قصة المسلمين في الهند
راغب السرجاني
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي - الواقع المعاصر - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
تفاعل المسلمين في الهند مع الأحداث في العالم الإسلامي
تأثر المسلمون في الهند مما أصاب العالم الإسلامي، فعندما سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1337هـ قامت مظاهرات للمسلمين في أنحاء الهند تندد بالإنجليز وبالدور الذي قاموا به في إسقاط الخلافة، ومن قبلها أخذوا ينددون باحتلال إيطاليا لليبيا، وكذلك كان للحركة الوهابية أثرها في الهند، ونددوا بمعاملة الهولنديين الوحشية لشعب إندونيسيا المسلم، ورفضوا تكوين دولة لليهود في فلسطين وغيرها من المواقف التي تؤكد مؤازرتهم لإخوانهم المسلمين في شتى بقاع الأرض.
وبرغم كل ذلك فقد كان هناك تباين في توجهات المسلمين؛ فبالإضافة إلى اختلاف مذاهبهم من سنة وفِرق ضالة مثل الشيعة والإسماعيلية والقاديانية، كانت هناك أراء متباينة في وضع المسلمين في الهند، فالبعض يرى التخلص من الاحتلال الإنجليزي للهند والاندماج مع الهندوس في دولة واحدة، لكي يؤدى ذلك إلى أثر إيجابي في الدعوة إلى الإسلام في الهند، والبعض الآخر يرى التخلص من الاستعمار واستقلال المسلمين في دولة خاصة بهم بعيدًا عن الهندوس الذين يمتلئون حقدًا وبغضًا للإسلام والمسلمين.
وكان صاحب هذه الفكرة هو الشاعر محمد إقبال، وكان من أشهر الأحزاب التي تكونت في الهند حزب المؤتمر الذي يتزعمه غاندي المتعصب لهندوسيته، والذي كان يلين قليلاً للمسلمين حتى يحوز تأييدهم، وحزب الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح والذي يرى الانفصال عن الهندوس وتكوين دولة مستقلة للمسلمين في الهند.
استقلال الهند وتقسيمها
كان الإنجليز برغم تفضيلهم للهندوس على المسلمين، إلا أنهم كانوا ينكلون بأبناء أي جنس آخر غيرهم في سبيل حفظ أبنائهم، فقد شكَّل الهنود الكثير من فِرق الجيش الإنجليزي، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية وزاد خطر اليابان بعد وصولها لبورما على حدود الهند خاف الإنجليز، ووعدوا الهند بمنحها الاستقلال بعد الحرب، حتى لا يستغل الهنود فرصة الحرب وينقلبوا على الإنجليز، وفي نفس الوقت كان الإنجليز كما ذكرنا يدفعون بالجنود الهنود إلى الهلاك في الحرب؛ فعلى سبيل المثال في معركة العلمين أراد الإنجليز اقتحام حقل للألغام، ولم يكن لديهم عدد كاف من المواشي لتفجيره، فزجوا بكتيبة هندية للقيام بهذه المهمة فهلكت عن آخرها، وهذا ما زاد في الكره المشترك للمسلمين والهندوس تجاه الإنجليز.
وفي عام 1366هـ؛ قررت بريطانيا منح الهند استقلالها في نطاق تقسيمها إلى دولتين، إحداهما للهندوس ويطلق عليها الهند والأخرى للمسلمين، والتي أطلق عليها المسلمون باكستان أي أرض الأطهار. وإطلاق الحرية في كل ولاية هندية للانضمام للهند أو باكستان أو الاستقلال بنفسها برغم معارضة غاندي الشديدة لهذه الفكرة؛ لأنه كان يريد السيطرة على المسلمين تمامًا.
وبالفعل كونت الولايات الشمالية الشرقية في الهند -البنغال الشرقية وجزء من آسام- والشمالية الغربية -جزء من البنجاب والسند وبلوجستان- دولة باكستان وعاصمتها كراتشى، والباقي للهند وعاصمتها دلهي ثم أصبحت نيودلهي وكل من باكستان والهند يأخذان نظام الدومنيونات، أي يكون مع استقلالها ارتباط مع التاج البريطاني، وخضوعها لإشراف الحاكم العام البريطاني، وكان تقسيمًا جائرًا على المسلمين.
فقد قسموا بعض الولايات ذات الأغلبية المسلمة مثل البنجاب والبنغال بين المسلمين والهندوس، وأرادت بعض الولايات الهندية الانضمام لباكستان مثل جوناكاد، ودعا إلى ذلك حاكمها المسلم، وكذلك إمارة حيدر أباد بسبب حاكمها المسلم، ولكن الهند رفضت ذلك، وأرسلت قوة إلى كل ولاية لاحتلالها وضمها إلى الهند، بينما ولايتا نيبال وبوتان كانتا في الأصل مستقلتين عن الإنجليز، حيث لم يدخلوهما، وأهلهما بوذيون فلم ينضما إلى الهند وانضمت ولاية سكيم إلى الهند عام 1396هـ، واستقلت سريلانكا عن الهند عام 1367هـ، وكانت جزر المالديف ذات الأغلبية المسلمة تتبعها، ثم استقلت جزر المالديف عن سري لانكا عام 1373هـ، وعندما تم التقسيم نكَّل الهندوس بالمسلمين في الهند أشد التنكيل، فهاجر الكثير منهم إلى باكستان، وكان الهندوس يحرقون القطارات التي تنقل المسلمين إلى باكستان لحقدهم الشديد عليهم.
مشكلة كشمير
نظرًا لمناعة كشمير الطبيعية من حيث انتشار الجبال الشاهقة فيها، فقد استعصت على المسلمين في فتحها حتى جاء رجل يُدعى شمس الدين شاه مرزا من خراسان ليخدم ملكها الوثني، فقرّبه إليه الملك وأقطعه هو وابنه مناطق كثيرة يحكمانها، ثم عندما مات الملك تزوج بامرأته التي آل إليها الحكم، وأسلمت وأرادت أن تغدر به، فسجنها وانفرد بالسلطة وأسس أسرة حكمت البلاد أكثر من قرنين (744- 970)هـ، وفي نهاية عهدهم كان أكبر شاه ملك الهند قد بسط نفوذه على كشمير منذ عام 963هـ حتى 1014هـ ومنذ حكم المسلمون كشمير والإسلام ينتشر بين أهلها، حتى غدت غالبيتهم العظمى مسلمة.
وعندما انتهى حكم المغول لكشمير عام 1164هـ، سيطر عليها الأفغان حتى عام 1234هـ وازداد فيها انتشار الإسلام ثم جاء الإنجليز فأعانوا السيخ على الأفغان، فاحتل السيخ كشمير عام 1234 وحتى عام 1262هـ، وعملوا على اضطهاد المسلمين، ونشروا الظلم في البلاد، وهدموا وحرقوا الكثير من المساجد، وحولوا بعضها إلى إصطبلات للخيول.
وقام المسلمون بالكثير من الثورات ضد السيخ حتى سيطر الإنجليز على البلاد عام 1262هـ، فباعوا كشمير لأسرة الدونمرا لمدة 100 عام بسبعة ونصف مليون روبية وعقدت الاتفاقية في مدينة أمريستار، التي هي منبع الفكر السيخي، وأخذ حكام أسرة الدونمرا يذيقون المسلمين ألوانًا من الظلم والاستعباد والاضطهاد طوال فترة حكمهم للبلاد؛ من ضرائب باهظة، ومصادرة أراضيهم، وأملاكهم، وحرَّموا عليهم ذبح الأبقار وكانت عقوبة ذلك الإعدام، ثم خففت للحبس 10 سنوات، واضطر الكثير من السكان للهجرة إلى البنجاب للنجاة من الظلم المقام عليهم، وأخذ الإنجليز يساعدون أسرة الدونمرا في صب القهر والتعذيب على شعب كشمير المسلم.
وأخذت الحركات الإسلامية تظهر في كشمير تدعو للتخلص من هيمنة أسرة الدونمرا، والإنجليز المعادين للإسلام.
