رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

أبو مالك محمد عيسى

اصطفى الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه واّله وسلم برسالته ففور وصول الاصطفاء انطلقا النبي محمد صلى الله عليه واّله وسلم كما قال تعالى في محكم آياته بعد أن اتفق سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر عليه السلام على مرافقته في طلب العلم

اصطفى الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه واّله وسلم برسالته ففور وصول الاصطفاء انطلقا النبي محمد صلى الله عليه واّله وسلم كما قال تعالى في محكم آياته بعد أن اتفق سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر عليه السلام في مرافقته لطلب العلم فقال تعالى {فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف:71] الفاء هنا تفيد السرعة  وانطلق في اللغة معناها  اندفع بسرعة ومعناها  أنهم لم ينتظروا عليهما السلام ولكن انطلقوا مسرعين من أجل الله عز وجل فمن هنا انطلق النبي محمد صلى الله عليه واّله وسلم مسرعًا من أجل الدعوة الي الله تعالى فانطلق إلي أمنا خديجة رضي الله عنها وأبا بكر الصديق خليفة المؤمنين فيما بعد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة الرابع للمسلمين فيما بعد انطلاقة رهيبة

وهي نفس الانطلاقة لأمنا خديجة رضي الله عنها فور إيمانها بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأخذته فانطلقا إلي ورقة بن نوفل رضي الله عنه

وهي نفس الانطلاقة الرائعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فور إيمانه بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فانطلقا  فعاد بأسود لدين الله تعالى فعاد بكلًا من عثمان بن عفان خليفة المسلمين فيما بعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين كل هذا من أجل الدين لا يوجد تفكير فور إسلامك فور إعلان توبتك لله تعالى انطلق في الدعوة إلي الله تعالى ماذا تنتظر !!!.

هذه الانطلاقة العظيمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر الصديق رضي الله عنه ليصدُق فيهم قول الله تعالى : {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الاحزاب:23]

رجال عظماء في دين الله تعالى ولم ينحصر الأمر على الرجال بل هناك نساء تزن ألوف الرجال وأكثر فها هي أمنا سمية  بنت خياط أم عمار بن ياسر التي حافظت وتمسكت بدينها وذات يوم مر عليها أبو جهل فسمعها تردد كلمات الإيمان: أحد. أحد. الله أكبر. الله أكبر. فأمرها أن تكفر بمحمد ودينه فامتنعت فأخذ حربة فطعنها بها فسقطت شهيدة وكانت رضي الله عنها كبيرة السن، عظيمة الإيمان، ضعيفة الجسم، قوية اليقين، رمزًا للصمود، وأمارة على قوة العقيدة، فلما كان يوم بدر قُتل أبو جهل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم  لعمار: "قتل الله قاتل أمِّك" [رواه ابن سعد].

فماتت دفاعًا عن الدين وكأنها استمدت قوة الإيمان من ماشطة بنت فرعون كما ثبت ‏عَنِ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏‏قَالَ ‏ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « ‏لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي ‏‏أُسْرِيَ ‏‏بِي فِيهَا ، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ، فَقُلْتُ : يَا ‏جِبْرِيلُ ‏،‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ ؟ فَقَالَ : هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا شَأْنُهَا ؟ قَالَ : بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ ‏‏فِرْعَوْنَ ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ سَقَطَتْ ‏‏الْمِدْرَى ‏‏مِنْ يَدَيْهَا ، فَقَالَتْ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ ‏ ‏فِرْعَوْنَ :‏ ‏أَبِي ؟ قَالَتْ : لا ، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ ، قَالَتْ : أُخْبِرُهُ ‏‏بِذَلِكَ ! قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَخْبَرَتْهُ ، فَدَعَاهَا فَقَالَ : يَا فُلانَةُ ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ‏ ‏تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا ، قَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ : أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا ، قَالَ : ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ ، قَالَ : يَا ‏‏أُمَّهْ ؛‏ ‏اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَاقْتَحَمَتْ»   . ‏‏قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ‏تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ : ‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام ،‏ ‏وَصَاحِبُ ‏جُرَيْجٍ ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏يُوسُفَ ‏، ‏وَابْنُ ‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. (رواه كلا من الامام أحمد في مسنده: [1/309 ] والطبراني: [12280] وابن حبان [2903] )

لتصمد بعدها بسببها آسيا زوجة فرعون التي طلبت بيت في الجنة فقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [التحريم:11] .

فهذه نساء تزن ألوف الرجال من أجل الدفاع وخدمة الدين ومن أجل رضاء الله تعالى فماذا فعلت أنت لخدمة دين الله تعالي ولدعوة الله تعالى بل للأسف الشديد اكتفينا بالدعاء بدون العمل!!!

فتركنا الهمة العالية لخدمة دين الله تعالى من أجل شهوات الدنيا رغم أن إبليس عليه لعائن الله تعالى نفسه لديه همة عالية ويضع كلمة [فانطلقا ] أمام عينه وأصبح مسرعًا لتحقيق هدفه وهو إقحامك في نار جهنم فبعد أن يصفد في شهر رمضان وفور أن يُفك أسره ليلة العيد " فانطلقا" ينطلق مسرعًا فينطلق إلي الزوجة في منزلها ليدعوها لتنظيف المنزل وتجهيز كعك العيد من أجل أن تنشغل عن ليلة العيد والعبادة في هذه الليلة ويمل الزوج من التنظيف فيذهب للقهوة ليجلس عليها فينطلق إبليس للنساء الكاسيات العاريات يدعوهم للاحتفال بليلة العيد وتعويض ما فات من عدم فتنتهم للرجال في شهر رمضان فيدعوهم فيمروا من أمام الشباب علي المقاهي وعلي نواصي الشوارع فينظرون إليهم ليتحقق فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه واّله وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» (رواه مسلم: [2657] ) .

انطلاقة رهيبة للشيطان لتحقيق هدفه وينجح في إفساد عملك وحسناتك التي جمعتها خلال شهر رمضان وكأنه يحق فيك قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } [الفرقان : [23] ]

فيعيدك لترك الصلاة وأطلاق العنان لبصرك لتري المحرمات وتنظر للنساء وتعود للرشوة وتعود للسرقة وتعود للاستماع إلي الغناء.

وانظر إلي قيمة الانطلاقة في سبيل الله تعالى فترى المهاجرين خلال ثلاثة عشر عامًا من قيام الليل وتربية على يدي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتحمل المصاعب والتعذيب ثم الهجرة المباركة للمدينة فأسلم من أسلم بالمدينة وبدأت الصحابة بالانطلاقة المباركة وتذكر بأنه هناك فارق بين المهاجرين والأنصار ثلاثة عشر عامًا الأنصار لم تحضر بدار الأرقم ابن الأرقم، الأنصار لم تهاجر الهجرتين للحبشة وبدأت الانطلاقة فانطلقوا ولم يتأثروا بوجود أبا بكر الصديق رضى الله عنه ولا عمر بن الخطاب السابقون السابقون ولم يكن لهم شغل شاغل إلا أنفسهم فانطلقوا إلي الله تعالى وبعد فترة وجيزة تظهر النتيجة سعد بن معاذ من الأنصار يهتز عرش الرحمن لموته , حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة, خبيب بن عدي بطل علي الصليب, معاذ بن جبل عن أنس قال: قال رسول الله: «أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل» (رواه الامام أحمد) .

ما أعظمها من نتيجة كفاح ونجاح رغم فارق الإسلام والإيمان بين الصحابة ولكن نجحوا في الوصول للقمم العالية كل هذا من أجل الصدق مع الله تعالى

السؤال ماذا فعلت هل ستغسلك الملائكة، هل سيهتز عرش الرحمن لموتك، هل ستزاحم الصحابة والتابعين على حوض الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم ؟!!

وانظر الي الصحابي الجليل أنس بن النضر في غزوة أحد إذ قال الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ ، قَالَ :«انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ ، فَقَالَ : مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ فَقَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ، فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وَبِهِ سُمِّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ» (دلائل النبوة للبيهقي: [1129] ) .

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [سورة الاحزاب: [23] ] .

بل الأعظم من ذلك وزن الرجال فهناك رجال لا يساوي أن يقال عنه رجل ورجل يساوي رجل ورجل يساوي ألف ومن هؤلاء الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد.

وهؤلاء الذين أرسلهم عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص مدداً لفتح مصر لما أبطأ عليه الفتح؛ (كما في كنز العمال وغيره) . قال عمر رضي الله عنه: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف.

 

النماذج كثيرة وعظيمة للوصول الي رضاء الله تعالى وإلي أعلي الدرجات لا يشترط سبق هجرة في التوبة ولا يشترط سن صغير أو كبير تحتاج قلوب صافية صادقة لله تعالى.

هل تستطيع أن تكون من الرجال الذين صدقوا مع الله تعالى ؟ هل تستطيع أن تكون سبب لنصر الاسلام ؟ هل تستطيع أن تكون رجل بألف ؟ هل تستطيعي أن تكوني مثل أمنا سمية ؟!!

ماذا تستطيعوا أن تفعلوا لنصرة دين الله تعالى ؟!

لحظة صدق مع النفس ونقوم بوضع نقطة ومن أول السطر لنعود لله تعالى بصدق .

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين