عجباً!

ما عهدتُ الكتاب يسفون إلى هذه الدرجة، وينزلون بالكتابة المرصعة إلى هذه الحمأة الوضيعة، ويهينون البيان بهذا السخام من الكلام، ويستخدمون أخس الصفات، وأسوأ المفردات في وصف غيرهم من بني الإنسان، وهم يعلمون أن الكلمة صفعة على الوجه، وهي توجع أكثر من السوط على الظهر

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

أقرأ باشمئزازٍ شديدٍ مقالاتٍ وتعليقاتٍ لكتابٍ وصحفيين عرباً؛ كنت أعدُّهم من كبار الكتاب ومن أعظم حملة الأقلام، ومن خيرة الصحفيين في هذا الزمان، جرأة وقدرةً وعلماً، وكنت أحرص على قراءة ما يكتبون، واقتناء ما ينشرون ويطبعون، لأتعلم منهم، واستفيد من خبراتهم، وأضيف إلى معرفتي بعضاً من علومهم، وشيئاً من وعيهم، فهم في أكثرهم مدارس صحفية، ومؤسساتٌ إعلامية.

لكن وهم الأساتذة! ما بال مفرداتهم قد أصبحت غريبة، شاذة وممقوتة، مهينة ومعيبة، فيها ضعة وإسفاف، وفيها سبابٌ وشتيمة، وتقطر إساءة وإهانة، وفيها من التصريح البين أكثر من التلميح الذكي، ومن التعميم أكثر من التخصيص، ومن الظلم المقصود أكثر من الخطأ العفوي، بعنصرية لافتة، وقومية مقيتة.

بِتُّ أقرأ لهم وصفاً لقطاعاتٍ من الأمة، أنهم رعاع، جوقة، خونة، مخدوعين، مخادعين، ضالين، مفسدين، مندسين، مخربين، إرهابيين، حثالة، زبالة، أنذال، أولاد الهرمة، فضلاً عن الجزمة والصرمة، وأولاد ستة وستين... وغيرهم لا يترفع عن استهداف الأم والأخت والعِرض.

ما عهدتُ الكتاب يسفون إلى هذه الدرجة، وينزلون بالكتابة المرصعة إلى هذه الحمأة الوضيعة، ويهينون البيان بهذا السخام من الكلام، ويستخدمون أخس الصفات، وأسوأ المفردات في وصف غيرهم من بني الإنسان، وهم يعلمون أن الكلمة صفعة على الوجه، وهي توجع أكثر من السوط على الظهر.

الكاتب: د. مصطفى يوسف اللداوي

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام