نعيم القبر أقرب من عذابه

اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

  • التصنيفات: الموت وما بعده -

لقد تعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وجعل ذلك سنة وذكر في كل صلاة؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» (متفق عليه).


فلئن كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف ويستعيذ من عذاب القبر، فنحن من باب أولى.


كان صاحبي يجادلني أن عذاب القبر يصيب كل إنسان لا محالة، وأنه من الأمور التي تخيفه كثيرًا:
- لقد تعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الأربع وجعلها ذكرًا بعد التشهد الأخير من كل صلاة؛ تعليمًا لأمته وبيانًا لشدتها، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم حفظ من كل الفتن وليس له إلا أعلى درجات النعيم في القبر والحشر وفي الجنة، وعمومًا المؤمن يؤمن بعذاب القبر ويخاف أن يصيبه هذا العذاب، ولكن المتتبع للأحاديث الصحيحة يرى أن نعيم القبر أقرب من عذابه للمؤمن.


استغرب صاحبي مقولتي:
 هات مزيد تفصيل، فهذه العبارة (قوية).
- أولاً: أحاديث خروج الروح كلها تبين حسن حال المؤمن وبشارته لحظة الاحتضار، نحن هنا لا نتكلم عن سكرات الموت وضمة القبر، فهذه واقعة للجميع، ولكن نتكلم عن العذاب بعد ذلك، فإن المؤمن في مأمن من عذاب القبر، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت إذا وضع في قبره فإنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل، فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد دنت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقول له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال: هذا مقعدك منها وما أعده الله لك؛ فيزداد غبطة وسرورا، ثم يفسح له في قبره سبعين ذراعا وينور له فيه» (حسنه الألباني).

هذا حديث جميل مبشر.


- وهناك الكثير من الأحاديث التي تبشر المؤمن الذي أدى الفرائض بنعيم القبر.
أما الكافر فله العذاب في القبر، كما في صحيح الجامع الصغير: «وأما الكافر والمنافق، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطراق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه».


- وماذا عن حديث «يعذبان، وما يعذبان في كبير» (صحيح البخاري)، وحديث العذاب نتيجة الدين؟


- هذه ذنوب ينال العبد العذاب عليها في القبر، وهي عدم التنزه من البول، والنميمة، والغلول، والدين، فإذا أدي الدين عنه توقف العذاب، وإذا نال ما يستحق من العذاب على هذه الذنوب توقف العذاب، أما الأصل فإن المؤمن المؤدي للواجبات والأركان المتجنب للذنوب والمستغفر مما وقع فيها يكون حاله في القبر خيرا بإذن الله، ويبقى المؤمن بحاجة إلى أن يستعيذ بالله من عذاب القبر؛ لأنه لا يدري ما الذي سيصيبه، ولكنه يرجو أن ينجو برحمة الله وبما أدى من الواجبات، وبشارة أخيرة لمن مات بمرض باطني: «من قتله بطنه لم يعذب في قبره» (صحيح الترغيب والترهيب).

 

أمير الحداد