أعوذ بك من النفاق

أبو الهيثم محمد درويش

يكاد المسلم في عصرنا الحاضر لا يتهم نفسه على الإطلاق -إلا من رحم الله- بل والأدهى والأمر أن الكثير من المسلمين يسارعون باتهام غيرهم ورميهم بالنفاق! على المسلم أن يهتم بقلبه وأن يحذر النفاق، وأن يتخذ الوسائل لسلامة القلب، ويلتمس من الله الثبات ويتضرع إليه، يسأله ويرجوه أن يتوفاه ثابتاً سليماً معافى بلا نفاق

  • التصنيفات: أعمال القلوب - الطريق إلى الله -

قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه" (رواه البخاري)، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يدركون أسباب النجاة الحقيقية، وهي سلامة القلب من النفاق ومن كل ما يكدره ويحجزه عن طريق الله عز وجل.

قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء:89]، جاء في أحكام القرآن لابن العربي فيه قولان..
أحدهما: أنه سليم من الشرك قاله ابن عباس.
الثاني: أنه سليم من رذائل الأخلاق.

فقد روي عن عروة أنه قال: "يا بني لا تكونوا لعانين، فإن إبراهيم لم يلعن شيئا قط، قال الله: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}" [الصافات:84]، وقال قوم: "معناه لديغ، أحرقته المخاوف، ولدغته الخشية"، وقد قال بعض علمائنا: "إن معناه إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك، فأما الذنوب فلا يسلم أحد منها"، والذي عندي أنه لا يكون القلب سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا، معجبًا متكبرًا، وقد شرط النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والله الموفق برحمته.

والنفاق نوعان: (نفاق أكبر) وهو النفاق العقدي الذي يكفر صاحبه، وهو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر كما كان المنافقون قديماً يقولون: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ . يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8، 9]، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14].

والنوع الثاني: (النفاق الأصغر) وهو النفاق العملي ولا يكفر صاحبه، ومن أمثلته الصفات الأربع المذكورة في حديث الصحيحين: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلصة منهن كانت فيه خلصة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان، وإذاحدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، وأما التوبة من النفاق فقد شرعها الله تعالى ورغب فيها وبين قبولها إن صدق صاحبها فيها وأقلع عن النفاق وأعماله، فقد قال تعالى:  {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 145-146].

ومن آيات النفاق الأكبر:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:60-61]، وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا . وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء:138-140]، وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا . مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:142-143].

وجاء عنهم أيضاً:
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} [التوبة:64].
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:67].
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب:12].
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:24]
{وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب:48]
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا} [الاحزاب:60]

وأخيراً:
للأسف الشديد يكاد المسلم في عصرنا الحاضر لا يتهم نفسه على الإطلاق -إلا من رحم الله- بل والأدهى والأمر أن الكثير من المسلمين يسارعون باتهام غيرهم ورميهم بالنفاق! على المسلم أن يهتم بقلبه وأن يحذر النفاق، وأن يتخذ الوسائل لسلامة القلب، ويلتمس من الله الثبات ويتضرع إليه، يسأله ويرجوه أن يتوفاه ثابتاً سليماً معافى بلا نفاق.
اللهم إنا نعوذ بك من النفاق.

المصدر: موقع طريق الإسلام