنه الأيام القادمة هو نصيب الكيان الصهيوني من "الكعكة".

خالد مصطفى