الصيام عن الحلال والإفطار على الحرام!

رأينا من صام عن الحلال وأفطر على الحرام من (إعلام) مغرض موجّه مأجور، يفتقد لأبسط قواعد المهنية ولم يحترم عقول الناس في المصداقية، وتجاهل ما يرونه بأم أعينهم من أحداث واقعية. إن الإعلام لم يغض الطرف عن الحقيقة فحسب بل أصر على أن يشهد الزور، ويغشى الفجور، ويقلّب الأمور، ويثير الفتنة، ويبث روح العداء والكراهية في المجتمع بالشحن والتهويل والتحريض.

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن امرأتين صامتا، وأن رجلاً قال: "يا رسول الله: إن ها هنا امرأتين قد صامتا وإنهما كادتا أن تموتا من العطش"، فأعرض عنه أو سكت، ثم عاد -وأراه قال بالهاجرة (من القيلولة)- قال: "يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا"، قال: «ادْعُهُمَا»، قال: فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس، فقال لإحداهما: «قِيئِي»، فقاءت قيحاً أو دماً وصديداً ولحماً، حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى: «قِيئِي»، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: «إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ (الطعام والشراب)، وَأَفْطَرَتَا عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ، عز وجل، عَلَيْهِمَا، جَلَسَتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى، فَجَعَلَتَا يَأْكُلاَنِ لُحُومَ النَّاسِ».. الحديث (أخرجه الإمام أحمد [5/431] [24053])، وللعلماء فيه كلام.

نرى في الحديث الشريف صورة بشعة منفرة -من القيء بالقيح والدم الأسود- لمن يصوم ويتحمل حرارة العطش، ومرارة الجوع بيد أنه لحماقته يُفطر على ما حرّم الله من الغيبة والنميمة. كما نرى في الحديث أن الصوم عند البعض لا يتعدى الشكل إلى المضمون، فما أضاء عندهم عقلاً، ولا هدى نفساً، ولا طهّر قلباً، ولا هذّب لساناً، وبذلك يصبح الصوم كغيره من سائر العبادات عند البعض صورةً لا حقيقة، وجسماً لا روح، كما جاء في الحديث: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» (رواه ابن ماجة).

ويبدو أن هذا السلوك من الاهتمام بالشكل دون المضمون، ومن الصوم عن الحلال والإفطار على الحرام، لم يقتصر على رمضان فحسب، بل تجاوز غير رمضان، حتى أصبح منهج حياة عند بعض الناس. فرأينا من صام عن الحلال وأفطر على الحرام من (إعلام) مغرض موجّه مأجور، يفتقد لأبسط قواعد المهنية ولم يحترم عقول الناس في المصداقية، وتجاهل ما يرونه بأم أعينهم من أحداث واقعية. إن الإعلام لم يغض الطرف عن الحقيقة فحسب بل أصر على أن يشهد الزور، ويغشى الفجور، ويقلّب الأمور، ويثير الفتنة، ويبث روح العداء والكراهية في المجتمع بالشحن والتهويل والتحريض.

ورأينا (نخبة) مزيّفة تعاني -في حقيقتها- من جهالة علمية، وأزمة ثقافية، وهي عن جذور الأمة وتاريخها وهويتها في ضلالة عميّة. هذه النخبة، قد كثر لغطها في هذه الأيام، فاعتلت كثيراً من المنابر الإعلامية، لتزييف الوعي، وتحريف الكلم عن مواضعه. تأمل ما قاله الشيخ (الغزالي) رحمه الله في هؤلاء: "إن الاستعمار الثقافي سكت ليتكلم بدلاً عنه أناس من جلدتنا وينطقون بألسنتنا يحترمون كل تراث إلا التراث الإسلامي، ويؤثرون كل انتماء إلا الانتماء الإسلامي".

إنهم كما قال أحد المفكرين: يرضون أن يحكمهم (شارون أو نتنياهو) ولا يحكمهم رئيس ذو مرجعية إسلامية! ولذا تعاون هؤلاء مع من انقلب من أباطرة الفساد -وفراعنة الاستبداد- على ديمقراطية الدستور وجاء بديمقراطية الدبابات التي دهست كل ما اكتسبناه من ثورة 25 يناير من انجازات، وانتهكت الحقوق والحرمات، وأغلقت بعض القنوات، وزجّت بالبعض في المعتقلات.

وإذا كان مآل من صام عن الحلال وأفطر على الحرام وانتهك حرمات الناس بالغيبة، كما جاء في الحديث -أعلاه- تلك الصورة الشنيعة من القيء بالقيح والدم الأسود، فكيف يكون مآل من لم يصم عن ماء الحياة فحسب بل صام عن ماء الوجه والحياء، وأفطر على إراقة الدماء وإلصاق التهم بالأحرار الأبرياء؟!
ولله درّ من قال:
 


إذا قَل ماء الوَجهِ قَل حَياؤُهُ *** وَلا خَير في وَجه إذا قَل ماؤُه
حَياؤُكَ فَاحفَظه عَلَيكَ فَإِنَّما *** يَدل عَلى فَضلِ الكَريم حَياؤُه

 

إبراهيم التركاوي