مواعيد رفع التقارير
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي النازل من السماء واكتمل القرآن الكريم، وهو ما كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من جمع القرآن الكريم في مصحف جامع، ولما وقعت معركة اليمامة بين الصحابة وقوات مسيلمة الكذاب سنة 11 للهجرة، والتي انتصر فيها الصحابة رضوان الله عليهم وقتلوا الدجال مسيلمة الكذاب لكن بعد أن استشهد حوالى 450 من الصحابة رضوان الله عليهم.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي النازل من السماء واكتمل القرآن الكريم، وهو ما كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من جمع القرآن الكريم في مصحف جامع، ولما وقعت معركة اليمامة بين الصحابة وقوات مسيلمة الكذاب سنة 11 للهجرة، والتي انتصر فيها الصحابة رضوان الله عليهم وقتلوا الدجال مسيلمة الكذاب لكن بعد أن استشهد حوالى 450 من الصحابة رضوان الله عليهم.
ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة يحفظ القرآن الكريم كاملاً أو أجزاء عديدة منه، فباستشهادهم خشي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يضيع القرآن الكريم مع استشهاد حفظة القرآن الكريم لأنهم كانوا في طليعة المجاهدين والشهداء، وطلب من الصديق أن يجمع القرآن الكريم كاملاً ولا يبقى مفرقًا بين الناس حتى لا تضيع بعض آياته بموت صاحبها في الجهاد، وقد كان الصحابة يحتفظون بقطع من القرآن الكريم على قطع الجلود والعظام وعسب النخل. وقد تردد الصديق في قبول اقتراح الفاروق رضي الله عنهما، لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بإلحاح الفاروق وافق الصديق على جمع القرآن وكلّف زيد بن ثابت بهذه المهمة.
وجمع القرآن الكريم هو أحد الأمثلة المتقدمة على السياسة الشرعية الإسلامية وأنها سياسة اجتهادية متغيرة وليست سياسة دينية جامدة، وأن الإسلام والشريعة لا يقفان في طريق تحقيق المصالح الصحيحة والأكيدة للأمة، ومثل ذلك اتفاق الصحابة على تولية الصديق الخلافة بعد حوار طويل في سقيفة بني ساعدة.
وتكليف زيد بن ثابت بقيادة لجنة جمع القرآن الكريم هو أول أمثلة عبقرية الصحابة رضوان الله عليهم في جمع القرآن الكريم، فاختيار زيد الشاب رغم وجود أشياخ المهاجرين والأنصار لهو ترسيخ لسياسة النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم الكفاءة والشباب للمواقع القيادية كما فعل بتولية أسامة بن زيد قيادة الجيش، فزيد بن ثابت كان من كتبة الوحي وحفظة القرآن الكريم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن وكان يتصف بالتقوى والورع والديانة، وهو شاب يستطيع أن يقوم بالمهمة على مشقتها، كما أن شبابه سيحد من تعنته وتعصبه لرأيه إذا حصل خلاف في جمع القرآن الكريم.
ولم يكن هذا الجمع للقرآن الكريم مهمة فردية بل شارك كبار الصحابة في تنفيذها، منهم أبو بكر الصديق والفاروق وغيرهما، فقد كان يجلس زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب على باب المسجد النبوي بأمر الصديق: "اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه" (رواه أبو داود)، وشارك عدد من الصحابة بكتابة قراءة أبَيّ بن كعب عليهم، فالعلانية والجماعية والشفافية هي مظهر العبقرية الثاني في جمع القرآن الكريم.
أما المظهر الثالث لعبقرية الصحابة في جمع القرآن الكريم فهو في المنهج العلمي الدقيق لهذا الجمع، والذي هو نتاج ذاتي وليس تقليدًا لتقاليد علمية سابقة أو بالاستعانة بخبرات أجنبية، وهذا المنهج كان يقوم على ما يلي:
1- الاعتماد على النص المكتوب وليس المحفوظ.
2- توفر شاهدين على أن هذا المكتوب كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3- التأكد أن هذا المكتوب موافق للعرضة الأخيرة لجبريل مع النبي عليهما السلام.
4- بعد توفر هذه الشروط تكتب الآيات بترتيبها في السور الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أوراق أو جلود مخصوصة جمعت القرآن الكريم كله.
وقد التُزم في هذا الجمع بكل الضوابط السابقة بدقة صارمة، حتى إنه روي أَنَّ عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم، فلم تُقْبل منه؛ لأنه كان وحده.
وقد تميز جمع الصديق للقرآن الكريم بإجماع الأمة عليه وتحقق التواتر له، وتحققت أعلى درجات العلمية والموضوعية، وكان مرتب الآيات في السور دون ترتيب السور -حيث تم ترتيب السور في مصحف عثمان-، وجمع ما ثبت أنه من القرآن من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
فعبقرية الصحابة رضوان الله عليهم منحت المسلمين ليوم القيامة التفاخر والاعتزاز بسلامة كتابهم بخلاف ما حدث للأمم السابقة، فالقرآن الكريم جمع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة واحدة في حين أن الكتب السابقة ما وصل منها إلينا كتب بعد وفاة أنبيائها بعشرات أو مئات السنين، وجمع القرآن الكريم من عموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة شفافة وعلنية مع وضع معايير وضوابط شديدة الدقة، واتفق المسلمون عليه ولم يقع بينهم نزاع كما حدث بين أهل الكتب السابقة.
وبقيت هذه الصحف أو الجلود التي جمعت القرآن الكريم عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم انتقلت لعمر بن الخطاب بعد وفاة الصديق، وانتقلت لحفصة بعد وفاة الفاروق رضي الله عنه، وهي التي طلبها عثمان بن عفان لينسخ منها المصاحف للأمصار، وهو حديثنا القادم.
أسامة شحادة