سمعنا.. وأطعنا
سهام عبيد
(سمعنا وأطعنا).. هذا هو قول المؤمنين المفلحين؛ يأمرهم الله تعالى فيأتمرون بأمره، وينهاهم فينتهون؛ يقفون عند حدود الله ويعظمونها؛ لا يترددون ولا يتلكأون ولا يعرضون الأمر أولا على عقولهم وأهوائهم ثم إن وافق الأمر هواهم تقبلوه وإن لم يتماشى مع عقولهم ضربوا به عرض الحائط.
- التصنيفات: تزكية النفس -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله خير المرسلين، وبعد:
نحب الله؟ نعم جميعنا نحب الله عز وجل.
ونحب رسول الله؟ نعم جميعنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن: هل نسمع كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! معظمنا إن لم يكن جميعنا سيقف.. ويفكر.. ويتردد.. عند الإجابة عن هذا السؤال.
إخواني وأخواتي الكرام: قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].
(سمعنا وأطعنا).. هذا هو قول المؤمنين المفلحين؛ يأمرهم الله تعالى فيأتمرون بأمره، وينهاهم فينتهون؛ يقفون عند حدود الله ويعظمونها؛ لا يترددون ولا يتلكأون ولا يعرضون الأمر أولا على عقولهم وأهوائهم ثم إن وافق الأمر هواهم تقبلوه وإن لم يتماشى مع عقولهم ضربوا به عرض الحائط.
إن المؤمنين الصادقين لا يتركون مجالا لأهوائهم أن تتحكم فيهم عند نزول أمر الله سبحانه وتعالى لهم؛ بل هم كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. لا اختيار ولا مناقشات ولا أسئلة؛ بل هو (السمع والطاعة).
نجد منا من إذا ذكرت له حديثًا أو آية قرآنية يقوم بتأويلها على هواه ليصل إلى ما يوافق شيطانه، ويضرب بأوامر الله ورسوله عرض الحائط. ونجد من يجادل ويسأل: ولماذا هذا الأمر؟ وما فائدة هذا الحكم؟ وما الذي سنستفيده من هذا النهي؟ ويريد أن يصل بعقله الصغير لمعرفة الحكمة من وراء كل حكم إلهي وأمر نبوي..
لقد قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31]. إذًا.. فهذا هو المقياس والمعيار الذي نستطيع من خلاله أن نعرف إن كنا فعلا نحب الله ورسوله. المقياس هو مدى استجابتنا لأوامر الله ورسوله. فلينظر كل منا إذا إلى حاله!!
إن هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله تعالى وليس متبعًا لنبيه محمد صلى الله عيه وسلم حق الاتباع، مطيعًا له في أمره ونهيه، فإنه كاذب في دعواه حتى يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم حق الاتباع. يقول أبو سليمان الدّارانيّ: "لمّا ادّعت القلوب محبّة اللّه عزّ وجلّ أنزل اللّه هذه الآية محنة" (أي اختبارا وامتحانا لهذه القلوب).
لننظر أعزائي معًا إلى بعض الأمثلة التي ضربها الصحابة رضوان الله عليهم في حسن السمع والطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. ولنتعرف على البون الشاسع بيننا وبينهم.
لقد كانت الخمر بالنسبة للإنسان العربي أنيسَه ولا يمر يوم دون أن يشربها ومع ذلك لما نزل الأمر الإلهي بتحريم الخمر.. ما تلكؤوا وما تباطؤوا بل لبوا فورا. لما نزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90، 91]. قالوا: انتهينا.. انتهينا، وسكبوا الخمر التي كانت في أيديهم.
ما ترددوا، وما قالوا: طيب ننتظر إلى الغد أو إلى الأسبوع القادم حتى نؤقلم أنفسنا ونعتد الأمر. لا، والله ما قالوا إلا (سمعنا وأطعنا).
والآن نرى من يدخن السجائر والشيشة (والنساء لسن بمنأى عن ذلك وقد رأيت ذلك بأم عيني حتى في بلاد الحرمين).. وإذا قيل له هذا حرام! قال: "لا أستطيع أن أتركها"!! فعجبًا لهم.
