أهمية الدين ومذاهب تعريفه
ياسر منير
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
الحمد لله، والصلاة والسلام على هادى البشرية جمعاء.
وبعدُ:
فإنّ الله تعالى قد خلق الإنسان، ولم يتركه سدًى، ولم يدعه فريسة لِغَوَاية الشيطان وضلاله ووسوسته التي بدأها بِغَوَاية آدم عليه السلام، ثمّ هدّد بها في الدنيا، لكن الله تعالى اصطفى الإنسان، وفضَّله على سائر الخلق، وسخَّر له ما في الكون، وتولَّاه بالهداية والرشاد وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وأعلن له ذلك منذ اللحظات الأولى لاستقراره على الأرض، فقال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:38-39].
وقال تعالى مُبينًا الحكمة من اتِّبَاع الرسل، وإنزال الكتب: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:1].
وقال تعالى في وصف القرآن الكريم: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا . وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء:9-10].
ويلاحظ القارئ لهذه الآيات الكريمة، والمُتأمِّل فيها والمُتدبّر في معانيها؛ أنّها لم تُقيَّد بوقتٍ معيَّن، ولا بزمانٍ خاص، وإنّما جاءت مطلقة عامة، وهذا يعني أنّها صالحة لكل زمان ومكان.
لكنّ الجهل بالدين اليوم، والبُعْد عن أحكامه، وعدم الإيمان به، وتَحرَّك أعداء الله في الأرض ضد الدين جعل هذه المفاهيم غامضة، حتى كادت أن تُصبِح غريبة بين أهلها!
وتدور في أذهان الناس صورتان متقابلتان للدين ينشأ عنهما نتيجة خطيرة:
الصورة الأولى:
هي صورة مُشوّهة قاتمة عن الدين، مليئة بالتحريف والزَّيْف، وهذه الصورة ليست من الحقيقة في شىء، وليست طبيعية، لكنها مُصْطنعة اصطناعًا، وتعلوها الخَيَالات والأوهام الشيطانية.
الصورة الثانية:
صورة برّاقة واضحة، تتجلى في التقدُّم العلمي ومعطيات الحضارة، والإنتاج الصناعي الحديث، والتقنية الفنية، والمكتشفات العظيمة، والاختراعات المتلاحقة التي تساعد الإنسان في حياته، وتُزيل عنه متاعب الماضي في مختلف اتجاهات الحياة؛ مما يَخْلُب الأنظار، ويشغل الفكر، ويَحْجُبُ كثيرًا من البسطاء عن كشف الحقيقة، والتعمّق في النظرة، والبحث عن المتاعب والمشاكل والأمراض النفسية والعقلية والجسمية التي ترافق هذه الصورة.
أما النتيجة التي يخرج بها الكثير من الناس، فهي أن الدين موضة قديمة، قد ولّى زمانها، ولم يَبْقَ لها فائدة، وليس للإنسان حاجة إليها، ويمكن بسهولة ويُسر الاستغناء عن الدين، وفصله عن الدولة، وإبعاده عن مجال الحياة.
ويُسرِف بعضهم فيقول: إن الدين والتدين ظاهرة سيئة، وأمارة تخلُّف، وهذا الكلام يُقال رغم إخفاق الأيديولوجيات؛ بسبب عدم تلبيتها لحاجات النفس الإنسانية، أو تحقيقها للسعادة المرجوة على مستوى الجماعات والأمم، وفشلها في تحقيق النتائج المنتظرة والمرجوة منها" [1].
وبيانًا للحقيقة والواقع، وإعطاءً للعقيدة الدينية حقها، وردًا على التساؤلات والشبهات المُثَارة، إلى جانب أهمية أن يتعرَّف المثقف بثقافة إسلامية على علم مقارنة الأديان -لأن معرفة أديان الأمم ومذاهبها أمر في غاية الأهمية؛ لتَعَرُّفِ الآخر- آثَرْتُ أن أكتب هذا البحث أتناول فيه أهمية الدين -كما أشرت آنفًا- ومذاهب تعريفه.
خاصةً ونحن في عصر شاع فيه الإلحاد، وهذا معروف للقاصي والداني، لكن المُسْتَغْرَب حقًّا هو شًيُوع الإلحاد في العالم الإسلامي، وفي مصر -بلد الأزهر- على وجه الخصوص. ولأهمية كشف هذه الظاهرة التي توغلت بجذورها في عالمنا الإسلامي بان لي أن أتناول هذا الموضوع.
"إن كلمة الدين من أكثر الكلمات استعمالًا، في القديم والحديث، ومن أكثر الكلمات ذُيوعًا وانتشارًا في دنيا الناس، ومَنْ أحب أن يتعرّف كُنْهَ الأديان التي ظهرت في الوجود، يَجْمُل به أن يوفر همَّته -قبل كل شيء- على تَعَرّف المعنى الكليّ الذي يجمعها، والقدر المشترك الذي تَنْطوى عليه في جملتها. ومن الواضح أنه وإن تفاوتت الأديان في نفسها، أو في مصادرها، وأهدافها، وقيمتها فإنها كلها يجمعها اسم "الدين"، ولا بُدَّ أن تكون هناك وَحْدة معنوية تنتظمها، ويُعبّر عنها بهذا الاسم المشترك" (د. محمد عبد الله دراز [ت 1377هـ]: الدين؛ بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، ص: [21]. ط 1990م. دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية).
فما تلك الوَحْدة؟ وما الدين؟
وللإجابة عن هذا السؤال لا غِنَىً عن الرجوع إلى المعاجم اللغوية:
لقد ورد أنّ الدين مفرد جمعه الأديان، يقال: "دان بكذا ديانة، وتَديّن به، فهو دَيِّن ومُتدَيِّن".
ودانه دينًا، أي: "أذلّه واستعبده".
قال أبو عبيد: قوله: "دان نفسه، أي: أذلَّها واستعبدها" (هذه العبارة جزء من حديث: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" رواه الترمذي [محمد بن عيسى بن سَوْرَة، ت 279هـ]: في سننه؛ كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع. باب: ما جاء في صفة أواني الحوض، ص: [554]. رقم: [2459]. وهو ضعيف، من حديث شدَّاد بن أوس).
"وقيل: حاسبها. والدين: الورع والطاعة (ابن منظور المصري [جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم، ت 711هـ]: لسان العرب. مادة: دين. المجلد الثاني. ج17. ص: [1469]، تحقيق عبد الله الكبير وآخرين. د. ت. دار المعارف – القاهرة).
وذُكِرَ أن: "الدين: الجزاء، الإسلام، العادة، العبادة، الطاعة، الذُّل، الدَّاء، الحساب، واسم لجميع ما يُتَعَبّدُ الله به" [2].
إذن الدلالات اللغوية المختلفة تُبيِّن أنّ الدين اسم عام يُطلق في اللغة العربية، على كل ما يُتعبَّدُ الله تعالى به. كما يُطلق على مَعَانٍ عدة، منها: المُلْك، والسلطان، والقهر، والطاعة، والقضاء، والعادة، والمذهب، والشريعة، والملة (د. رشدي عليان، د. سعدون الساموك: الأديان؛ دراسة تاريخية مقارنة، القسم الأول، ص: [19]. ط 1976م. دار الحرية – بغداد).
"والمتأمّل فيما ذكرته المعاجم اللغوية لمعاني كلمة الدين، يجد أن هذه المعاني كثيرة وبعيدة عن بعضها؛ لذا فالمعاجم اللغوية لا تضع أيدينا على المعنى اللغوي المراد -بمفهومه الدقيق- لتعريف كلمة الدين، وإنما تكشف لنا عن الوجوه المُتشعّبة لمعاني هذه الكلمة. ونلتمس لهذه المعاجم العذر؛ لأنّها وُضِعت لضبط الألفاظ، لا لتحديد المعاني" (د. محمد عبد الله دراز؛ الدين، ص: [21-22]. وأيضًا: د. محمود بن الشريف: الأديان في القرآن. ص: [20]. ط 1979م. دار عُكاظ - جدة).
"ويمكن أن أقول: إن المادة كلها تدور على معنى لزوم الانقياد: ففي الاستعمال الأول: الدين هو إلزام الانقياد. وفي الاستعمال الثاني: الدين هو التزام الانقياد. أما في الاستعمال الثالث: الدين هو المبدأ الذي يلتزم الانقياد له" (د. رشدي عليان، د. سعدون الساموك: الأديان؛ دراسة تاريخية مقارنة، ص: [21]).
