مسألة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

علوي عبد القادر السقاف

بحسب المسلم أنْ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم.

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - قضايا إسلامية معاصرة - الولاء والبراء -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد:
فقد كثر الكلام والأخذ والرد حول قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما أرسل برسالة إلى كفار قريش يُعلمهم فيها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهل يعد فعله الذي قام به من النفاق الأكبر أم من النفاق الأصغر؟
ووجه إلي أحد الأفاضل سؤالاً عن ذلك فأجبته:

اعلم أخي الكريم وفقني الله وإياك أنَّ هذه المسألة –أعني هل فعل حاطب رضي الله عنه يُعدُّ كفراً أم لا؟- من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، وأصل منشأ الخلاف هو: هل الموالاة بجميع صورها تُعدُّ كفراً أم أنَّ منها ما هو كفر ومنها ما دون ذلك؟ وهل هناك فرقٌ بين الموالاة والتولي؟ وهل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة من الآية:51] أي كافر مثلهم، أم هو كقوله صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقوم فهو منهم» (أبو داود [431]، وابن أبي شيبة في (المصتف) [471/6]) ومعلوم أن ليس كلُّ تشبهٍ بالكفار يعد كفراً، فإذا علمت ذلك تبين لك خطأ من يجعل هذه المسألة من مسائل العقيدة ويبدع من لم يقل بقوله، فإما جعله مرجئاً أو خارجياً، وهذا مما ابتليت به الأمة في الآونة الأخيرة.

أما مسألة الموالاة والمعاداة ومظاهرة الكافرين على المسلمين فهي من مسائل العقيدة بل أصلٌ من أصول التوحيد، وأما تكفير حاطب رضي الله عنه فلم يقل به أحدٌ من أهل السنة فهو صحابي بدري قد وجبت له الجنة، وإليك البيان بشيء من الإيجاز والاختصار:

الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب رضي الله عنه كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب رضي الله عنه من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب رضي الله عنه من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية رحمهم الله، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
   وعمدة من يقول أن الموالاة نوع واحد وأنها كفر، قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة من الآية:23]. قالوا لم ترد الموالاة في القرآن إلا بوصف الكفر، قال ابن جرير: "ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا هو به وبدينه".
وقال ابن حزم في (المحلى) [11/138]: "وصح أنَّ قول الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين".
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في (مجموع الفتاوى) [1/274]: "وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم" ثم استشهد بالآيتين السابقتين.
هذه مقدمة لابد منها قبل الإجابة على سؤالكم: هل فعل حاطبٍ رضي الله عنه كان كفراً أم لا؟
واعلم أن قصة حاطب رضي الله عنه رواها البخاري في الصحيح [3007،4272،4890،6259]، ومسلم في الصحيح [4550]، وأبو داود في السنن [3279]، والترمذي في الجامع [3305]، وأحمد في المسند [3/350]، وأبو يعلى في المسند [4/182]، وابن حبان في صحيحه [11/121]، والبزار في مسنده [1/308]، والحاكم في المستدرك [4/87]، والضياء في الأحاديث المختارة [1/286]، وغيرهم، وقد جمعت لك ما صحَّ من رواياتهم في سياق واحد وأصلها من صحيح البخاري ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ». فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ. فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ عُمَرُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ". "دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ" "فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ"
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت».
قَالَ حَاطِبٌ: "وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، "وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام، "وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا"، "وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ"ِ "مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ" "أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ"، "فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله" أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا».
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ.
فَقَالَ: «أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فأنت ترى أنَّ حاطباً رضي الله عنه شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاته لكفار قريش، وظهر له أنَّ هذا كفرٌ وردة لكنه يعلم من نفسه أنه لم يفعله ارتداداً عن دين الله فقال: "ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وما غيرت ولا بدلت -أي ديني- أما إني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً" إذن هذا العمل بمجرده يُعَدُّ كفراً وارتداداً وغشاً ونفاقاً، وكأنه رضي الله عنه ذُهل عن هذا الأمر أثناء الوقوع في المعصية بعذر قدَّمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: "أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي"، فإمَّا أن يقال كان جاهلاً وما تبين له هذا إلا بعد أن استجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال كان رضي الله عنه متأولاً وهذا أصوب بدليل أنه قال كما صحت به رواية أحمد وأبو يعلى وابن حبان: "أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ" فهو يعلم أن المولاة كُفر لكنه لا يَعِدُّ ما فعله موالاة -تأولاً- لثقته أن الله ناصرٌ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما صحت به رواية البزار والحاكم والضياء من قوله: "كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله"، فهو لثقته الكبيرة بربه ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحموا له أهله لكن لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الحافظ في الفتح [8/634]: "وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ, وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ, فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَنْ لا ضَرَر فِيهِ"، ويؤكد ذلك لفظ الخِطاب –إن صح- فقد قال الحافظ في الفتح [4274]: "وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي (تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام) أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: "أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده. فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام" كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ" وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لقريش، كلُّ ذلك جعل حاطباً رضي الله عنه يتأول أن ليس في هذا موالاة لكفار قريش، وكيف يواليهم وهو الصحابي البدري؟! والواقع أن قصة حاطب وقصة قدامة ابن مظعون رضي الله عنهما الذي استباح شرب الخمر متأولاً أنه لاجناح على الذين آمنوا أن يطعموها من أقوى ما يمكن أن يستشهد به على أنَّ التأويلَ مانعٌ من موانع التكفير.

أمَّا عمر رضي الله عنه فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً رضي الله عنهما بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر -رضي الله عنه وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب رضي الله عنه إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر رضي الله عنه ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن. قال ابن حزم في (الفصل) [3/143]: "وقد قال عمر رضي الله عنه  بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ([/282]: "إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك"، ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب رضي الله عنهما.
أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر رضي الله عنه قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت –أي ديني- فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
   إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب رضي الله عنه من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى[7/523]: "وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} [الممتحنة من الآية:1]"، والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ كما في (عيون الرسائل والأجوبة على المسائل) [1/179].
لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على المسلمين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: "الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة من الآية:51]"، وقال الشيخ حمد بن عتيق في (الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع) (ص:32): "وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين"، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله  في (مجموع الفتاوى) [1/274]): "وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم".
  
والخلاصة:
   أنْ نقول إنَّ حاطباً رضي الله عنه حصل منه نوع موالاةٍ للكفار، فمن قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه رضي الله عنه من النوع غير المُكفِّر، وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً رضي الله عنه كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد، ولذلك لَمَّا سئل الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ عن مسألة سبَبت خلافاً بين أهل السنة في زمانه عن الموالاة والمعاداة هل هي من معنى لا إله إلا الله، أو من لوازمها؟ أجاب: "الجواب أنَّ يقال: الله أعلم، لكن بحسب المسلم أنْ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، وأمَّا كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، وإنما كلفنا بمعرفة أنَّ الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، فمن عرف أنَّ ذلك من معناها، أو من لازمها، فهو خير، ومن لم يعرفه، فلم يُكلف بمعرفته، لاسيما إذا كان الجدل والمنازعة فيه مما يفضي إلى شرٍ واختلافٍ، ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله وعادوا المشركين ووالوا المسلمين، فالسكوت عن ذلك متعين" انتهى كلامه. انظر: (مجموعة التوحيد) ص:[69].

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المصدر: الدرر السنية