وانظري يا أختاه إلى نساء الأنصار لما نزلت آية الحجاب وقرأها عليهن أزواجهن.. تُرى ماذا فعلن رضي الله عنهن؟؟ لقد قمن فورًا في ذات التو واللحظة وشققن مروطهن واختمرن بها، ولم يؤجلن ذلك إلى الغد حتى يشترين أقمشة جديدة ويحكنّها ثم يرتدينها، بل نفذن الأمر دون تباطؤ رضي الله عنهن لأنهن وعين جيدًا معنى كلمة (السمع والطاعة)؛ تلك الكلمة التي عاهدن عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
والآن ماذا؟ نساؤنا متبرجات إن قلت لإحداهن: أين الحجاب الشرعي؟ تحججت بالجو الحار، وصعوبة التنفس، وصغر السن، واختلاف المجتمع؛ فنحن في القرن الحادي والعشرين.. وأن ما نزل منذ ثلاثة عشر قرنا لا مكان له الآن!!
فأين نحن من الصحابيات رضي الله عنهن.. وأين نحن من كلمة (سمعنا وأطعنا)؟!
لقد كان الأمر الإلهي ينزل عليهم رضي الله عنهم -لا أقول فيستجيبون له؛ بل يسارعون في الاستجابة له-. لقد كان هناك رجل يرتدي خاتما من ذهب فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم نزعه من يده وألقاه على الأرض، وقال: «
».. فعلم الرجل أن لبس الذهب حرام على الرجال.. فلما غادر النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: خذ الخاتم وانتفع به.. فلتبعه وتنتفع بثمنه.. لكنه أبى وقال: لن آخذ شيئًا طرحه النبي صلى الله عليه وسلم.فانظر رحمكِ الله إلى كمال السمع والطاعة!
وها هو ابن مسعود رضي الله عنه يضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك؛ ففي ذات مرة كان يخطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وكان ابن مسعود في الشارع لم يصل بعد، فقال النبي: اجلس، وإذا بابن مسعود يجلس في الأرض في الشارع بعد الصلاة، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيجد ابن مسعود جالسًا، فيقول له: ما بالك؟ فيقول ابن مسعود: يا رسول الله! سمعتك تقول: اجلس، فجلست. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: اجلس لمن دخل وهو يخطب وأراد أن يصلي ركعتين، فمنعه من ذلك ليسمع الخطبة.
فسبحان الله العظيم!!
وفي يوم تحويل القبلة يضرب لنا الصحابة مثالا يُحتذى في التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم. لقد كانت القبلة إلى بيت المقدس ثم بعد ذلك تحولت إلى بيت الله الحرام فاستجاب الصحابة رضوان الله عليهم ولم يسألوا عن السبب، بل إنهم كانوا في صلاتهم فجاء من أخبرهم أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت الحرام فتحولوا وهم في الصلاة إلى جهة بيت الله الحرام.
تخيلي أخي الكريم وتصوري أختي الحبيبة هذا الموقف الرائع: لم يكملوا حتى صلاتهم تلك إلى بيت المقدس ثم يتحولوا في الصلاة القادمة إلى بيت الله الحرام، بل انقادوا وسلموا لحكم الله تعالى. فسبحان من حباهم تلك القلوب التقية النقية التي تسمع فتطيع!!
إخواني وأخواتي الكرام.. إن [المسلم عبدٌ لله تعالى، يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك بحماس، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها، لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه].
كم من الأوامر والنواهي التي سمعناها ولكننا للأسف الشديد فعلنا كما فعل اليهود وقلنا كما قالوا!
وماذا قالوا؟
قالوا: (سمعنا وعصينا). فكانت عاقبتهم أن غضب الله عليهم، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
نريد أن نقف وقفة مع أنفسنا، وأن نعاهد الله سبحانه وتعالى على السمع والطاعة؛ على الانقياد والاستسلام، حتى نكون ممن بشرهم الله سبحانه وتعالى فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء:13]، وقال عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52].
جعلنا الله وإياكم من الفائزين السعداء، رفقاء الأنبياء والصديقين والشهداء.