والذي يعنينا من هذه الاستعمالات؛ هو الاستعمالان الأخيران، وخاصة الاستعمال الثالث.
فكلمة الدين التي تُستَعمل في تاريخ الأديان لها معنيان:
أحدهما: الحالة النفسية Psychological state التي نسميها التدين Religiosity.
ثانيهما: الحقيقة الخارجية أو الآثار الخالدة التي يمكن الرجوع إليها في المبادئ principles The التى تدين بها الأمم اعتقادًا أو عملًا وهذا المعنى أكثر وأغلب (د. محمد عبد الله دراز: الدين، ص: [25]).
ولاشَكَّ أن التعرُّف على اشتقاقات كلمة الدين وتصريفاتها، يكشف لنا عن أصالة الكلمة في اللغة العربية.
ويذهب البعض إلى أن اختلاف العلماء حول تعريف الدين، وكثرة التعريفات التي وُضِعَتْ له، دليل على أنّه لا يصحّ وضع تعريف للدين، ومن هؤلاء الشيخ مصطفى عبد الرزاق [3]، وكذلك الأستاذ عبد الكريم الخطيب الذي ذهب إلى أن الدين عاطفة إنسانية فردية، وأنه يستحيل وضع تعريف للدين؛ لأن الناس يختلفون في الصدق، والأمانة، واليقين، كما أن الدين مكابدة روحية، ومعاناة ذاتية (انظر: الله ذاتًا وموضوعًا، ص: [3-6]. د. ت. ط القاهرة).
وقد وَرَدَ ما يؤيد ذلك في Lexicon Universal- Encyclopedia أنّ الدِّين ظاهرة من العسير الوقوف على كنهها أو حصر معنى لها بإيجاز [4] والعبارة هي: "Religion is a complex phenomenon, defying definition or summary".
وقد تَعَقّبَ الدكتور مزروعة الأستاذ الخطيب، مُبينًا أنّ الدين -وإن كان صلة روحية بين الإنسان وخالقه، ومكابدة ذاتية- حقيقة خارجية لها مظاهرها وآثارها على الفرد والجماعة على السواء. كما أن كل دين قام على قواعد ثابتة، لم تترك لأي فرد حرية التصرُّف كيفما يشاء. فالدين هو العامل الأساسي للتغيرات التي تطرأ على حياة الأفراد والجماعات (انظر: دراسات في الدين، ص: [14-15]، بحوث ممهدة لدراسة الأديان، ط 1989م. دار الطباعة المحمدية – القاهرة).
وإذا كان فريق من العلماء يرى صعوبة وضْعِ تعريف للدين، فإنّ الكثير منهم يَرَوْنَ ضرورة وضع تعريف للدين، يُميِّزه عن غيره من المذاهب المختلفة. وتبدو وجهة النظر هذه مقبولة؛ لأنه ليس من المقبول وضع تعريفات للمذاهب الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وغيرها، ولا يُعرّف الدين بتعريف يَفْهم الناس منه أنه دين! (د. أحمد عبد الرحيم السايح: بحوث في مقارنة الأديان، ص: [24]، د. ت. دار الثقافة – الدوحة).
"ولارَيْبَ أن تحديد خصائص العقيدة الدينية لا يتمّ إلا في نهاية العلم، من خلال استعراض جميع النِّحَل ومقارنتها، واستنباط القدر المشترك بينها، لكن إذا تعذَّر علينا هذا الآن، فعلينا أن نعرض الدِّيانات نفسها لنستخرج منها الحد الأدنى المشترك بينها، وفي وسعنا أن نعرض طائفة من التعريفات التي وضعها العلماء الإسلاميون، والغربيون لكلمة الدين Religion" (د. محمد عبد الله دراز: الدين، ص: [26])
أما الإسلاميون فقد ذكروا تعريفات، مختلفة في ألفاظها، متحدة في معانيها، وهي:
- وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل [5].
- وضع إلهي رائد لذوي العقول إلى الحق في الاعتقادات، والسلوك والمعاملات (د. محمد عبد الله دراز؛ الدين، ص: [26]).
- وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قَبُول ما هو عند الرسول [6].
- وضع إلهى يُحْسن الله تعالى به إلى البشر، على لسان واحد منهم، لا كسب له فيه، ولا صُنْع، ولا يُنْقل إليه بتلَقٍّ، ولا تعلّم (الشيخ محمد عبده [ت 1323هـ]: تفسير المنار؛ ج2، ص: [69]، ط 1973م. القاهرة) [7].
ويُلاحظ أنَّ تعريفات الإسلاميين مقصورة على الدين المُنَزّل؛ وذلك لجعلهم عبارة "وضع إلهي" في جميع التعريفات، وهذا يدل على أن الأديان الأخرى -كما نصّ القرآن- باطلة زائفة، بغض النظر عن فَحْواها وغاياتها (د. رشدي عليان، د. سعدون الساموك: الأديان؛ دراسة تاريخية مقارنة، القسم الأول، ص: [22]).
والجدير بالذكر أن الدين أعمّ من الإسلام والملة والشريعة والمذهب، فهو أعمّ من الإسلام؛ إذ إن الإسلام دين، وليس كل دين إسلامًا، وهو أعمّ من الملة والشريعة؛ لأنهما اسم لِما عدا العقائد من العبادات والمعاملات، والدين اسم للجميع، وهو أعمّ من المذهب [8]؛ لأن المذهب اسم لجملة من آراء اجتهادية، استنبطها بعض مجتهدب المسلمين، كالمذاهب المشهورة بيننا (د. رشدي عليان، د. سعدون الساموك: الأديان؛ دراسة تاريخية مقارنة، القسم الأول، ص: [22]).
هذا ما ذكره الإسلاميون من تعريفات للدين، أما غير الإسلاميين فإن تعريفاتهم قد اختلفت للدين Religion، تبعًا لاختلاف تخصصاتهم، والجانب الذي نظروا من خلاله إلى الدين، كما أنها تنطلق من نظرة كاثوليكية علمانية [9]، وسأسوق بعض تعريفات هؤلاء العلماء:
- يرى جون مل أن الدين: "هو الاتجاه القوي المتحمس للعواطف والرغبات، نحو هدف مثالي يسمو على النزعة الذاتية" [10].
- أما شليير ماتشير فقد سلك مسلكًا آخر في تعريف الدين على أنه "الإدراك الوجدانى لله Sense and taste for the Infinite، وهو إدراك يرتبط بما يمرُّ به الإنسان من تجارب تتجاوز كل حالة من حالات الوجود لتصل إلى وجود أكمل يأخذ الألباب" (انظر: Lexicon Universal Encyclopedia. Vol. 16. p. 139).
- وذكر بعضهم أنّ الدين: " لفظة تُطلق، ويُقْصد بها: أي دين على وجه العموم، أو الجوهر، أو الأنموذج المشترك للظواهر الدينية الصحيحة الأصيلة، أو كل معنى سامٍ يعلو الوجود المادي، أو كل فضيلة في هذه الحياة" [11] [12]).
ويخْلُصُ العلماء من ذلك إلى أنّ التعريف التام لماهية الدين هو "الاعتقاد بوجود ذات أو ذوات غيبية علوية، لها شعور واختيار، ولها تصرّف وتدبير للشئون التي تعني الإنسان، اعتقاد من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة، وفي خضوع وتمجيد" (د. محمد عبد الله دراز: الدين، ص: [44]).
وبعبارة موجزة: "الدين هو الإيمان بذات إلهية، جديرة بالطاعة والعبادة" (د. محمد عبد الله دراز: الدين، ص: [44]).
وهذا إذا نظرنا إلى الدين من حيث هو حالة نفسية، بمعنى التدين، أما إذا نظرنا إليه من حيث هو حقيقة خارجية، فيمكن القول بأنه "هو جملة النواميس النظرية التي تُحَدّدُ صفات تلك القوة الإلهية، وجملة القواعد العملية التي ترسم طريق عبادتها" (د. محمد عبد الله دراز: الدين، ص: [44]. وأيضًا: أ. أمين الخولي: تاريخ المِلل والنِّحل. ص: [49]. وكذلك: د. محمد كمال جعفر: الإسلام بين الأديان. ص: [23-24]. وأيضًا: د. مصطفى حلمي: الإسلام والأديان. ص: [18-19]، ط3، 1422هـ / 2002م. دار الدعوة – الإسكندرية).
وفي نهاية بحثي هذا لا أدّعي العصمة؛ فقد دُفِنَت مع الرسل والأنبياء الكرام بموتهم. ولا أزعم الكمال، فهو لله تعالى. ولا أملك إلا أنْ أردّدَ قول القائل:
أَسِيرُ خَلْفَ رِكَابِ القَوْمِ ذَا عَرَج *** مُؤَمِّلًا جَبْرَ مَا لَاقِيتُ مِنْ عِوَجِ
فإنْ لَحِقْتُ بهم مِنْ بَعْدِ مَا سَبَقُوا *** فَكَمْ لِرَبِّ السَّمَاءِ فِى النَّاسِ مِنْ فَرَجِ
وَإِنْ ظَلَلْتُ بِقَفْرِ الأَرْضِ مُنْقَطِعًا *** فَمَا عَلَى أَعْرَج فِى ذِاكَ مِنْ حَرَج
ــــــــــــــــــــــ
المراجع والهوامش:
[1]- (د. مصطفى حلمي: الإسلام والأديان، ص: [13]، ط3، 1422هـ / 2002م. دار الدعوة – الإسكندرية. وكذلك له: الإسلام والمذاهب الفلسفية المعاصرة، ص: [70-74]. ط 1046هـ / 1986م. دار الدعوة – الإسكندرية. وأيضًا: د. محمد البهي: الإسلام في الواقع الأيديولوجي المعاصر، ص: [112-115]. ط2. 1403هـ / 1982م. مكتبة وهبة – القاهرة).
[2]- (الفيروز أبادي [مجدِّد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي، ت 817هـ]: القاموس المحيط. مادة: دين. ج4. ص: [221]. ط 1400هـ/ 1980م. الهيئة العامة للكتاب، نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة الأميرية عام 1302هـ - القاهرة. وقارن: د. محمد الزحيلي: وظيفة الدين في الحياة. ص: [13]. ط2. 1407هـ / 1987م. دار القلم – دمشق).
[3]- (انظر: الدين والوحي والإسلام، ص: [21]، د. ت. القاهرة).
[4]- (انظر: 1988.New York..Vol. 16. p. 137).
[5]- (محمد علي التهَانَوي: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، ج1، ص: [814]. تقديم: د. رفيق العجم. تحقيق د. علي دحروج، ط1. 1996م. مكتبة لبنان – بيروت. وأيضًا: د. محمد عبد الله دراز: الدين. ص: [26]. وانظر: د. عبد المقصود عبد الغني: في الفكر الإسلامي الحديث. ص: [171]، ط 1416هـ / 1996م. مكتبة الزهراء – القاهرة).
[6]- (الجرجاني [علي بن محمد بن علي، ت 816هـ]: التعريفات. ص: [142]، تحقيق: أ. إبراهيم الإبياري. د. ت. دار الريان للتراث - القاهرة. وأيضًا: أمين الخولي: تاريخ المِلل والنِّحل. ص: [46-47]. وانظر: د. أحمد عبد الرحيم السايح؛ بحوث في مقارنة الأديان، ص: [25]).
[7]- (علينا أن نتناول التعريف الأول بشيء من التفصيل؛ لأنه أعمها وأشملها وأشهرها، كما يلي:
وضع: أي موضوع، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، أي شيء موضوع، بغض النظر عن كونه حكمًا أو غيره. إلهي: أي منسوب إلى للإله، وهو الله تعالى، وخرج به الوضع البشري من القوانين وغيرها. سائق: أي حامل المكلف على امتثال الأوامر، وترك النواهي. لذوي العقول السليمة: أي أصحاب العقول المتحرِّرة من العبودية لغير الله تعالى. باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل: أي السعادة في الدارين.
