أخي وصديقي.. أسفًا!

أبو الهيثم محمد درويش

الأزمة الأخلاقية التي تمرُّ بها مجتمعاتنا؛ تدعو الدعاة والمصلحين والمفكرين دعوة جادة للتأمُّل، والسعي لإصلاح ما فسد بين الناس؛ ليس على مستوى الخلافات الفردية بل على مستوى الإصلاح المجتمعي الشامل لمنظومة الأخلاق والتي تحتاج لتضافر الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه...

  • التصنيفات: دعوة المسلمين - الواقع المعاصر - الآداب والأخلاق -

بسم الله الرحمن الرحيم

ما نشاهده من سوء المعاشرة والخلافات بين الإخوة والأصدقاء في مجتمعاتنا سواءً على مستوى زمالة العمل والتي تشهد في الغالب -الأعم- العديد من الصراعات على الوصول للصدارة أو المكانة المالية، ونشاهد سوء العلاقة على مستوى صداقة الدراسة خاصةً في المجتمعات المختلطة التي يزيد فيها التنافس بين أبناء الجنسين على شد انتباه الآخر، خاصةً في المرحلة الجامعية والتي تتأتي في عنفوان المراهقة والرغبة لدى الجنسين، مما ينذر بخطر داهم على الأخلاق بين الجنسين وعلى مستوى علاقات الصداقة بين الجنس الواحد، وليت الفساد في العلاقات ناتج بسبب المنافسة والغيرة العلمية وإن كنا نُحذِّر منه هو الآخر مع ندرة حدوثه، كما نرى سوء العلاقة بين الجيران، بل وللأسف الشديد داخل العائلة الواحدة وبين أبناء المسجد الواحد إلا من رحم الله.

الأزمة الأخلاقية التي تمرُّ بها مجتمعاتنا؛ تدعو الدعاة والمصلحين والمفكرين دعوة جادة للتأمُّل، والسعي لإصلاح ما فسد بين الناس؛ ليس على مستوى الخلافات الفردية بل على مستوى الإصلاح المجتمعي الشامل لمنظومة الأخلاق والتي تحتاج لتضافر الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

تضافر جهود الدعاة والعلماء مع المصلحين مع علماء علم النفس التربوي والصحة النفسية مع مسئولي الإعلام -الذي يُفسِد أكثر مما يُصلِح- بل للأسف أصبح الإعلام أداة طيعة لإفساد ما تبقى لدى المجتمع من أخلاق، يجب أن تتدخل الأسرة مع المؤسسات التعليمية لإنقاذ أخلاق هذا الجيل والأجيال المقبلة.

وأذكِّر نفسي وأبنائي ببعض ما ورد في الأخوة الإيمانية وضرورة الإصلاح بين الناس:

أولًا: الأخوة الإيمانية

قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10].

وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران من الآية:103].

فجعل المولى عز وجل الأخوة مِنحة إلهية، ونفحة ربانية يهبها الله للمخلصين الصادقين، يُمحى بها الأحقاد الجاهلية، ويزيل بها العداوة والبغضاء فتتوحَّد القلوب.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» (رواه مسلم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ؟ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» (رواه مسلم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]» (رواه أبو داود).

روى أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره قال: "مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ جَالِسٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ؟». قَالَ: لَا. قَالَ: «قُمْ فَأَخْبِرْهُ، تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا»، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ -أَوْ قَالَ: أُحِبُّكَ لِلَّهِ-، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيهِ" (رواه أبو داود).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (رواه البخاري).

ثانيًا: الإصلاح بين الناس

قال العلامة العثيمين رحمه الله:

قال الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس} [النساء من الآية:114]، وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء من الآية:128]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال من الآية:1]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات من الآية:10].

"الإصلاح بين الناس:

هو أن يكون بين شخصين معاداة وبغضاء، فيأتي رجل مُوفَّقٌ فيُصلِح بينهما، ويُزيل ما بينهما من العداوة والبغضاء، وكلما كان الرجلان أقرب صلة بعضهما من بعض؛ فإن الصلح بينهما أوكد، يعني أن الصلح بين الأب وابنه أفضل من الصلح بين الرجل وصاحبه، والصلح بين الأخ وأخيه أفضل من الصلح بين العم وابن أخيه، وهكذا كلما كانت القطيعة أعظم؛ كان الصلح بين المتابغضين وبين المتقاطعين أكمل وأفضل وأوكد.

واعلم أن الصلح بين الناس من أفضل الأعمال الصالحة، قال الله عزَّ وجلَّ: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء من الآية:114]؛ أي إلا نجوى من أمر بصدقة.

والنجوى: الكلام الخفي بين الرجل وصاحبه، فأكثر المناجاة بين الناس لا خير فيها إلا من أمر بصدقةٍ أو معروف.

والمعروف: كل ما أمر به الشرع؛ يعني: أمر بخير.

{أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}: بين الرجل وصاحبه مفسدة، فيأتي شخص موفّق فيُصلِح بينهما، ويُزيل ما بين الرجل وصاحبه من العداوة والبغضاء.

ثم قال الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما} [النساء من الآية:114]، فبيَّن سبحانه في هذه الآية أن الخير حاصل فيمَن {أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، فهذا خير حاصل لا شك فيه، أما الثواب فقال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}" أ هـ (من شرح العلامة العثيمين لرياض الصالحين).

وأخيرًا:

اللهم اجمع قلوب المسلمين، ووحِّد صف الأمة، وأصلح قلوبنا أجمعين.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام