مسلمو القرم بين البطش الروسي والنفاق الغربي

يبدو أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر تصفية الحسابات وتقاسم المصالح بين القوى العالمية الكبرى على حساب المسلمين، وأن نتائج انفراط عقد وحدة المسلمين التي عمل الشرق والغرب على ضربها من خلال تفتيت الخلافة العثمانية قد تزايدت مظاهرها بشكل واضح هذه الأيام.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -


يبدو أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر تصفية الحسابات وتقاسم المصالح بين القوى العالمية الكبرى على حساب المسلمين، وأن نتائج انفراط عقد وحدة المسلمين التي عمل الشرق والغرب على ضربها من خلال تفتيت الخلافة العثمانية قد تزايدت مظاهرها بشكل واضح هذه الأيام.

فبين عدو منافق يحاول التستر دائما خلف شعارات حماية حقوق الإنسان في العالم ظاهريا، بينما يتغافل عنها تماما حين يتعلق أمر انتهاكها بالمسلمين، وبين عدو تاريخي واضح وظاهر، لا يخفي عداءه للإسلام والمسلمين، ولا يتورع عن اغتنام أي فرصة للنيل من حقوقهم ومقدساتهم، يقبع مسلمو القرم في أوكرانيا بين المطرقة والسندان.

بالأمس بدأت ظواهر النفاق الغربي والأمريكي بالظهور، فحذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما روسيا من مغبة أي تدخل عسكري في أوكرانيا، بينما الجنود الروس يعيثون فسادا هناك ويعتدون على الأقلية المسلمة بشبه جزيرة القرم بشكل خاص فعليا وواقعيا. ومن خلال نفس عبارات النفاق الغربي المعتادة عبر أوباما في بيان ألقاه مساء الجمعة في البيت الأبيض عن عميق قلقه إزاء التحركات التي تقوم بها القوات المسلحة الروسية في شبه جزيرة القرم، محذرا روسيا من أن أي انتهاك لسيادة أوكرانيا سيكون له ثمن.

ومن المؤكد أن قلق أمريكا والغرب على شبه جزيرة القرم ليس على المسلمين هناك، وإنما على الأوكرانيين المسيحيين ومصالحها الإستراتيجية، فقد أكدت شبكة (أوكرانيا برس) حدوث اعتداءات على ممتلكات تعود لمسلمي تتار القرم في منطقة (فنتان)، وهناك أنباء عن إصابة مسلمين بإصابات بالغة في منطقة (سفتسكايا)، إضافة عن قيام الروس بكتابة شعارات تحريضية على تتار القرم كما كشف السكان المسلمون هناك، دون أن يقوم الغرب بأي تحرك إزاء عودة الاضطهاد الروس لمسلمين القرم.

ومن خلال تسارع الأحداث التي تجري في أوكرانيا ومثيلاتها في العالم كإفريقيا الوسطى وغيرها، يتبين للمتابع أن أمريكا والغرب على استعداد لإعطاء الضوء الأخضر لروسيا وغيرها بقتل المسلمين واضطهادهم في كل مكان في العالم دون أي مواجهة أو اعتراض، اللهم إلا ما تستلزمه الشكليات الدبلوماسية التي لا بد منها (النفاق السياسي)، من مثل عبارات (القلق- التنديد- الاستهجان) بينما لا تسمح بذلك أبدا إذا تعلق الأمر بالمسيحيين أو بمصالحها.

لقد تدخلت روسيا عسكريا في شبه جزيرة القرم منفردة دون أي تنسيق مع الحكومة الأوكرانية الجديدة كما ادعت وزارة الخارجية الروسية والسفير الروسي لدى الأمم المتحدة (فيتالي تشوركين) الذي قال: إن أي تحركات عسكرية روسية في القرم تتماشى مع الاتفاقية الموقعة بين موسكو وكييف. واستولى مسلحون مقربون من الروس الخميس على البرلمان والحكومة المحليين في (سيمفروبول)، كما استولوا صباح الجمعة على مطارين في منطقة القرم الأوكرانية التي تتمتع بحكم ذاتي، فيما يبدو أنه (غزو واحتلال) كما وصفتها القيادة الجديدة لأوكرانيا.

وبالإضافة لكل ما سبق نشرت صفحة وزارة الخارجية الروسية على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) أن القنصلية الروسية في سيمفروبل بدأت بإعطاء جوازات سفر روسية للأوكران في القرم، وأن الأولوية كانت لمقاتلي القوات الخاصة لمكافحة الشغب (البركوت) والتي أعلن البرلمان الأوكراني عن حلها قبل أيام.

ومع كل هذا لم تتعد التهديدات الأمريكية والأوربية لروسيا إزاء هذا التدخل حيز التلويح بعدم حضورها قمة الدول الصناعية الثماني الكبري المقرر عقدة بعد 3 أشهر في منتجع سوتشي الروسي، مما يشير إلى وجود توافق بينهما على مسألة اضطهاد مسلمي القرم، وربما تهجيرهم أيضا من بلادهم بعد قرن ونصف القرن من تهجير أجدادهم من نفس المكان على يد الروس.

ورغم تأكيد بعض المحللين السياسيين أن ما يجري في شبه جزيرة القرم لعبة سياسية من أجل الضغط على أوكرانيا لكسب أوراق ومكاسب، وأن فصل القرم عن أوكرانيا أمر مستبعد، إلا أن الأمر غير المستبعد بالتأكيد هو التوافق الأمريكي والروسي على اضطهاد مسلمين القرم، وعدم الاكتراث بحقوقهم المدنية والسياسية في تلك البلاد.

ورغم عقد مجلس الأمن أمس الجمعة اجتماعا طارئا للتعبير عن دعمه لوحدة أوكرانيا وسلامة أراضيها وسيادتها، مشددا على أهمية ضبط النفس من قبل جميع الأطراف السياسية في البلاد، إلا أن مخاوف مسلمي القرم من عودة سيطرة الدب الروسي على بلدهم مشروعة ومحتملة، خاصة مع تزايد النفاق الأمريكي والغربي الواضح مع قضايا المسلمين.

وأمام هواجس مسلمي القرم من المستقبل الذي ينتظرهم في ظل الأحداث المتسارعة، لا يبدو أن هناك تحرك عربي إسلامي يذكر إزاء قضيتهم، اللهم إلا إذا ذكرنا تحرك السيد أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي، الذي التقى في وقت متأخر من مساء أمس في (كييف) مع مصطفى جميلوف عضو البرلمان الأوكراني عن جمهورية القرم للتباحث حول وضع المسلمين التتار في شبه جزيرة القرم والذين يشكلون 20 % من نسبة السكان.

فهل يكفي هذا التحرك لمواجهة الهجمة العنصرية الروسية الشرسة على المسلمين هناك في ظل الصمت والتواطؤ والنفاق الأمريكي الغربي؟؟!!

د. عامر الهوشان