قوة الشعور الديني والتمكين لدين الله عز وجل

محمد المصري

وتزكية النفس في الشرع بتطهيرها من الفساد الذي يخالط النفوس، وتنميتها بالخيرات والبركات، ويتحقق ذلك كله بفعل الخيرات وترك المنكرات والإيمان بالله، والنفس الزكية التي تطهرت وفق شرع الله هي النفس الطيبة التي تستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة.

  • التصنيفات: تزكية النفس -

قوة الشعور الديني أو ما يمكن أن نطلق عليه "تزكية النفس"، والتزكية في اللغة الطهارة والنماء والبركة [1]، وسمّي المال الذي أوجب الله إخراجه من مال العبد زكاة لأنه ينمي المال ويباركه، كما يزكي نفس مخرجه ويطهرها.

وتزكية النفس في الشرع بتطهيرها من الفساد الذي يخالط النفوس، وتنميتها بالخيرات والبركات، ويتحقق ذلك كله بفعل الخيرات وترك المنكرات والإيمان بالله.
والنفس الزكية التي تطهرت وفق شرع الله هي النفس الطيبة التي تستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة.

وقد أعلن القرآن أكثر من مرة أن الفلاح الإنساني مرهون بتزكية المرء نفسه، وأن الخيبة والخسران مرهونة بتدسية المرء نفسه، وقد أقسم الحق سبحانه وتعالي علي هذه الحقيقة أقساماً سبعة مما يدل علي خطورتها، فقال تعالي {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا . وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا . وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا . وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [2]،[3].

يقول ابن كثير رحمه الله وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي: بطاعة الله -كما قال قتادة- وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. ويُروَى نحوه عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وكقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [4].

{​وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي: دسسها، أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.[5]

وإذا كان الإسلام قد أمر بتزكية النفس وإصلاحها، فإنه أيضاً جاء بالمنهج الذي يتم به الإصلاح والتزكية، يقول الحق سبحنه وتعالي: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [6]، فقد وصف الله تبارك وتعالي هذا الموحي به بوصفين: الأول:- أنه روح، والثاني أنه نور.

وبالروح تكون الحياة، وبالنور تكشف الظلمات، ولذلك قال الحق فيمن هداه بكتابه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [7].
و من الأمور الهامة لحياة وتزكية النفس تلقي العلم بنية العمل لا بنية التثقف أو التشدق أو التفيهق، ولكن بنية العمل، ولذلك كان السلف رحمهم الله يكرهون السؤال الذي لا يقع تحته عمل، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعاً، و الدليل على ذلك: استقراء الشريعة فإنّا رأينا الشارع يعرض عمّا لا يفيد عملاً مكلفا به، ففي القرآن الكريم {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}، فوقع الجواب بما يتعلق به العمل، ومن هنا نهى صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال[8]،لأنة مظنة السؤال عما لا يفيد، وقد كان مالك بن أنس يكره الكلام فيما ليس تحته عمل[9].

ويترتب علي ذلك أن العلم الشرعي وسيلة إلى عبادة الله وذلك أن روح العلم هو العمل وإلا فالعلم عارية وغير منتفع به، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[10]، قال سفيان الثوري: "إنما يتعلم العلم ليتقي به الله وإنما فضل العلم على غيره؛ لأنة يتقي اللّه به".
وكل ذلك يحقق أن العلم وسيلة من الوسائل ليس مقصوداً لنفسه من حيث النظر الشرعي، وإنما هو وسيلة إلى العمل[11].

  • أهمية تزكية النفس للعاملين للدعوة إلي الله عزوجل: عندما تجد خللاً في الدعوة، وبطءً في السير، ففتش عن القلب، فأمراضه أشد من أمراض الأبدان، كما أن اكتشافه أخفى، ويحتاج إلى خبير في ذلك، وليس هناك وصف أدق لمكانة القلب من وصف الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [12].

