مسلموا كينيا بين الزحف التنصيري والنفوذ الصهيوني
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أكد الدكتور محمود أحمد عبد القادر مدير مركز لامو للشباب المسلم
في كينيا أن المسلمين في كينيا قد عانوا طويلاً من التهميش والتمييز،
وأُبعدوا طوال العقود الخمس التي تلت الاستقلال عن مراكز صنع القرار
السياسي والاقتصادي، وحُرمت مناطقهم من الخطط التنموية وإنشاء مدارس
أوجامعات أو مستشفيات.
وأضاف في حوار خاص مع شبكة (الإسلام اليوم) أن المسلمين -و على الرغم
من أنهم يشكلون ثلث سكان كينيا- لا يلعبون دورًا أساسياً، وهو الأمر
الذي يحاولون تحسينه بعد دعمهم لانتخاب الرئيس كيباكي؛ إذ يعولون عليه
كثيرًا لإنهاء عقود الظلم والاضطهاد وشدد د.عبد القادر على أن مسلمي
كينيا يعانون حالياً من مد تنصيري جارف، حيث ينتشر في كثير من المدن
المئات من جماعات التنصير، فضلاً عن نفوذ صهيوني متعاظم يعمل على
استمرار مأساة المسلمين، لافتاً النظر إلى الضغوط التي تمارسها واشنطن
على الحكومة الكينية؛ لفرض قانون مكافحة الإرهاب وهو الأمر الذي ستكون
له عواقب وخيمة على المسلمين وحدهم في حالة إقراره.
وأبدى مدير مركز لامو للشباب المسلم أسفه الشديد للغياب الإسلامي
التام عن دعم مسلمي كينيا وإنقاذهم من الوقوع بين مطرقة النفوذ
الصهيوني والمد التنصيري بدعوى الحرب على الإرهاب، منبهاً على أن
مناطق المسلمين قد شهدت حركة اعتقالات واسعة على خلفية الأحداث
الأخيرة في الصومال، ووجهت اتهامات لها بدعم المحاكم الإسلامية،
معتبرًا أن إقدام الحكومة الكينية على شن هذه الاعتقالات قد جاء في
إطار سعيها لكسب ود واشنطن.
وفي السطور التالية نناقش مع الدكتور محمود أحمد عبد القادر هموم
المسلمين في كينيا:
لعبت المدن الكينية دورًا تاريخياً في نشر الإسلام في
شرق ووسط إفريقية .. فهل لفضيلتكم أن تلقي لنا الضوء على كيفية دخول
الإسلام كينيا؟
لقد وصل الإسلام كينيا في عهد عبد الملك بن مروان؛ إذ وفد إلى جزيرة
سنجا الكينية آلاف من المسلمين الذين عمّروا المدينة وبنوا فيها
مسجدًا ومراكز إسلامية لدرجة أن بعثة بريطانية قد اكتشفت حفريات تعود
إلى عصر الخليفة الأموي، ثم جاءت الموجة الثانية عبر قوافل التجار
أولاً ثم تلتهم موجة الفارين من الصراع الدامي الذي اشتعل بين
الأمويين والعباسيين فضلاً عن البدو الرحل؛ الذين جاؤوا من سلطنة عمان
وزنجبار.
وللمسلمين في كينيا وجود قديم وراسخ وهو ما أثبتته بعثات التنقيب على
الآثار المختلفة في المدن الكينية من شرقها إلى غربها، كذلك في
مناطقها الشمالية والجنوبية.
هل
لك أن توضح لنا أوضاع مسلمي كينيا وتجمعاتهم وأهم التحديات التي
تواجههم؟
يصل عدد المسلمين في كينيا إلى عشرة ملايين، يشكلون أكثر من 30% من
عدد سكان كينيا، وينتشر الإسلام في أغلب المدن الكينية، خصوصاً في مدن
الشمال والشرق الكيني مثل موباساى وكيلوا، وماتيه وجيدي وسانجي ولامو
وماليدي وماغوما، بالإضافة إلى (300) ألف مسلم يعيشون في العاصمة
نيروبي.
ويواجه المسلمون في كينيا حزمة من المشاكل أهمها: تضاؤل وزنهم السياسي
وعدم لعبهم الدور الذي يتناسب مع أوضاعهم، فمجلس الوزراء لا يضم إلاّ
وزيرين مسلمين للتضامن الاجتماعي والتراث، وهما منصبان ثانويان، غير
أننا ننظر إليهما كبداية جيدة تنهي سنوات الاضطهاد والتمييز التي
كرّسها جميع حكام كينيا، والذين كان آخرهم الرئيس دانيال أرب موى،
لدرجة أن شرق وشمال كينيا على اتساعهما لا توجد فيهما جامعة إسلامية
بعكس مناطق الغرب والجنوب.
