كيف تكسب ليلة القدر؟
لو عشت عشرين سنة بعد بلوغك، وكنت ممن يستغل كل ليالي العشر بالعبادة، لكان خير من 1660 سنة بإذن الله، وبهذا نحقق السبق يوم القيامة، وذلك باستغلال فرص لم تكن للأمم السابقة من اليهود والنصارى. لذلك منذ أن يدخل شهر رمضان ادع الله أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول. ماذا تفعل في هذه الليلة؟
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
الحمد لله الذي فرض علينا صيام شهر رمضان وسنَّ لنا قيامه، والصلاة على خيرة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم القائل: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: صلاة التراويح ب: 1، فضل ليلة القدر [2/709]، ح: [1910]). و« » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الإيمان ب: 6، تطوع قيام رمضان من الإيمان [2/22]، ح [37]).
وإن من الحرمان أن نرى كثيراً من المسلمين في هذا الشهر المبارك يقضون أوقاتهم فيما لا ينفعهم، فتجدهم ما بين نائم أو سامر يقع في عرض إخوانه أو مستقرقاً في مشاهدة القنوات الفضائية الهابطة، والأفلام والمسلسلات الرمضانية -كما يسمونها- وحاشا رمضان أن يكون له أفلام، أو مسلسلات مع ما فيها من اختلاط النساء بالرجال، والموسيقى، وما هو أشنع من ذلك.
لذلك لا بد من تجديد التوبة في هذا الشهر، فهذه فرصتنا للأسباب التالية:
أ- أن مردة الشياطين تصفد، كما روى أبو هريرة رضي الله تعالىعنه مرفوعاً: « » (أخرجه النسائي في سننه الصغرى، ك: الصيام ب: فضل شهر رمضان [ص:336]، ح: [2106]).
ب- الإقبال النفسي على فعل الخيرات في هذا الشهر ما لا تستطيعه في الأشهر الأخرى.
ج- أن الصوم في نهار رمضان يمنع من القيام بكثير من المعاصي.
ولو كان أمام أعيننا أنه قد يكون آخر رمضان نصومه لسهلت علينا التوبة، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، أما نحن فقد بلغناه الله عز وجل فلندعوه أن يعيننا على صيامه وقيامه.
مقارنة بين أعمارنا وأعمار الأمم السابقة:
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: « » (أخرجه ابن حبان في صحيحه، ك: الجنائز، فصل في أعمار هذه الأمة [7/246]، ح: [2980]). كانت أعمار السابقين مئات السنين، فهذا نوح عليه السلام لبث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: « ». فكيف يكون لنا السبق، ونحن أقل أعماراً؟! يكون ذلك باستغلال الفرص والتسابق إليها كما يتسابق الناس على الوظائف، والتسجيل في الجامعات، وعلى التخفيضات أيضاً.
ومن أعظم هذه الفرص، الحرص على ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن لم يكن، فعلى الأقل ليلة 21، 23، 25، 27، 29؛ لأن الراجح أن ليلة القدر لن تعدو إحدى هذه الليالي كما قال صلى الله عليه وسلم: « ». إلا إذا كان هناك اختلاف بين دول العالم الإسلامي في دخول رمضان، فإن الأحوط العمل كل ليالي العشر. قال سبحانه وتعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3]. منذ أن يؤذن المغرب إلى أن يؤذن الفجر في الغالب لا يتجاوز 12 ساعة.
فكم سنة تعدل ليلة القدر؟ أكثر من ثلاث وثمانين سنة!! فلو حرصت كل الحرص على هذه الليلة حتى لا تفوتك، وذلك بقيام كل ليالي العشر الأخيرة، واستغلال كل ليلة منها كأحسن ما يكون الاستغلال كقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كما روت عنه عائشة رضي الله عنها: "أنه إذا دخل العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله".
ولنحسب عمر واحد مِنّا حرص على القيام في ليالي الوتر لمدة عشر سنوات، فسنجد أن عمره يساوي أكثر من 83 سنة بإذن الله، ولو عشت عشرين سنة بعد بلوغك، وكنت ممن يستغل كل ليالي العشر بالعبادة، لكان خير من 1660 سنة بإذن الله، وبهذا نحقق السبق يوم القيامة، وذلك باستغلال فرص لم تكن للأمم السابقة من اليهود والنصارى. لذلك منذ أن يدخل شهر رمضان ادع الله أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول.
ماذا تفعل في هذه الليلة؟
- الاستعداد لها منذ الفجر، فبعد صلاة الفجر تحرص على أذكار الصباح كلها، ومن بينها احرص على قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة، لماذا؟ لما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: بدء الخلق ب: 11، صفة إبليس وجنوده [ص:266]، ح: [3293]).
الشاهد: "كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي" حتى لا يدخل عليك الشيطان فيصرفك عن الطاعة.
- احرص على أن تفطر صائماً، إما بدعوته، أو بإرسال إفطاره، أو بدفع مال لتفطيره، وأنت بهذا العمل تكون حصلت على أجر صيام شهر رمضان مرتين لو فطرت كل يوم منذ أن يدخل الشهر إلى آخره صائماً لما رواه زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (أخرجه ابن حبان في صحيحه، ك: الصوم ب فضل الصوم، ذكر تفضيل الله جل وعلا بإعطاء المفطر المسلم مثل أجره [8/216]، ح [3429]).
- عند غروب الشمس ادع أيضاً أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر.
- جهز صدقتك لهذه الليلة من ليالي العشر، وليكن لك ادخار طوال السنة لتخريجه في هذه الليالي الفاضلة فلا تفوتك ليلة من ليالي الوتر إلا وتخرج صدقتها، فالريال إذا تقبله الله في ليلة القدر قد يساوي أكثر من ثلاثين ألف ريال، و 100 ريال تساوي أكثر من 300 ألف ريال وهكذا، وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -فرسه-، » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الزكاة، ب: الصدقة من كسب طيب [ص:111]، ح: [1410]).
وروى أبو هريرة أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجراً؟" قال: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الزكاة ب: 11، فضل صدقة الشحيح الصحيح [ص:111]، ح: [1419]).
فإن أخفيتها كان أعظم لأجرك فتدخل بإذن الله ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، لما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الزكاة ب: 16، الصدقة باليمين [ص:112]، ح: [(1423]).
- منذ أن تغرب الشمس احرص على القيام بالفرائض والسنن، فمثلاً منذ أن يؤذن ردد مع المؤذن ثم قل: "وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً"، فمن قال ذلك غُفر له ذنبه كما روي عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً (أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، ك: الصلاة ب: 62، فضيلة الشهادة لله عز وجل بوحدانيته [1/220]، ح: [421]).
ثم قل: "اللهم رب هذه الدعوة التامة... إلخ"، لما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الآذان ب الدعاء عند النداء [1/222]، ح: [589]).
- ثم بكر بالفطور احتساباً، وعند تقريبك لفطورك ليكن رطباً محتسباً أيضاً، ولا تنس الدعاء في هذه اللحظات، وليكن من ضمن دعائك: "اللهم أعني ووفقني لقيام ليلة القدر"، ثم توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بادر بالنافلة بين الأذان والإقامة؛ لما رواه أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء" (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الأذان ب: 14، كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر إقامة الصلاة [ص:50]، ح: [625]).
ثم صل صلاة مودع [1] كلها خشوع واطمئنان، ثم اذكر أذكار الصلاة، ثم صل السنة الراتبة، ثم اذكر أذكار المساء -إن لم تكن قلتها عصراً- ومنها "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ لتكون في حرز من الشيطان ليلتك هذه حتى تصبح، كما سبق أن ذكرنا، ثم نوِّع في العبادة:
- لا يفتر لسانك من دعائك بـ « ».
- إن كان لك والدان فبرهما وتقرب منهما، واقض حوائجهما وافطر معهما.
- ثم بادر بالذهاب إلى المسجد قبل الأذان، لتصلي سنة دخول المسجد، ولتتهيأ بانقطاعك عن الدنيا ومشاغلها علك تخشع في صلاتك، ثم إذا أذن ردد معه وقل أذكار الأذان ثم صل النافلة، ثم اذكر الله حتى تقام الصلاة، أو اقرأ في المصحف، واعلم أنك ما دمت في انتظار الصلاة فأنت في صلاة كما روى ذلك أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ث» (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: بدء الخلق باب: « » [3/1180] ح: ([3057]).
- ثم إذا أقيمت الصلاة صلِّ بخشوع، فكلما قرأ الإمام آية استشعر قراءته، وكن مع كلام ربك حتى ينصرف الإمام.
- ثم عد إلى بيتك، ولا يكن هذا هو آخر العهد بالعبادة حتى صلاة القيام، بل ليكن في بيتك أوفر الحظ والنصيب من العبادة سواء بالصلاة أو بغيرها.
- ولا تنسَ -قبل خروجك من المسجد- أن تضع صدقة هذه الليلة، وإذا كان يصعب عليك إخراج صدقة كل ليلة من هذه الليالي فمن الممكن أن تعطي كل صدقتك قبل رمضان أو قبل العشر الأواخر جهة خيرية توكلها بإخراج جزء منها كل ليلة من ليالي العشر.
- ولا تنس وأنت في طريقك من وإلى المسجد أن يكون لسانك رطباً من ذكر الله، ولا تنس سيد الاستغفار هذه الليلة: »، قال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ك: الدعوات، ب: أفضل الاستغفار [5/2323]، ح: [5947]).
وما بين تهليل وتسبيح وتحميد وتكبير وحوقلة؛ لما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « »، قيل: "وما هن يا رسول الله؟" قال: « » (أخرجه ابن حبان في صحيحه باب الأذكار، ذكر البيان بأن الكلمات التي ذكرناها مع البشرى من الحول والقوة إلا بالله مع الباقيات الصالحات [3/121]، ح: [840]).
وما بين صلاة على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فإذا دخلت بيتك تلمَّس حاجة من هم في البيت، سواء والداك أو زوجتك أو إخوانك أو أطفالك، فقم بخدمة الجميع بانشراح الصدر واحتساب واستغل القيام بحوائجهم بقراءة القرآن عن ظهر قلب، فقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في الأجر، كما روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: » قال: "وكيف يقرأ ثلث القرآن؟" قال: «{قُلْ هُوَ الله أَحَدُ} [الإخلاص:1] » (أخرجه مسلم في صحيحه).
فإذا قرأتها ثلاث مرات حصلت على أجر قراءة القرآن كاملاً، ولكن ليس معنى هذا هجر القرآن، ولكن هذا له أوقات وهذا له أوقات، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوُنَ} [الكافرون:1]؛ تعدل ربع القرآن في الأجر (أخرجه الترمذي).
وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، أخرجه سعيد بن منصور في سننه، كما قاله عبد الله موقوفاً، ثم قل: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ ليكون لك عدل عشر رقاب، ولتكتب لك مئة حسنة، وتمحى عنك مئة سيئة، ولتكن حرزاً لك من الشيطان حتى تصبح ولم يأت بأفضل مما جئت به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، واحرص على كل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأذكار ذات الأجور العظيمة، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمه: « » (ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح: [2612]).
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه مسلم في صحيحه، ح: [2691])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه مسلم في صحيحه، ح: [2692]).
وفي بعض الروايات: « » (ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح: [6301]).
وكلما ذُكرت الكفارة أو الغفران -غفران الذنوب- وحط الخطايا، فالمقصود بها الصغائر، أما الكبائر فلا بد من التوبة، أما إن كانت هذه الكبيرة متعلقة بحقوق الآدميين فلا بد من الاستحلال مع التوبة أو المقاصة يوم القيامة؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ح: [2449]).
ولا يغرك في الغيبة ما يردده البعض أن كفارة من اغتبته أن تستغفر له، فهذا حديث أقل أحواله أنه شديد الضعف، وهو يعارض الحديث السابق الصحيح، ومن أعظم حقوق الآدميين: الغيبة والنميمة والسخرية، والاستهزاء والسب، والشتم وشهادة الزور، قال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه مسلم في صحيحه، ح: [552]).
