من معاني الصدق

الصدق ضدُّ الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقًا وصِدْقًا وتَصْداقًا، وصَدَّقه: قَبِل قولَه، وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق، ويقال: صَدَقْتُ القوم. أي: قلت لهم صِدْقًا وتصادقا في الحديث وفي المودة

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

معنى الصدق لغةً واصطلاحًا

معنى الصدق لغةً:

الصدق ضدُّ الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقًا وصِدْقًا وتَصْداقًا، وصَدَّقه: قَبِل قولَه، وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق، ويقال: صَدَقْتُ القوم. أي: قلت لهم صِدْقًا وتصادقا في الحديث وفي المودة. (لسان العرب) لابن منظور [10/193]، (مختار الصحاح) للرازي [ص174].

معنى الصدق اصطلاحًا:

الصدق: "هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب". (الواضح في أصول الفقه) لابن عقيل [1/129].

وقال الباجي: "الصدق الوصف للمخبَر عنه على ما هو به" (إحكام الفصول) للباجي [ص 235].  .

وقال الراغب الأصفهاني: "الصدق مطابقة القول الضمير والمخبَر عنه معًا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًّا" (الذريعة إلى مكارم الشريعة) للراغب الأصفهاني [ص 270].

 

الفرق بين الصدق وبعض الصفات

الفرق بين الحقِّ والصدق:

"الحق في اللغة: هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، من حقَّ الشيء يحقُّ إذا ثبت ووجب. وفي اصطلاح أهل المعاني: الحكم المطابق للواقع، يطلق على الأقوال، والعقائد، والأديان، والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل.

وأما الصدق، فقد شاع في الأقوال خاصة، ويقابله الكذب.

وقد يفرق بينهما بأن المطابقة تعتبر في الحق: من جانب الواقع، وفي الصدق: من جانب الحكم.

فمعنى صدق الحكم: مطابقته للواقع، ومعنى حقيته: مطابقة الواقع إياه، وقد يطلق الحق على الموجد للشيء، وعلى الحكمة، ولما يوجد عليه، كما يقال: الله: حق، وكلمته: حق". (الفروق اللغوية) لأبي هلال العسكري [ص194].

 

الفرق بين الوفاء والصدق:

"قيل: هما أعم وأخص، فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء.

فإن الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول؛ لأنه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول" (الفروق اللغوية) لأبي هلال العسكري [ص575].


الفرق بين الصَّادق والصِّدِّيق:

قال الماوردي: "والفرق بين الصَّادق والصِّدِّيق: أن الصادق في قوله بلسانه، والصِّدِّيق من تجاوز صدقه لسانه إلى صدق أفعاله في موافقة حاله لا يختلف سره وجهره، فصار كل صِدِّيق صادقًا، وليس كل صادق صِدِّيقًا". (تفسير الماوردي) [3/43]

 

أهمية الصدق في المجتمع

"تبدو لنا حاجة المجتمع الإنساني إلى خلق الصدق، حينما نلاحظ أن شطرًا كبيرًا من العلاقات الاجتماعية، والمعاملات الإنسانية، تعتمد على شرف الكلمة، فإذا لم تكن الكلمة معبرة تعبيرًا صادقًا عما في نفس قائلها، لم نجد وسيلة أخرى كافية نعرف فيها إرادات الناس، ونعرف فيها حاجاتهم ونعرف فيها حقيقة أخبارهم.

لولا الثقة بشرف الكلمة وصدقها لتفككت معظم الروابط الاجتماعية بين الناس، ويكفي أن نتصور مجتمعًا قائمًا على الكذب؛ لندرك مبلغ تفككه وانعدام صور التعاون بين أفراده.

كيف يكون لمجتمع ما كيان متماسك، وأفراده لا يتعاملون فيما بينهم بالصدق؟! وكيف يكون لمثل هذا المجتمع رصيد من ثقافة، أو تاريخ، أو حضارة؟! كيف يوثق بنقل المعارف والعلوم إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع الإنساني؟! كيف يوثق بنقل الأخبار والتواريخ إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع؟! كيف يوثق بالوعود والعهود ما لم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟! كيف يوثق بالدعاوى والشهادات ودلائل الإثبات القولية ما لم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟!" (الأخلاق الإسلامية) لعبد الرحمن الميداني [1/485].

يقول ابن القيم في الصدق إنه: "منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميَّز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه، الذي ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلًا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم تردَّ صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحكُّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة، التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات: تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين، وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان: أن يكونوا مع الصادقين، وخصَّ المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]". (مدارج السالكين) لابن القيم [3/5].

وقال أبو حاتم: "إن الله جل وعلا فضَّل اللسان على سائر الجوارح، ورفع درجته، وأبان فضيلته، بأن أنطقه من بين سائر الجوارح بتوحيده، فلا يجب للعاقل أن يعود آلة خلقها الله للنطق بتوحيده بالكذب، بل يجب عليه المداومة برعايته بلزوم الصدق، وما يعود عليه نفعه في داريه؛ لأن اللسان يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقًا فصدقًا، وإن كذبًا فكذبًا". (روضة العقلاء) [ص51].

 

أولًا: في القرآن الكريم:

أمر الإسلام بالصدق وحث عليه في كل المعاملات التي يقوم بها المسلم، والأدلة كثيرة من القرآن الكريم على هذا الخلق النبيل:

- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، "أي: اصدُقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا". (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير [4/230].