    عجيب أمر القلب !! فهو لا يثبت على حال أبداً وما سمي القلب قـلـبـاً إلا لكـثـرة تـقلبه، فكل شيء يؤثر فيه !! وكل أمر يغير منه بقدر، إذاً فلابد من تعاهده والمحافظة على استقامته وإصلاح هفواته ولهواته، فإذا كان العاملين للدعوة إلي الله مرضي القلوب أو أهملوا نفوسهم فسيقعوا صرعي في الطريق لا محالة ولا يكون في إستطاعتهم مواصلة السير والعمل لله، لأن ذلك يتطلب زاد، وخير الزاد التقوى، والتقوى لا تقع إلا علي محلٍ نظيف، لذلك لابد من محاسبة النفس بين الفينة والأخرى حتى لا نقع في غوائل الشيطان ويبطء سيرنا إلي الله عز وجل، قال لقمان الحكيم لابنه يا بنيّ إن الإيمان قـائــد، والعمل سائق، والنفسَ حرون؛ فإن فتر سائقها ضلّت عن الطريق، وإن فتر قائدها حرنت، فإذا اجتمعا استقامت. إنّ النفس إذا أُطمعت طمعت، وإذا فوّضْت إليها أساءت، وإذا حمــلـتـهــا عـلـى أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت؛ فاحذر نفسك، واتهمها علـى دينك، وأنـزلـهــا منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بُدّ له منها. وإنّ الحكيم يذلّ نفسه بالمكاره حتى تعترف بـالـحـق، وإنّ الأحمق يخيّر نفسه في الأخلاق: فما أحبّت منها أحبّ وما كرهت منها كره[13].

    ومـن هـنــا كـان لزاماً على كل عبدٍ يرجو لقاء ربّه أن يطيل محاسبته لنفسه، وأن يجلس معها جلسات طـِــوالاً؛ فينظر في كل صفحة من عمره مضت: ماذا أودع فيها، ويعزم على استدراك ما فات ويشحذ همّته لسفره الطويل إلى الله تبارك وتعالى.
    وقبل أن أنهي هذه الجزئية من المبحث أحب أن أوضح أن مجال العلم النافع لتزكية النفس لا بد وأن ينبع من دراسة أمرين وهما القرآن الكريم من حيث قراءته وتفسيره ومدارسته، والتعبد وفق أسماء الله وصفاته عز وجل.
     
  • أولاً القرآن الكريم: ويتم ذلك بأن نعيش في ظلال القرآن، فالعيش في ظلال القرآن الكريم، كما يقول سيد قطب رحمه الله تعالي واصفاً العيش في ظلال القرآن وما ذاقه من حلاوته "ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي، ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه، لقد عشت أسمع الله سبحانه يتحدث إلي بهذا القرآن، أنا العبد القليل الصغير، أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم"[14].

    فالمسلم يحتاج إلي من يذكره ويعظه في نفسه، ويرقق له قلبه، ويضعه دائماً على الطريق السوي بلا إفراط ولا تفــريط، وهذا التذكير إذا قابل نفساً معتدلة فإنها تقبل وتتأدب، إن النفس البشرية لا يكفيها مجرد تأليف الكتب ووضع الأنظمة، التي تقول لهم: هذا حق وهذا باطل، أو هذا حلال وهذا حرام، بل لابد أيضاً من الإذعان الوجداني، والقناعة الداخلية والتأثير النفسي، وإن قصص القرآن وأمثاله المضروبة وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كافية في إصلاح النفس وردعها ووضعها على الصراط المستقيم[15].

    إن الـقـرآن الـكـريـم لـيـس آيــات تهـتـز لـها الرؤوس، وتتمايل بها العمائم، ويطرب لها الدراويش في الموالد والمآتم والاحتفالات، ولـيـس آيات تُهَذُ هَذّ الشعر، أو تنثر نثر الدقل، بل هو آيات بينات تتنزل على قلوب المؤمنين فتغمرها بالسكينة والطمأنينة، وتملؤها بالثقة والثبات. وتدبرُ آيات الله عز وجل ومعرفة مـقـاصــدها ومراميها، والوقوف عند عظاتها وعبرها، والتفكر في معانيها وفقهها وأسرارها: نعمة عظيمة من أجل النعم التي يوفق إليها العبد المسلم. قال الله تعالى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ إذَا ذُكِـــرَ اللَّهُ وَجـِلَــتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [16]، ولهذا وصف أبو عبد الرحمن السلمي الصحابة رضي الله عنهم بقوله: حدثنا الذين كانوا يقرئونـنـا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النـبـي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم يجاوزوها حتى يتعلموا مافيها من العلم والعـمــل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً[17]، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأَدّبّرها وأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمعَ هذرمة[18].

    وإذا طغى الران على القلـب، وانتكـس الإنسـان بعبثــه ولهـوه حجبه الله تعالى عن نور القرآن، وحال بينه وبين الهدى والحق، قـال الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [19]، وقال الله تعالى: {وإذَا قَـــــرَاًتَ القُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً . وَجَعَلْنَا عَلَى قُــــلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِـــمْ نُفُوراً}[20]، وتوعد الله تعالى المعرضـين عن كتابـه العزيز بقوله عز وجـــل: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْــــرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [21].

    وأما أهل الإيمان فقد وصفهم الله بقوله تعالى: {وبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً . قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إنَّ الَذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إذَا يُـتْـلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَـمَـفْـعُـــــولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [22]،[23].

    وذلك يستلزم منا معايشة القرآن عن طريق حفظه وتفسيره والعمل به والعمل علي تحكيم شريعته، فينبغي علينا أن ندوام الإقـبـــــال على القرآن وتفهمـه وتدبره واستخراج كنوزه وآثار دفائنه، وصرف العناية إليه، والعكـــــوف بالهمـة عليـه؛ فإنه الكفيل بمصالح العباد، في المعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشاد، فالقرآن هو البيئة الصالحة لإنبات أنضر النبات، نبات الإيمان، وإخراج أطيب الثمار، ثمار العمل والوعي والجهاد[24].
    ومدرسة القرآن هي السبيل الأوحــــد إلـى تربـيـــة الجيل المسلم، وإحياء الأمة الفاضلة.
    اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين يعـظـمـونــه حق التعظيم، فيؤمنون بمتشابهه، ويعملون بمحكمه ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويحكمونه في جميع أمورهم.
     
  • ثانياً: مدارسة آثار التعبد بأسماء الله وصفاته: عايشت فترة من عمري وأنا استمع وأتعلم من دروس الأسماء والصفات التي كان يلقيها الشيخ فوزي السعيد حفظه الله فكان لهذا الأمر أثر نفسي قوياً معي وكانت بعون الله هذه الدروس سبباً في ثبات الكثير بفضل الله وحوله، ولذلك كان تعلم "آثار الأسماء والصفات وأثرها علي حركة الفئة التي تعمل لنصرة الدين أمر في غاية الأهمية، وأنا في هذا المقام سأقوم بنقل مختصر لمبحث أحسبه رائع عن "آثار التعبد بأسماء الله وصفاته"للشيخ محمد بن عبد الله الزغيبي.

    يقول الباحث حفظه الله "إن البحث في أسماء الله وصفاته ـوفــــق ما جاء في الكتاب والسنةـ هو من أجلِّ المعارف وأشرفها.
    ولن نتعرض في هذا البحث المتواضع لكـل ما يتعلق بالأسماء الحسنى، ولكننا سنعرض لجزئية صغيرة، ولكنها مهمة وعظيمة، ألا وهي الـتـعـبد بأسماء الله وصفاته الحسنى، فإنه باب عظيم يضم بين جوانبه مسائل من التعبد، فـمـنهـــا: إحـصـاء ألفاظها وعددها، وكذلك: الدعاء بها، وثالثها: ما نحن بصدده، وهو فهم معانيها ومدلولها.
    وفهم معانيها ومدلوها له مترادفات أخرى ذكرها ابن القيم في ثنايا كـتـبــه، وهي: إدراك موجبها، وآثارها، ومقتضياتها، ومتعلقها، ولوازمها، وأحكامها، فكل هـــــذه المترادفات المتقاربة تعني التعبد لله بأسمائه وصفاته، إذ كل اسم له تعبد مختص به علـمــــاً ومعرفة وحالاً، وله صفة خاصة، وكل صفة لها مقتضى وفعل، إما لازم، وإما متعدٍّ، ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه، وهذا في خلقه، وأمره، وثوابه، وعقابه، وكل ذلك آثــــــار الأسماء الحسنى وموجباتها.
    ومــن المـحــــال تعـطـيــــل أسمائه عن أوصافها ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال.
    فمثلاً اسم (السميع) من أسـمـــاء الله الحسنى، ولا بد من إثبات حكمه ومقتضاه، وهو أنه يسمع السر والنجوى، ويسمع ضجيج الأصوات، على اختلاف اللغات، وإدراك هذا الأثر من اسمه (تعالى) يورث العبد حالاً من التعبد والمراقبة والإنابة إلى ربه (سبحانه وتعالى).