فإذا فرغت من خدمة الجميع والأعمال البدنية، ليكن لك جلسة مع كتاب ربك فتقرأه، وليكن لك قراءتان في شهر رمضان إحداهما سريعة "الحدر" والأخرى بتأمل مع التفسير إذا أشكل عليك آية، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".
فإذا أنهك جسدك فألقه على السرير وأنت تذكر ربك بالتهليل والتسبيح والتحميد والحوقلة والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
- فإن نمت فأنت مأجور -بإذن الله- ثم استيقظ لصلاة قيام الليل في المسجد، وليكن لك ساعة خلوة مع ربك ساعة السحر فتفكر في عظمة خالقك، ونعمه التي لا تحصى عليك مهما كنت فيه من حال أو شدة فأنت أحسن حالاً ممن هو أشد منك كما قال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه مسلم في صحيحه [7430]).
- وتذكر هادم اللذات علّ عينيك أن تدمع فتكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما قال صلى الله عليه وسلم: « ....» (أخرجه البخاري في صحيحه، ح: [660] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
- وتذكر ما رواه جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ...» الحديث (ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح: [75]). فهذه العشر هي والله الغنيمة الباردة، وفي هذا الشهر فرص ومواسم من لم يستغلها تذهب ولا ترجع.
- أخيراً وقبيل الفجر لا بد من السحور ولو بماء، مع احتساب العمل بالسنة؛ لما رواه أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ح: [1923]).
ثم تسوَّك وتوضأ واستعد لصلاة الفجر وأنت إما في ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن.
- ولا بد من التنبيه على بعض الأخطاء، ومنها:
1- أن البعض قد يشيع في ليلة 23 أو 25 أن فلاناً رأى رؤياً، وأن تعبيرها أن ليلة القدر مثلاً ليلة 21 أو 23. فماذا يفعل البطالون؟ يتوقفون عن العمل باقي ليالي العشر، حتى أن البعض قد يكون في مكة فيعود، لماذا؟ انقضت ليلة القدر في نظره. وفي هذا من الأخطاء ما فيها، ومنها: أن هذا قد يكون حلماً وليس رؤياً.
أن المعبر حتى وإن عبرها بأنها ليلة 21 أو 23 أو غيرها ليس بشرط أن يكون أصاب، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عبر رؤيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: « » (أخرجه البخاري في صحيحه، ح: [7046]).
فإذا كان أبو بكر وهو خير الخلق بعد الأنبياء يصيب ويخطئ، فما بالك بغيره، والذي يظهر لي أن هذا من تلبيس إبليس، ليصدّ المؤمنين عن العمل باقي ليالي العشر. والله أعلم.
وأخيراً؛ الأيام معدودة، والعمر قصير، ولا تعلم متى يأتيك الأجل، ولا تدري لعلك لا تبلغ رمضان، وإن بلغته لعلك لا تكمله، وإن أكملته لعله يكون آخر رمضان في حياتنا.
فهذا يخرج من بيته سليماً معافى فينعى إلى أهله، وهذا يلبس ملابسه ولا يدري هل سينزعها أم ستنزع منه؟
لذلك كله علينا أن نستحضر هذه النعمة العظيمة أن بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه وصالح الأعمال، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، وكم من مريض مر عليه رمضان كغيره من الشهور، وكم من عاص لله ضال عن الطريق المستقيم ما ازداد في رمضان إلا بعداً وخساراً، وأنت يوفقك الله للصيام والقيام، فاحمد الله على هذه النعمة الجليلة، واستغلها أيما استغلال.
ـــــــــــــ
1- (ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير [3/244]، ح: [3670] وعزاه لأبي محمد الإبراهيمي في كتاب الصلاة، ولابن النجار من رواية ابن عمر وحكم عليه بأنه حسن).
لطيفة بنت عبد الله الجلعود