وعن عبد الله بن عمر: "{اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} أي: مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه". وقال الضحاك: "مع أبي بكر وعمر وأصحابهما". وقال الحسن البصري: "إن أردت أن تكون مع الصادقين، فعليك بالزهد في الدنيا، والكفِّ عن أهل الملة". (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير [4/231].

- ووصف الله به نفسه فقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا} [النساء: من الآية87]، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ قِيلًا} [النساء: من الآية122].

- وقوله: {وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

قال الشوكاني: "قوله {وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ} كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول، والإشارة بقوله: {فَأُولَـٰئِكَ} إلى المطيعين، كما تفيده من {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم} بدخول الجنة، والوصول إلى ما أعدّ الله لهم، والصدِّيق المبالغ في الصدق، كما تفيده الصيغة، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء، والشهداء: من ثبتت لهم الشهادة، والصالحين: أهل الأعمال الصالحة". (فتح القدير) للشوكاني ([/172].

- وقوله: {قَالَ اللَّـهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119]. "أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم، ونطقت به جوارحهم فافتضحوا". (معالم التنزيل) للبغوي [3/123].

- وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].

"{أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم} أي: لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعدٍّ وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر، الذي من قام بهنَّ، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان. فجازاهم على عملهم بالمغفرة لذنوبهم؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، {وَأَجْرًا عَظِيمًا} لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم" (تيسير الكريم الرحمن) للسعدي [664].

 

ثانيًا: في السنة النبوية:

جاءت الأحاديث النبوية متضافرة في الحث على الصدق، والأمر به، وأنه وسيلة إلى الجنة.

- فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إنَّ الصدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقًا، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا». رواه البخاري [6094]، ومسلم [2607].

قال النووي في شرحه لهذا الحديث: "قال العلماء: هذا فيه حث على تحرِّي الصدق، وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه؛ فإنه إذا تساهل فيه كثر منه، فعرف به، وكتبه الله لمبالغته صِدِّيقًا إن اعتاده، أو كذَّابًا إن اعتاده. ومعنى «يكتب» هنا يحكم له بذلك، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم، أو صفة الكذابين وعقابهم، والمراد إظهار ذلك للمخلوقين، إما بأن يكتبه في ذلك؛ ليشتهر بحظِّه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما بأن يلقي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم، وكما يوضع له القبول والبغضاء، وإلا فقدر الله تعالى وكتابه السابق بكل ذلك". (شرح صحيح مسلم) [16/241-243].

- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة» رواه أحمد [2/177] [6652]، والبيهقي في (شعب الإيمان) [6/449]، وحسَّن إسناده المنذري في (الترغيب والترهيب) [3/16]، والهيثمي في (مجمع الزوائد) [10/298]، وصححه الألباني في (صحيح الترغيب) [1718].

- وعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم». رواه أحمد [5/323] [22809]، والحاكم [4/399]، والبيهقي في (السنن الكبرى) [12691]، وقال الذهبي في (المهذب) [2/2451]، وحسَّن إسناده ابن كثير في جامع (المسانيد والسنن) [5807].

"أي: «اضمنوا لي ستًّا» من الخصال، «من أنفسكم» بأن تداوموا على فعلها، «أضمن لكم الجنة» أي دخولها، «اصدقوا إذا حدثتم» أي: لا تكذبوا في شيء من حديثكم، إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق، في أمر مخصوص، كحفظ معصوم". (فيض القدير شرح الجامع الصغير) للمناوي [1/684].

- وعن أبي محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك؛ فإنَّ الصدق طمأنينة، والكذب ريبة». رواه الترمذي [2518]، والنسائي [5711]. وقال الترمذي: حسن صحيح. وحسنه النووي في (المجموع) [1/181]، وصححه الوادعي في (الصحيح المسند) [318].

"أي: اترك ما تشكُّ في كونه حسنًا أو قبيحًا، أو حلالًا أو حرامًا، «إلى ما لا يريبك» أي: واعدل إلى ما لا شك فيه يعني ما تيقنت حسنه وحِلَّه، «فإنَّ الصدق طمأنينة» أي: يطمئن إليه القلب ويسكن، وفيه إضمار أي محلُّ طمأنينة أو سبب طمأنينة، «وإنَّ الكذب ريبة» أي: يقلق القلب ويضطرب، وقال الطِّيبي: جاء هذا القول ممهدًا لما تقدمه من الكلام.

ومعناه: إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء فاتركه؛ فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق وترتاب من الكذب، فارتيابك من الشيء منبئ عن كونه مظنَّة للباطل فاحذره، وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته فتمسك به، والصدق والكذب يستعملان في المقال والأفعال وما يحقُّ أو يبطل من الاعتقاد، وهذا مخصوص بذوي النفوس الشريفة القدسية المطهرة عن دنس الذنوب، ووسخ العيوب". (تيسير الكريم الرحمن) للسعدي [ص 724].

- وعن أبي سفيان في حديثه الطويل في قصة هرقل عظيم الروم قال هرقل: فماذا يأمركم- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان قلت: يقول: «اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والصدقة، والعفاف، والصلة». رواه البخاري [7]، ومسلم [1773].

المصدر: الدر