أيها السمح أين أنت؟!
أبو الهيثم محمد درويش
من الأسباب التي تبتعد بالمرء عن المسامحة وحسن المعاشرة سبب منتشر في مجتمعاتنا؛ ألا وهو الأثَرة وحب الدنيا والتشوُّف إليها وإيثارها على الآخرة...
- التصنيفات: تربية النفس - تزكية النفس - الواقع المعاصر - محاسن الأخلاق -
بسم الله الرحمن الرحيم
ممن اختصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء بالرحمة؛ ذاك الصنِف النادر من الناس الذي يتميز بالسهل الممتنع أو قل يكاد يكون ممتنعًا أو نادرًا في زماننا الحاضر.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «البخاري).
» (رواهقال الإمام ابن حجر رحمه الله في الفتح:
"قَوْلُهُ: «الألباني)، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَصَدَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ظَاهِرُهُ الْإِخْبَارُ لَكِنَّ قَرِينَةَ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ « » تَجْعَلُهُ دُعَاءً وَتَقْدِيرُهُ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ.
» يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَيَحْتَمِلُ الْخَبَرَ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَرَجَّحَهُ الدَّاوُدِيُّ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: « » (صحَّحهقَوْلُهُ: «
» بِسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ: سَهْلًا، وَهِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ، فَلِذَلِكَ كَرَّرَ أَحْوَالَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّقَاضِي، وَالسَّمْحُ الْجَوَادُ، يُقَالُ سَمْحٌ بِكَذَا إِذَا جَادَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُسَاهَلَةُ.قَوْلُهُ: «
» أَيْ: طَلَبَ قَضَاءَ حَقِّهِ بِسُهُولَةٍ وَعَدَمِ إِلْحَافٍ، فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ التِّينِ: « » أَيْ: أَعْطَى الَّذِي عَلَيْهِ بِسُهُولَةٍ بِغَيْرِ مَطْلٍ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: « » (صحَّحه الألباني)، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ رَفَعَهُ: « » (حسَّنه الألباني)، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوُهُ وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَتَرْكُ الْمُشَاحَةِ وَالْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذُ الْعَفْوِ مِنْهُمْ" أ هـ (من فتح الباري لابن حجر).ومن الأسباب التي تبتعد بالمرء عن المسامحة وحسن المعاشرة سبب منتشر في مجتمعاتنا؛ ألا وهو الأثَرة وحب الدنيا والتشوُّف إليها وإيثارها على الآخرة.
لذا؛ كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همي.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: «
» (رواه الترمذي، رقم: [3502]، وقال: "حسنٌ غريب". وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي).قال المباركفوري رحمه الله: "«الهم فيما لا بد منه في أمر المعاش مرخص فيه، بل مستحب، بل واجب.
» أي: لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا، بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفًا في عمل الآخرة، وفيه أن قليلًا من«
» أي: غاية عِلمنا، أي: لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا نتفكِر إلا في أمور الدنيا، بل اجعلنا متفكِرين في أحوال الآخرة، متفحِّصِين من العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الآخرة، والمبلغ الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده.«
» أي: لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة، أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين، فإن الظالم لا يرحم الرعية" [انتهى باختصار] (تحفة الأحوذي: [9/ 475-477]).اللهم ارحمنا، واجعلنا ممن أخبر نبيك عنهم وخصَّهم بالدعاء بالرحمة.