وخرج بقوله: "وضع إلهي سائق" الوضع الإلهي غير السائق، كإنبات الأرض، وإمطار السماء، فإنها لإصلاح المعاش. كما خرج بقوله: "لذوي العقول السليمة" أصحاب العقول المريضة بالفكر المُنحرِف. كذلك خرج بقوله: "باختيارهم" ما يُساق إليه الإنسان، بدافع الوجدان والغريزة، كالجوع والعطش فإنهما يسوقان الإنسان قَهْرًا لا اختيارًا (الشيخ إبراهيم محمد البيجوري: تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد، ص: [8]. د. ت. مكتبة البابي الحلبي – القاهرة. وكذلك: د. مبارك حسن حسين: بحث في مقارنة الأديان، ص: [7]. ط 1988م . مطبعة الأمانة – القاهرة).
هذا، ويُصَرِّح التعريف الإسلامي بثلاثة أمور جوهرية، هي:
- "الدين وضع إلهي، وليس من خَيَالات العقل أو النفس، وهو عقيدة وشريعة أو عقيدة ونظام في الحياة. كما أنه هناك علاقة بين العقيدة والعقل؛ فالدين متَّفِقٌ -تمامًا- مع العقل السليم، وأنّه لا منافاة ولا مناقضة بين الدِّين والعقل، خِلافًا لكثير من علماء الاجتماع والفلسفة والأديان الذين يتعمّدون الفصل بين الدّين والعقل" (د. محمد الزحيلي: وظيفة الدين في الحياة. ص: [20-21]).
[8]- (أ. ناصر الفقاري، ناصر العقل: الموجز في الأديان والمذاهب؛ سلسلة دروس في العقيدة، ص: [10]. ط1. 1410هـ / 1992م. دار الصميعي – الرياض).
[9]- (د. محمد البهي: الدين والحضارة الإنسانية، ص: [10]، ط 1964م. دار الهلال – القاهرة).
[10]- (د. محمد كمال جعفر: الإسلام بين الأديان؛ دراسة في طرق دراسة الدين وأهم قضاياه، ص: [21]. ط 1977م. مكتبة دار العلوم - القاهرة).
وقد أشار إلى اختلاف الباحثين في أصل Religion؛ فالبعض يرى أنها من الأصل الاشتقاقي "Leg" وهو يدل على الأخذ والعدل، وملاحظات علامات الاتصال بما هو إلهي، ومنهم مَنْ يرى أن الأصل الاشتقاقي "Li" بمعنى أن يربط ويعلّق بـ، ولهذا كانت الكلمة Religio تعني علاقة بين ما هو إنساني وما هو فوق إنساني Superhuman (انظر: د. محمد كمال جعفر: الإسلام بين الأديان؛ دراسة في طرق دراسة الدين وأهم قضاياه، هامش ص: [20]).
[11]- (انظر: The Cambridge Encyclopedia. p. 272. 3rd ed .1997. Cambridge University Press - England).
[12]- (إن الذي يستعرض تعريفات الدين عند علماء الغرب، يمكن أن يلاحظ ما يلي:
- ليس في كل التعريفات تعريف جامع مانع للدين، من حيث هو دين.
- أن كل تعريف على حدة يحمل وجهًا أو أكثر من وجوه الصواب، بصدد نقطة أو أكثر من نقاط الدين، كما أنّ كلّ تعريف على حدة يشهد بنقص غيره من التعريفات.
وإذا أردنا أن نستخلص -بعد ذلك- القواعد التي يقوم عليها تعريف الدين، لوجدناها كما يلي:
القاعدة الأولى:
إن مبدأ الألوهية -أي الاعتقاد بقوة، أو قوة غيبية- هو أهم تلك القواعد التي لا بُدَّ أن يقوم عليها تعريف الدين.
القاعدة الثانية:
اعتقاد المتدين بوجود صلة له بهذه القوة أو القوى يدفعه إلى التوجه إليها في رغبة ورهبة، ملتمسًا عونها، مُؤَمِّلًا تحقيق رغباته، وتأمين حاجاته.
القاعدة الثالثة:
سَعْي المتدين لتوثيق صلته بهذه القوة، وذلك بخضوعه التام، عن رغبة واختيار، وتوجهه إليها بالتمجيد، والتقديس، والطاعة، والعبادة (انظر: د. رشدي عليان، د. سعدون الساموك: الأديان دراسة تاريخية مقارنة. القسم الأول، ص: [23-25]).