    واعلم أن التعبد بالأسماء والصفات الحسـنى درجات ومراتب وأنواع كما سبق، وكلما زاد علم العبد بالله جل وعلا ارتـفـــــع في درجــة التعبد، وأكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه (القدير) عن التعبد باسمه (الحـلـيــم) (الرحيم)، أو يحجبه عبودية اسم (المعطي) عن عبودية اسم (المانع)، أو عبودية اسم (الرحيم) و(العفو) و(الغـفـور) عن اسمه (المنتقم)، أو التعبد بأسماء التودد والبر واللطف والإحـســـان عـــن أســمـــاء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء، ونحو ذلك.

    وهو (سبحانه) يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم ويحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، عفو يحب العفو وأهله، حيي يحب الحياء وأهله، شكور يحب الشاكرين، صبور يـحــــب الصابرين، حليم يحب أهل الحلم، وإذا كان (سبحانه) يحب المتصفين بأثر صفاته فهو معهم بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف، وهو ما يسمى بالمعية الخاصة.
     
  • ومن آثار التعبد بأسماء الله وصفاته:
  1. الأنس بالله ولمّ شعث القلب.
  2. تعظيم الله سبحانه وتعالى.
  3. إدراك مقتضيات الصفات طريق لإثباتها.
  4. إدراك أسرار الشريعة وحقيقة الأحكام الشرعية.
  5. الطمأنينة[25].
    هذا ومن أراد التوسع فعليه بالرجوع إلي المبحث والدراسات الأخرى المكملة في هذا الباب، ومنها سلسة صوتية للشيخ فوزي السعيد" سلسلة أسماء الله الحسنى"[26].

    وآخيراً ما يسعنا أن أقوله هنا أنه إذا أردنا التغيير والعمل للتمكين لابد أن نكون ذو نفوس زكية، فزكاة النفس وصدق الإلتجاء إلي الله هو الذي يعطي قوة في العمل وقوة في الإنطلاق، وأصحاب العزمات الصادقة أصحاب قلوب امتلأت بذكر الله وبمحبة الله فهي تسعي لله وبالله،قلوب تحررت من حب الدنيا آنست ذكر الله عزوجل فلا يخيفها تجبر الطغاة ولا جبروتهم لأنها تعلم أن هناك يوماً لا ريب فيها، والله أسال بكرمه وفضله أن نكون أصحاب ألسنة ذاكرة وقلوب خاشعة وعقول متفكرة وأبدان عاملة للتمكين للدين الله.

    [1] النهاية لابن الأثير:2/307.
    [2] [سورة الشمس :1-10].
    [3] منهاج تزكية النفس في الإسلام د.عمر سليمان الأشقر دار النفائس.
    [4] [الأعلى: 14-15].
    [5] تفسير ابن كثير نسخة إليكترونية المكتبة الشاملة.
    [6] [الشورى: 52].
    [7] [الأنعام: 122].
    [8] البخاري.
    [9] تهذيب الموافقات للجيزاني طبعة مكتبة ابن الجوزي37.
    [10] [فاطر: من الآية 28].
    [11] تهذيب الموافقات للجيزاني طبعة مكتبة ابن الجوزي37.
    [12] صحيح البخاري فصل من استبرأ لدينه.
    [13] ذم الهوى لابن الجوزي (40).
    [14] مقدمة كتاب "في ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى.
    [15] د.محمد العبدة "خواطر في الدعوة" إصدارات المنتدي الإسلامي.
    [16] [الأنفال: 2].
    [17] سير أعلام النبلاء: 4/269.
    [18] فضائل القرآن، ابن كثير: ص 75.
    [19] [محمد: 24].
    [20] [الإسراء: 45-46].
    [21] [الزمر: 22].
    [22] [الإسراء: 105-109].
    [23] مجلة البيان عدد 97 رمضان 1416هـ- فبراير 1996م.
    [24] كتاب الله يا أختاه للأستاذة نجوي الدمياطي.
    [25] مجلة البيان العدد 113.
    [26] موقع طريق الإسلام، رابط الصفحة  http://www.islamway....&series_id=3036