وجاء وقت الاستقلال للهند عام 1366هـ وتقسيمها فأراد الشعب الكشميرى المسلم الانضمام إلى باكستان بينما حاكم كشمير (المهراجا) آخر حكام أسرة الدونمرا عمل على منع حدوث ذلك، فأسس عصابات من الهندوس الكشميريين، والهندوس الذين أتوا من الهند لمنع انضمام كشمير إلى باكستان، وأخذت هذه العصابات في الهجوم على المسلمين، وقتلت منهم 137000 مسلم، فقام المسلمون بالمظاهرات وأطلقت الشرطة التابعة للمهراجا النار على المتظاهرين الذين يطالبون بانضمام كشمير إلى باكستان وسجنت الكثير منهم، وتدفق المجاهدون المسلمون على كشمير لنجدة إخوانهم، واستطاعوا تحرير جزء من كشمير بينما فر المهراجا "هري سنغ" إلى الهند، وعقد مع الهند اتفاقية بانضمام كشمير إلى الهند عام 1366هـ، برغم أن المسلمين يُشكِّلون 80% من سكانها، وهذا ما يتنافى مع شروط تقسيم الهند إلى منطقتين، مسلمة وهندوسية تعتمد على الغالبية القاطنة.
وتعهدت الهند بإجراء استفتاء في الولاية بمجرد إعادة الاستقرار بها وسحب قواتها منها، ولكن اتضح أن هذه الدعوة ما هي إلا وسيلة تساعد الهند في احتلال كشمير، فأرسلت جيوشًا إلى كشمير لتساعد جيوش حاكمها السابق.
وأعلنت أنها ستساعد من يرغب في الهجرة إلى باكستان، وأعلنت عن مكان يتجمع فيه راغبو الهجرة، وما إن احتشد الكثير من المسلمين في هذا المكان حتى أطلقت عليهم النيران وقُتِلَ ما يزيد على نصف مليون مسلم، واستطاع عدد مماثل لهم أن يفر إلى باكستان وأخذ الجنود الهنود يقبضون على كثير من النساء المسلمات لهتك أعراضهن، ويقطعون أثداء النساء أمام أهلهن، وقتل مئات الألوف من المسلمين، واندلع القتال بين الهندوس والمجاهدين المسلمين في كشمير في الحرب الهندية الباكستانية الأولى عام 1367هـ.
وقد تمكن المجاهدون من تحرير جزء كبير من كشمير، وأخذوا يوقفون تقدُّم الهندوس في كشمير، وأرسلت باكستان قواتها إلى كشمير عام 1367هـ.
وهكذا اندلعت الحرب بشكلٍ كبير بين الهندوس وبين الجيش الكشميري المدافع عن كشمير الحرة، ويساعده المجاهدون والجيش الباكستاني، ولم تستطع الهند التقدم في كشمير الحرة، فقد وقف لها المجاهدون بالمرصاد برغم تفوق الهندوس في العدد والعتاد، إلا أن الروح الإيمانية للمسلمين قد أوقفت توغل الهند في كشمير، وبعد أن طال سكوت الأمم المتحدة على الحرب في كشمير، ظنًّا بأن الهند ستحسم المشكلة وتحتل كشمير، وكل ذلك بإيعاز من الدول الصليبية التي تسيطر على الأمم المتحدة وتحكم من خلالها العالم.
اضطرت الأمم المتحدة إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار في كشمير عام 1368هـ، وقررت خروج القوات العسكرية من كشمير وإجراء استفتاء فيها لتقرير المصير، فأبدت الهند موافقتها على قرار الأمم المتحدة، بينما في الحقيقة ظلت قواتها مرابضة في الجزء الذي دخلته في كشمير ثم أعلنتها صراحة في عام 1377هـ بأنها ترفض استقلال كشمير عن الهند، وأخذ الهنود في اضطهاد السكان المسلمين وأخذوا يجلبون الهنادك ليسكنوا أجزاء كشمير التي وقعت تحت سيطرتهم ليقللوا الأغلبية الكاسحة للمسلمين فيها.
وحاول الهندوس بشتى الوسائل تغيير هوية المسلمين وغزوهم فكريًّا، بل وأرسلوا رجال مخابراتهم إلى إسبانيا وروسيا، ليعطوهم خبرتهم في التنكيل بالمسلمين سواء الأندلسيين أو التتار.
أخذ المسلمون يقاومون كل المحاولات الهندية لفصل المسلمين عن دينهم وثقافتهم، وانتشرت حركات الجهاد وظهرت جبهة تحرير جامو وكشمير، وغيرها، واتحد المجاهدون تحت اسم الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير واتحدت المنظمات السياسية تحت اسم "حركة تحرير كشمير".
وقد نشأت أيضًا في باكستان الكثير من المنظمات الإسلامية أبرزها الجماعة الإسلامية، والتي طالبت بتطبيق الشريعة ومؤسسها هو أبو الأعلى المودودي، وكان أول رئيس لباكستان -بنجلاديش وباكستان المتحدتين- هو محمد علي جناح والذي قامت في عهده أول حرب بين باكستان والهند، وما لبث أن توفي وتسلم مكانه الخوجا نظام الدين عام 1367هـ، ثم غلام محمد عام 1371هـ، ثم إسكندر مرزا عام 1374هـ؛ الذي ألغى نظام الدومينون في باكستان، ثم أيوب خان عام 1378هـ الذي جعل حكم البلاد عسكريًّا وغيَّر العاصمة من كراتشي إلى روالبندي (إسلام أباد)؛ كي تكون قريبة من كشمير ولكنه حل الجماعة الإسلامية واعتقل أعضاءها وصادر أموالها.
الحرب الهندية الباكستانية الثانية عام 1385هـ
اندلعت الحرب بين الهند وباكستان للمرة الثانية بسبب كشمير، وامتدت جبهات القتال إلى باكستان الغربية بينما لم تدخل الهند باكستان الشرقية لتهديد الصين بدخول الحرب إذا فعلت ذلك، حيث كانت على خلاف حدودي مع الهند، وحدثت بينهما حرب عام 1362هـ انتصرت فيها الصين؛ ولذلك كانت الصين تدعم باكستان واستطاع الباكستانيون أن يبدوا مقاومة فائقة وبطولات رائعة في القتال، حتى إذا تحولوا للانتصار، وكادت الهند أن تهزم أسرع مجلس الأمن وأعلن وقف إطلاق النار، وعقد مؤتمر طشقند في جمهورية أوزبكستان التابعة للاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.
وقد نص الاتفاق على إعادة الحال كما هو عليه قبل الحرب، وتبادل الأسرى وحل مشكلة كشمير بالطرق السلمية، ففقدت باكستان وكشمير جهودهما وانتصاراتهما.
أخذت الهند ونصارى العالم يعملون على تفتيت الوحدة بين شطري باكستان، حتى يتفرَّق المسلمون وتضعف شوكتهم، وبرز مجيب الرحمن زعيم حزب عصمة عوامي في باكستان الشرقية -بنجلاديش- والذي يطالب بالاستقلال الذاتي لها، وبرز أيضًا ذو الفقار علي بوتو زعيم الشعب، والذي يتمثل نشاطه في باكستان الغربية، وقامت المظاهرات في باكستان الشرقية، فاضطر أيوب خان أن يعتزل الحكم عام 1389هـ وجاء من بعده يحيى خان، والذي كان شيعيًّا فأدت سياسته إلى زيادة الفوضى والاضطرابات في البلاد.
وفي نفس الوقت عملت الهند على دعم المعارضة في باكستان الشرقية، والتي يتزعمها مجيب الرحمن، ودعت الهندوس في باكستان الشرقية إلى دعمه وتأييده، ودعمته أمريكا، وفي نفس الوقت دعمت المعارضة في باكستان الغربية بقيادة ذي الفقار علي بوتو، ودعمه الشيعة والقاديانيون، وبذلك فالخطة الدولية قامت على دعم الانفصال في باكستان بشطريها، وقائدا المعارضة رجلان انتهازيان تطغى مصلحتهما الشخصية على المصلحة العامة.
وتفجَّرت الأوضاع في باكستان الشرقية في عام 1391هـ؛ نتيجة تأجيل اجتماع المجلس النيابي، وعمَّت الفوضى، وانتشرت الجرائم فيها، فاعتقل مجيب الرحمن، وحدثت فيضانات كبيرة في بنجلاديش أدَّت إلى لجوء ما يقرُب من 9 ملايين شخص أكثرهم من الهندوس إلى الهند، وأخذت الهند تستعد للضربة المرتقبة لباكستان، وأخذ الانفصاليون يطلبون العون من دول العالم وعلى رأسها اليهود، التي أعلن وزير خارجيتهم أنهم يؤيدون كفاح بنجلاديش ضد باكستان.