ولا تختلف الأوضاع الاقتصادية عن سابقتها فقد تعمدت الحكومات
المتتالية تهميش مناطق المسلمين وعدم تمويل الخطط التنموية بها، كي
تظل أسيرة الفقر والجهل والمرض، وتصبح لقمة سائغة في فم الكنائس
والإرساليات التنصيرية التي تلعب دورًا متعاظماً في البلاد.
تغيير ملموس لأوضاع المسلمين
لكن
البعض يشعر أن هذه السياسات التمييزية ضد المسلمين قد تراجعت منذ وصول
الرئيس كيباكي للسلطة؟
نعم هناك تغير شبه ملموس في أوضاع المسلمين الذين لعبوا دورًا كبيرًا
في تراجع كفة الرئيس كيباكي الذي عمل منذ وصوله الحكم على جذب ود
المسلمين بتبني حكومته للعديد من المشاريع التنموية في مناطقهم،
والتعاطي إيجابياً مع اعتراضاتهم على مشروع مكافحة الإرهاب الذي تضغط
واشنطن على الحكومة الكينية لإقراره وكثيرًا ما انتقد السفير الأمريكي
لدى نيروبي عدم إقرار الحكومة له حتى الآن، وهو ما يعود إلى الدور
الكبير الذي يقوم به مسلمو كينيا في جميع مؤسسات الدولة؛ لمعارضة هذا
القانون، والذي سيعد في حالة إقراره سيفاً مصلتاً على رقاب المسلمين
يوسع من حركة الاعتقالات في صفوفهم استنادًا إلى الاشتباه الذي
استخدمته الشرطة الكينية كثيرًا في أوساطهم عقب تفجير السفارة
الأمريكية في نيروبي وفندق براديس في موباسا، فضلاً عن حركة
الاعتقالات التي شهدتها أماكن تجمعات المسلمين عقب الصراع الدامي بين
المحاكم الإسلامية في الصومال والقوات الإثيوبية.
تعاني كينيا شأنها شأن العديد من الدول الإفريقية من
أزمة اقتصادية، ما تأثير هذه الأزمة على أوضاع المسلمين؟
على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية تضرب جميع الكينيين إلاّ أن هذه
الأزمة تظهر أشد وطأة في الأماكن والتجمعات التي يشكل فيها المسلمون
أغلبية؛ إذ وصلت نسبة المسلمين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من
55%، وتنتشر في صفوفهم البطالة بنسبة 30%، نتيجة السياسات الحكومية
التمييزية ضدهم، والتصميم على حرمان مناطقهم من الخطط التنموية،
وإنشاء مشروعات استثمارية بأموال أجنبية في هذه المناطق، بل إن
المأساة تتصاعد حينما تعلم أن الحكومة حاولت تغيير الطبيعة
الديموجرافية في مناطق المسلمين.
زحف
تنصيري
من
المؤكد أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في كينيا وهذه الممارسات
التمييزية تفتح الباب واسعاً أمام منظمات التنصير العالمية؟
لم يكن وجود منظمات التنصير في تجمعات المسلمين أمرًا واضحاً قبل
تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي نهاية التسعينيات من القرن الماضي،
وكذلك قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ إذ كان هناك وجو إسلامي يتمثل
في جمعيات خيرية مثل الحرمين والندوة العالمية للشباب الإسلامي، غير
أن أغلب هذه الجمعيات قد أغلقت أبوابها وغادرت الأراضي الكينية، وهو
ما أفسح المجال لمئات المنظمات التنصيرية، وعلى رأسها شهود ياهو
والإرساليات المعمدانية الأمريكية، وتنفق هذه المنظمات أموالاً طائلة؛
لتذويب هوية المسلمين، غير أن هذا الإنفاق لم يُقابل بتحقيق نجاحات
إلا نادرًا وفي أوساط القبائل الوثنية ومنها قبيلة بورانا.
لكن
هل نجح الوجود التنصيري في القضاء على أي أنشطة إسلامية؟
لا يوجد نشاط إسلامي مكثف، ولكن بعض الجهود، فمثلاً: الكويت دعمت
بالتعاون مع البنك الإسلامي إنشاء مساكن في مناطق المسلمين، وكذلك
بناء مدارس ومستشفيات، ولكن هذا النشاط تراجع بسبب الضغوط الأمريكية،
ولا تزال لجنة مسلمي إفريقيا تكفل بعض الأيتام والأرامل وتغيث
الملهوفين في بعض المناطق، ولكنه وجود ضعيف، ولا يُقارن بالزحف
التنصيري الشرس.
النفوذ الصهيوني
وما
دام هناك غياب عربي فلا بد أن يقابله وجود صهيوني مكثف أليس كذلك؟
بالتأكيد فالوجود الصهيوني في كينيا متعاظم ولا يُقارن بأي دولة
أفريقية أخرى؛ فالعاصمة الكينية نيروبي تشكل محطة لنشر النفوذ
الصهيوني في القارة الإفريقية، وللصهاينة وجود بارز في كينيا، فمثلاً
إذا هُدمت بناية في إحدى المدن الكينية سواء أكان القاطنون فيها من
المسلمين أو غيرهم فإنك تجد رجال أعمال وعمال إغاثة صهاينة منتشرين
يقدمون العون والإغاثة، ولا تعجب إذا علمت أن العون الصهيوني هو أول
عون خارجي يصل في حالة حدوث أي كارثة، فضلاً عن تقديم دعم تكنولوجي في
مجال الزراعة واستصلاح الأراضي والتواجد بقوة من خلال الاستثمارات في
المجال السياحي.
وفي المقابل نجد سعياً صهيونياً لاستمرار الفقر والجهل والمرض في
أراضي المسلمين، بوضع العراقيل أمام أي محاولات حكومية لإقامة مشروعات
تنموية في مناطقهم، بل إنهم يعملون أيضاً على إفساد شباب المسلمين، عن
طريق نشر الخلاعة والمجون عبر المجلات الجنسية والأفلام المشبوهة؛ إذ
يعرضون هذه الأفلام من خلال المهرجانات الثقافية التي تقيمها السفارة
الإسرائيلية في نيروبي والمراكز الثقافية الموجودة في كل المدن
الكينية.
ترددت أنباء عن مساعٍ حكومية لإلغاء القضاء الشرعي
وإحداث تعديلات في قانون الأحوال الشخصية فما صحة ذلك؟
لقد سعت العديد من المنظمات التنصيرية بتأييد من جهات حكومية لإلغاء
القضاء الشرعي، وإدخال تغييرات جذرية على قانون الأحوال الشخصية
المعمول به من ستينيات القرن الماضي، وهو أمر تصدى له المسلمون بقوة
جعلت الدولة تعيد النظر في هذه المساعي المدعومة بقوة من الجهات
الغربية لتصدر قرارًا بتأجيلها إلى أجل غير مسمى. ولا تقف محاولات هذه
الجهات عند هذا الحد، بل أغرقت مناطق المسلمين بأطنان من المخدرات
ونبات القاط الذي ينتشر تعاطيه في أوساط المسلمين بقوة.
شنت
السلطات الكينية حملة اعتقالات شديدة على خلفية الأحداث الأخيرة في
الصومال كيف واجهتم هذا الأمر؟
لقد واجه المسلمون في المناطق الحدودية بين الصومال وكينيا حملات
اعتقال طالت شباباً ونساءً وشيوخاً - بتهة تقديم الدعم اللوجيستي
لقوات المحاكم الإسلامية الصومالية، والعمل على تهريب مقاتلي المحاكم
إلى البلاد - تشبه إلى حد كبير الاعتقالات التي طالت المسلمين بعد
أحداث فندق براديس في مومباسا، وقد لعبت الولايات المتحدة دورًا
كبيرًا في إجبار السلطات الكينية على شن هذه الحملة التي تنتهي بإطلاق
سراح المعتقلين؛ لعدم وجود أدلة تدينهم، فضلاً عن مطالبة المسلمين
بإخلاء سبيلهم.
وهل
نجحت هذه السياسات في إيجاد حالة انفصام بين مسلمي كينيا والقضايا
الإسلامية؟
بالعكس هناك تعاط إيجابي مع معظم القضايا الإسلامية، وهو ما ظهر بوضوح
في المظاهرات التي حدثت في المدن الكينية المختلفة عقب أزمة الرسوم
المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وتصريحات البابا بندكت السادس عشر،
بالإضافة إلى وجود تعاطف شديد مع القضايا الإسلامية في فلسطين
والعراق، فيكفي أن أحد أشهر شعراء المسلمين في كينيا قد نظم قصيدة شعر
في شهداء الفلوجة والمجاهدين أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، تضمنت
نقدًا حادًا للمجازر الأمريكية والإسرائيلية حيال الشعبين الفلسطيني
والعراقي.
عبد الرحمن أبو عوف
الإسلام اليوم