يا فتاة الإسلام اعتبري!
محمد سلامة الغنيمي
ما عليه حال مجتمعنا من انتشار الرذيلة وشيوع الفاحشة وكثرة الزواج العرفي، وجرائم اختلاط الأنساب وميوعة الشباب والعري.. فما ذلك إلا بسبب الاختلاط سواء في التعليم أو العمل، فقد أدى الاختلاط إلى تحريك الغرائز المكنونة داخل الجنسين بدعوى الحب والإعجاب، فيعمل الشيطان على إثارة هذه الغرائز، وتهييج الشهوات فيحدث ما لا يحمد عقباه، وطالما قابلنا شباباً أصابهم الإحباط فدمر مستقبلهم من جراء ذلك، فالاختلاط له من المفاسد الاجتماعية والنفسية ما لا يخفى على أحد.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
قال الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:23-25]، فها هما ابنتا شعيب عليه السلام تمنعان غنمهما عن الماء حتى يصدر الرعاء عن الماء، ويخلو منهم تحذراً عن المخالطة حتى لو أدى بهم الحال إلى الانتظار تحت لهيب الشمس وأشعتها المحرقة، وحتى لو أدى بهم الحال فضلاً عن حرارة الجو مقاومة اندفاع الغنم نحو الماء من شدة العطش، حتى لو طال انتظارهما في هذه الظروف نظراً لكثرة عدد الرجال الذين هم على البئر، وهذا ما يبدو من قوله تعالى: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}، فهم يتحملون كل هذه المصاعب والألم في سبيل عدم الاختلاط، لأن أباهم شعيب عليه السلام رباهم وغرس بداخلهم ما يؤول إليه الاختلاط من مفاسد وآثام، فهما قد ضربوا للفتيات في كل عصر وزمان أروع مثل وأصلح قدوة في هذا المضمار..
وما عليه حال مجتمعنا من انتشار الرذيلة وشيوع الفاحشة وكثرة الزواج العرفي، وجرائم اختلاط الأنساب وميوعة الشباب والعري.. فما ذلك إلا بسبب الاختلاط سواء في التعليم أو العمل، فقد أدى الاختلاط إلى تحريك الغرائز المكنونة داخل الجنسين بدعوى الحب والإعجاب، فيعمل الشيطان على إثارة هذه الغرائز، وتهييج الشهوات فيحدث ما لا يحمد عقباه، وطالما قابلنا شباباً أصابهم الإحباط فدمر مستقبلهم من جراء ذلك، فالاختلاط له من المفاسد الاجتماعية والنفسية ما لا يخفى على أحد.
ونعود إلى ذلك الفتى موسى الذي لم يكلف بالرسالة في ذلك الوقت، وما حدث منه عند رؤيته حال تلك الفتاتين، فهل فعل معهما مثل ما يفعل الشباب المنحل أخلاقياً، واعتبرهما صيداً ثميناً فنزل يلقي شباكه عليهما؟ لا. بل رق لهما ورحمهما مما رأى من حالهما فسائلهما عن حالهما في كلمة موجزة "ما خطبكما" لم يفتح معهما الكلام ولو أراد لفعل مثل أن يقول لهما: "لماذا لا تتدافعان وتسقيان غنمكما؟ وهل لكما من أخ أو أب؟ ولماذا لا يقوم بسقي هذه الأغنام؟" إلى آخر ذلك من حبال الشيطان، ولكن كان كلامه موجز أيما إيجاز حتى لا يفتح للشيطان باباً.
أما رد الفتاتين فلم يخرج عن الأدب والإيجاز الذي كان من موسى عليه السلام، حيث قالتا: {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، ولم يكتفيا بهذا فقط بل سدًا على المخاطب ما قد يود الاستعلام عنه فقالتا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، فيعلم من هذه العبارة أنهما ليس لهما أخًا أو زوج، فليس لهما إلا ذلك الشيخ الكبير، الذي لا يستطيع مدافعة الجبال وسوق الغنم، فسقا لهما موسى بعد هذا الحوار البالغ القصد والإيجاز دون أن يطلب منهما الإذن في ذلك، حتى لا يكثر معهما الكلام، وهم بعد أن سقي لهما غنمهما لم يوسعاه شكراً أو مدحاً فلم يجر بينهما على كل هذا العمل إلا ذاك السؤال وتلك الإجابة فقط.
فلما انتهى رجعتا بالغنم سريعاً إلى أبيهما فأنكر حالهما، فسألهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعله موسى، فبعث إحداهما تستدعيه قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25]، فكانت مشيتها على استحياء أي شديدة الحياء، وقد سترت وجهها بكم درعها كما روي عن عمر بن الخطاب، وكما ورد في تفسير ابن كثير، فهذه هي صفة مشية الفتاة، تمشي مشية لا تصنع فيها ولا تمايل، ولا تتعمد إظهار المفاتن والعورات، بل تغطي وجهها فضلاً عن باقي جسدها، فاعتبروا أيها المربيات، واستيقظوا أيتها الفتيات، فهذه هي صفة المرأة تمشي على استحياء، وبعدما وصلت إليه ألقت إليه دعوة في أقصد لفظ وأخصره وأحكمه، بقولها: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، يقول صاحب الظلال: "فمع الحياء الأمانة والدقة والوضوح، لا التلجج، والتعثر والربكة، وذلك كذلك من إيماء الفطرة السليمة النظيفة المستقيمة، فالفتاة القوية تستحيي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، لكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، وإنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيده" (انتهى).
ومن كمال أدبها أنها لم تطلبه طلباً مطلقاً، بل حددت له الطالب وسبب الطلب لئلا يوهم ريبه، ولا يدخل عليه الشك،
فأجاب موسى دعوة أبيهما وقال لها: "امشي خلفي وانعتي لي الطريق"، كما ورد في بعض كتب التفسير وهذا من لطائف الأدب وأبلغ رد على أولئك الذين يتشدقون بالمدنية والحضارة الواهية، وينادون بضرورة الاختلاط فموسى عليه السلام لم يمشي بجوار، الفتاة كما أنه لم يمشي خلفها لتدله على الطريق، وأنما مشى أمامها حتى لا يدخل الشيطان إلى قلبه شيء من وساوسه، فهو يسد مداخل الشهوة وأسبابها.