الحرب الهندية الباكستانية الثالثة 1391هـ
أعدت الهند عدتها لفصل شطري باكستان عن بعضهما، وعقدت حلفًا عسكريًّا مع روسيا عام 1391هـ؛ لردع أي محاولة تهديد تأتي من الصين، ثم أعلنت الهند أن الثوار البنجلاديش والذين تكونوا من اللاجئين قد شنُّوا هجومًا على بنجلاديش.
وهذه كلها أكاذيب حقيقتها أن الهند هي التي تهاجم بنجلاديش، وخاصة أنها تحيط بنجلاديش من كل جانب عدا الجنوب حيث خليج البنغال، وفي نفس الوقت كان معظم التركز العسكري في باكستان الغربية وكشمير الحرة؛ لأنها جبهات القتال الأساسية، ولم يحدث من قبل تكوين جبهة قتال في باكستان الشرقية، فالقوة الباكستانية في بنجلاديش كانت أقل، وفي نفس الوقت كانت القوات الهندية تفوق القوات الباكستانية في الجبهة الشرقية بما يعادل 6 أضعافها، ومجهزة بكل الوسائل الحديثة في القتال تدعمها روسيا واليهود.
وبينما إمكانيات الباكستانيين في الشرق ضعيفة، واندلع القتال على كافة الجبهات الشرقية والغربية وكشمير، وتقدَّمت الهند في بنجلاديش، وبرغم المقاومة الباسلة التي أبداها الباكستانيون في الشرق؛ إلا أنهم اضطروا للاستسلام.
أما في الغرب فكانت الحرب سجالاً بين الطرفين وأعلن مجلس الأمة وقف القتال، إلا أن الهندوس والروس قد عارضوا حتى توقف القتال في نهاية 1391هـ، ولا يمكن وصف المجازر والمذابح التي أقيمت للمسلمين في بنجلاديش بعد إعلان الاستسلام، فقد تفنن الهنود في أساليب القتل والتعذيب للمسلمين، وكأنهم في مسابقة للإبداع في الإبادة.
سلَّم يحيى خان البلاد إلى ذي الفقار علي بوتو، وغادر البلاد بعد أن خربها إلى إيران، حيث إنه -كما ذكرنا- شيعي، وأعلنت بنجلاديش استقلالها عن باكستان وقيام الجمهورية وأخرج مجيب الرحمن من السجن وعين حاكمًا لبنجلاديش، واعتبر أن الفترة السابقة كانت احتلالاً باكستانيًّا لبنجلاديش، فنكل بباكستان، واعتبر الجيش الباكستاني الموجود في بنجلاديش من الأسرى فأخذ يقتل فيهم.
وفي عام 1395هـ قام انقلاب ضده وتولى مشتاق أحمد، ولكن ما لبث أن كثرت الانقلابات فتولى خالد مشرف الرئاسة، ثم عبد الستار محمد صايم ثم ضياء الرحمن عام 1397هـ، واغتيل في انقلاب عسكري عام 1401هـ، وتسلَّم مكانه عبد الستار محمد صايم، ثم ما لبث أن حدث انقلاب عسكري أبيض عليه عام 1402هـ وتسلَّم الحكم حسين محمد إرشاد، ويتنازع على رئاسة الوزراء كل من خالدة ضياء والشيخة حسينة.
اتفاقية سيملا
عقدت القمة بين رئيس باكستان ذي الفقار على بوتو، ورئيسة الوزراء أنديرا غاندي -تتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية عما حدث لباكستان- واتفقوا في مدينة سيملا علي: استقلال بنجلاديش واستعادة باكستان -باكستان الغربية- لكافة ما فقدته أثناء الحرب ويُقدَّر بـ 8620 كم2 باستثناء ما فقدته في كشمير، والتي تُقدَّر بـ 400 كم2، وأن تسترد الهند ما فقدته في الحرب ويُقدَّر بـ 600 كم2.
