تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس تواضعًا، ومن تواضعه ما ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تُسمّى العضباء وكانت لا تُسْبَقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا سُبِقَتِ العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حقًا على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه».
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
- الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليمًا كثيرًا.
أَمّا بعد: عباد الله!، اتقوا الله واعلموا أن التواضع لله تعالى خلق عظيم من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تواضع لله تعالى رفعه في الدنيا والآخرة.
والتواضع صفة عظيمة وخلق كريم؛ ولهذا مدح الله المتواضعين فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] [1]؛ أي: يمشون في سكينة ووقار متواضعين غير أشرين ولا متكبرين، ولا مرحين، فهم علماء، حلماء، وأصحاب وقار وعفة[2].
والمسلم إذا تواضع رفعه الله في الدنيا والآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « »[3].
وهذا ما يفتح الله به للمسلم قلوب الناس؛ فإن الله يرفعه في الدنيا والآخرة، ويثبت له بتواضعه في قلوب الناس منزلة ويرفعه عندهم ويجلُّ مكانه[4]، أما من تكبر على الناس فقد توعده الله بالذل والهوان في الدنيا والآخرة؛ لحديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »[5].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس تواضعًا، ومن تواضعه ما ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تُسمّى العضباء وكانت لا تُسْبَقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا سُبِقَتِ العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »[6].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة فقد كان متواضعًا في دعوته للناس.
وقد وصف أبو مسعود رضي الله عنه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فكلّمه فجعل ترعُد فرائصُهُ فقال له: « » وزاد الحاكم في روايته عن جرير بن عبدالله: « »، ثم تلى جرير {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45][7].
فعلى جميع الناس أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان متواضعًا في دعوته مع الناس، فكان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، وتأخذه بيده الأمة فتنطلق به حيث شاءت، وكان في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، فكان متواضعًا من غير ذلة، جوادًا من غير سرف، رقيق القلب رحيمًا بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم[8]، صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل على تواضعه العظيم صلى الله عليه وسلم تفضيله للأنبياء عليهم السلام على نفسه: فقد قال له رجل: يا خير البرية! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « »[9]، وقال صلى الله عليه وسلم: « »[10].
ولاشك أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وسيد الناس أجمعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « » [11]، وقال صلى الله عليه وسلم: « »[12].
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن له بوَّابٌ يحجبه عن الناس[13]، وكان يرقي المرضى ويدعو لهم، ويمسح رأس الصبي ويدعو له[14]، وكان يشفع لأصحابه، ويقول: « »[15]، وقال لأنس رضي الله عنه: « » على سبيل الملاطفة والتواضع[16].
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا كان يَقمُّ المسجد أو امرأة سوداء، فماتت أو مات ليلًا، فدفنه الصحابة، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم أو فقده، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، قال: « » فكأنهم صغَّروا أمرها أو أمره، فقال: « » فدلوه فصلى عليها ثم قال: « »[17].
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقًا[18].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ} بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
- الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله!، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن التواضع خلق عظيم من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ويجب على العبد المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تواضعه، لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِـمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيْرًَا} [الأحزاب: 21].
فينبغي لكل مسلم أن يتواضع لله تعالى، اقتداءً بنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبدالله كما أمركم الله تعالى بذلك: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [19]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « »[20]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وجميع ولاة أمر المسلمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وسددنا، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [21]، عباد الله!، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [22]، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [23].
[1] سورة الفرقان، الآية: 63.
[2] انظر: مدارج السالكين 2/327.
[3] مسلم 4/2001، برقم 2588.
[4] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 16/142.
[5] مسلم مع النووي 16/173، برقم 2620، ولفظه "فمن ينازعني عذبته".
[6] البخاري مع الفتح 11/340، برقم 6501.
[7] ابن ماجه، برقم 3312، والحاكم 2/466، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/128، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4/497، برقم 1876، سورة ق، الآية: 45.
8] انظر: مدارج السالكين لابن القيم 2/328-329.
[9] مسلم، برقم 1369.
[10] البخاري، برقم 4630، ومسلم، 4/1846، برقم 2376.
[11] البخاري، برقم 3340 و3361 و4712، ومسلم، برقم 194.
[12] أبو داود برقم 4763 وصححه الألباني، 3/138.
[13] البخاري، برقم 1283.
[14] البخاري، برقم 7210.
[15] البخاري، برقم 1432، ومسلم، برقم 2627.
[16] مسلم، برقم 2151، 2152.
[17] مسلم، برقم 956.
[18] البخاري بنحوه برقم 6038، والترمذي بلفظه في الشمائل كما تقدم تخريجه.
[19] سورة الأحزاب، الآية: 56.
[20] مسلم، برقم 384.
[21] سورة البقرة، الآية: 202.
[22] سورة النحل: الآية: 90.
[23] سورة العنكبوت: الآية: 45.