(4) من اعتقد أن هدي غير النبي أفضل من هديه (3)

عبد الله بن حمود الفريح

يتحدث الكاتب عن حكم الحاكم بغير ما أنزل الله وحكم المحكوم

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - الشرك وأنواعه -

المسألة الخامسة:
قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وورودها بالظلم والفسق كيف توجيهها.

قال ابن عثيمين في فتاوى العقيدة صـ( 128):
"قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]

وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟

فنقول:
1- من لم يحكم بما أنزل الله استخفافًا به أو احتقارًا له أو اعتقادًا أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفرًا مخرج عن الملة.

2- ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به ولم يحتقره ولم يعتقد أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره تسلطًا على المحكوم وانتقامًا منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر، وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.

3- ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافًا بحكم الله ولا احتقارًا ولا اعتقادًا أن غيره أصلح وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم".

وأجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في فتوى رقم (7541) وهذا نص الفتوى:
س: من لم يحكم بما أنزل الله هل هو مسلم أم كافر كفرًا أكبر، وتقبل منه أعماله؟
ج: قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة 44]، وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، وقال تعالى:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزًا فهو كفر أكبر، وظلم أكبر، وفسق أكبر يخرج من الملة، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك، فإنه آثم يعتبر كافرًا كفرًا أصغر، وفاسقًا فسقًا أصغر لا يخرجه من الملة، كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة.

    عضو                        نائب رئيس اللجنة                      الرئيس
عبدالله الغديان                عبد الرزاق عفيفي                  عبدالعزيز بن عبدالله باز

المسألة السادسة: المحكوم بغير ما أنزل الله هل يكفر بذلك؟
كأن يتحاكم شخص إلى غير ما أنزل الله فهذا يسمى محكومًا بتلك القوانين الطاغوتية الوضعية فهذا كفره متعلق بقبوله لغير شريعة الله، ورضاه بها، إضافة إلى ذلك فإن متابعة هذا المحكوم وقبوله لغير الشريعة من خلال تحاكمه إلى غير ما أنزل الله تعالى، وأيضًا هذا الذي تحاكم إلى غير ما أنزل الله قد يكون ممتنعًا عن قبول حكم الله وحده، أو مجّوزًا للحكم بالطاغوت وقد أمر أن يكفر به، أو مفضلًا لحكم الطاغوت على حكم الله تعالى، أو مسوِّيًا بينهما، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} [النساء:60-61] (انظر نواقض الإيمان القولية والعملية صـ 332)

ولعل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يوضح هذه المسألة على قوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31].

يقول ابن تيمية في معنى هذه الآية:
"هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله إتباعًا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركًا ـ وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم ـ فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركًا مثل هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتًا لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم، ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما الطاعة في المعروف» (انظر مجموع الفتاوى 7/70) 

 وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى العقيدة صـ (131):
"إتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بقولهم مقدمًا له ساخطًا لحكم الله، فهو كافر لأنه كره ما أنزل الله، وكراهة ما أنزل الله كفر لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر.

القسم الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بحكم الله وعالمًا بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك فهذا لا يكفر ولكنه فاسق. فإن قيل: لماذا لا يكفر؟ أجيب: بأنه لم يرفض حكم الله ولكنه رضي وخالفه لهوى في نفسه فهو كسائر أهل المعاصي.

القسم الثالث: أن يتابعهم جهلًا يظن أن ذلك حكم الله فينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرّط أو مقصّر فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم.
القسم الثاني: أن يكون جاهلًا ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بغرض التقليد يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه، لأنه فعل ما أمر به وكان معذورًا بذلك "

قول المصنف: "كالذين يفضلون حكم الطواغيت".

المسألة السابعة: من هم الطواغيت؟
الطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، وأجمع ما قيل في تعريف الطاغوت ما ذكره ابن القيم رحمه الله بأنه: " ما تجاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع "

فالمتبوع مثل: الكهان، والسحرة وعلماء السوء حين ينزلون فوق منزلتهم التي جعلها الله لهم.

والمعبود مثل: الأصنام.

والمطاع مثل: الأمراء الخارجين عن طاعة الله، فإذا اتخذهم الإنسان أربابًا، يحل ما حرم الله من أجل تحليلهم له، ويحرم ما أحل الله من أجل تحريمهم له، فهؤلاء طواغيت، والفاعل تابع للطاغوت. (انظر القول المفيد 1/30 ).

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأصول الثلاثة صـ 15:
"والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادَّعى شيئًا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].

فمن فضل حكم طاغوت من الطواغيت على حكم الله عز وجل ورسوله فقد مرق من ملة الإسلام.