أما في باكستان؛ فقد عمَّ العنف السياسي، وطالبت المعارضة بإبعاد ذي الفقار علي بوتو عن الحكم حتى قام انقلاب عسكري ضده عام 1397هـ، قاده قائد الجيش محمد ضياء الحق وتسلَّم منصب رئاسة الدولة عام 1398هـ، وفي نفس الوقت رئاسة الوزراء.
وقرب إليه الجماعة الإسلامية حيث كان خاله أمير الجماعة الإسلامية، فأعطى بعض الوزارات إليهم، ولكنهم برغم ذلك عارضوه لتطبيقه لنظام الحكم العسكري، وأُعدِم ذو الفقار علي بوتو بتهمة قتل أحد معارضيه عام 1399هـ، وحرص على العلاقات الطيبة مع أمريكا، وساعد المجاهدين الأفغان في حربهم مع الروس، وفتح بلاده للاجئين الأفغان، وأمدهم بالسلاح وكانت أمريكا الممول الأول للسلاح، ليس لحبها للمسلمين ولكن لمنافستها لحلف وارسو، والحرب الباردة بينهما، وأواخر أيامه دعا لتطبيق الشريعة الإسلامية وقُتِلَ عام 1409هـ بانفجار قنبلة، ولم يُعلَم حتى الآن من الذي وضع القنبلة، وتولى بعده غلام إسحاق خان وشكلت الوزارة.
وضع المسلمين في الهند
يعيش الآن في الهند ما يزيد على 90 مليون مسلم، يذوقون ألوان البأس والاضطهاد من الهندوس، من هدم للمساجد، وهتك للأعراض، وإزهاق للأرواح، وإبادة.
وقد يتساءل البعض: لماذا لم ينتشر الإسلام في الهند مثلما انتشر في شمال إفريقيا وبلاد الفرس والروم وغيرها، برغم أن المسلمين قد فتحوا الهند وحكموها عدة قرون؟
يرجع ذلك لعدة أسباب من أهمها:
أن معظم المسلمين الذين حكموا الهند كانوا حديثي العهد بالإسلام، وكان أكثرهم لا يطبق الشريعة الإسلامية في البلاد، ولم يكن لديهم التربية الإسلامية الكافية للدعوة إلى الإسلام، وإنما كان همهم الأكبر السيطرة والتحكم في البلاد، إضافةً إلى الجهل باللغة العربية التي هي لغة القرآن؛ مما أدَّى إلى جهلهم بالكثير من أمور الدين.
كما سعى بعض الحكام المسلمين إلى كسب ودِّ أهل البلاد بإعطائهم مطلق الحرية في دينهم وإقامة طقوسهم وعاداتهم التي يُحرِّمها الإسلام، مثل حرق الزوجة بعد موت زوجها، والسماح بالزواج من المشركات، بل والسماح بزواج المسلمات من المشركين، وتحريم ما أحل الله، مثل تحريم ذبح الأبقار التي يقدسونها.
ومن جانب آخر سعى بعض الحكام إلى إيجاد ما يُطلق عليه العقيدة المشتركة بين الإسلام وغيره من الأديان في الهند، وكانوا يظنون أن ذلك سيثبت سلطانهم في البلاد ويرضي جميع الأطراف، ومن هنا ظهرت الكثير من الأديان بهذا الشكل مثل السيخ وغيرهم.
عمل الاستعمار الإنجليزي على اضطهاد المسلمين، والتعاون مع الهندوس ضدهم، وعمل على تضليل المسلمين بإنشاء المزيد من الفرق الضالة مثل القاديانية، والأحمدية، ودعمها باستمرار لإثارة الفتن، والتضليل بين المسلمين وحتى الآن يدعم الإنجليز هذه الفرق الضالة في العالم، وتبلغ نسبة المسلمين في الهند 14%، وهي الديانة الثانية بعد الهندوكية، وتبلغ نسبة المسلمين في سريلانكا 8% وفي نيبال حوالي 4% وفي بوتان 5%، أما في باكستان وبنجلاديش والمالديف فأغلبية كاسحة للمسلمين، أما في كشمير فنتيجة لسياسة الهند الاضطهادية فيها قد وصلت نسبتهم إلى 65%، بعد أن كانت أكبر من ذلك بكثير، وتواجه بنجلاديش أخطار الفقر والجفاف والإرساليات التنصيرية إلى بلادها، وخاصة بعد انفصالها عن باكستان.