الرُّعْبُ والرَّهَب لا يزال يهزم اليهود
إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسًا أو عُصبةً إلا ما آتاها، ومتى أعددنا ما استطعنا من قوةٍ وعتاد، وجاهدنا بأموالنا وأنفسنا في سبيل الله؛ فقد تكفَّل ربنا جل جلاله بنصرنا؛ بأن يُنزل سكينته على المؤمنين، ويُنزل جنودًا لم تروها، ويعذب الذين كفروا، ولعل أعظم جنديٍّ يهزم به عدوَّنا هو الرعب والرَّهَب، أو الخوف والوجل
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
في رحاب آية:
{مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2]. مع حلول الذكرى السنوية الأولى لمعركة الفرقان، وقد أَمْكَنَنا الله جل جلاله من صّدِّ العدوان الصهيوني الجنوني وإفشال أهدافه، يقف بعض المراقبين حائرًا متسائلًا: "كيف عجزت القوة الغاشمة أن تكسر إرادة التحدي عند قومٍ مضى عليهم محاصرين ثلاثُ سنين، فضلًا عن ضيق البُقعة الجغرافية التي يقفون عليها، ولا مقارنة بين عُدَّتِهم المُزْجاة، وقدرة العدو على إمطارهم بثلاث آلاف طُنٍّ من المتفجرات، والصواريخ، مع أحدث أسلحة الدمار الشامل من الفوسفور الأبيض، واليورانيوم المنضَّب أو المخصَّب، وغير ذلك من البوارج، والدبابات، والطائرات بأنواعها؟!".
للإجابة على هذا التساؤل أقول: إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسًا أو عُصبةً إلا ما آتاها، ومتى أعددنا ما استطعنا من قوةٍ وعتاد، وجاهدنا بأموالنا وأنفسنا في سبيل الله؛ فقد تكفَّل ربنا جل جلاله بنصرنا؛ بأن يُنزل سكينته على المؤمنين، ويُنزل جنودًا لم تروها، ويعذب الذين كفروا، ولعل أعظم جنديٍّ يهزم به عدوَّنا هو الرعب والرَّهَب، أو الخوف والوجل؛ مصداقًا لقوله تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].
وقد نزلت هذه البشارة بعد معركة بدرٍ، بينما نزل بعد معركة أُحُدٍ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}﴾ [آل عمران:151]. إن الرعب هو أمضى سلاحٍ ينصرنا به مولانا، خاصةً إذا كان صراعنا مع بني إسرائيل، ومما يشهد بذلك ما جاء في آية المقال في حَقِّ بني النضير، ثم بَشَّرَ بمثله في حقِّ يهود بني قريظة، كما في سورة الأحزاب: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب:26]. إننا لعلى يقين أن هذه هي النهاية الحتمية لليهود المغتصبين أرضَ فلسطين، الوالغين في دمائنا، المنتهكين أعراضنا، وإذا كانوا قد تمكنوا من النزوح عن غزةَ يومًا؛ فإن الجوالات القادمة ستشهد في خواتيمها وقوعهم في قبضة القسام والمقاومة، ولسوف نقيم قيهم حكم الله من فوق سبع سموات.
وإذا رغبتم في الوقوف على فعل الرُّعبِ في النفوس، فانظروا ما صنع ببني إسرائيل حين رفضوا أن يدخلوا فلسطين فاتحين قائلين: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}، وانتهى بهم الأمر أن يقولوا: {يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]. وكان عاقبة جُبْنهم أنه جل وعلا قد حَرَّمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، بل يموت شيوخهم ورجالهم في التيه، ويخرج من بَنِيهم وأصلابهم من يجاهد في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، وما أشبههم بزبائن أوسلوا اليوم، وقد مات كثير من قيادتهم من الحرس القديم، وكنا نحن الوارثين، فانتزعنا لواء الصمود والمقاومة، ولن ندعه أو نضعه حتى يحكم الله بيننا وبين يهود، وهو خير الحاكمين.
ولعل أسوأ مظاهر الرعب والخَوَر ما خَلَعه سبحانه على المنافقين؛ إذْ وصفهم بأنهم إذا أُنْزِلتْ سورة مُحْكَمَةٌ، وذُكِرَ فيها القتال؛ أي الأمر به، رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشيِّ عليه من الموت، وكان ذلك فيما نزل فيهم بعد المعركة الثانية في أُحُدٍ، كما في سورة محمد (20) حتى إذا كان يوم الأحزاب رأينا مصداق ذلك عمليًا فيهم، فقد وصفهم ربهم فقال: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب:19]. لذلك فقد ظلوا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا، رُغْم توليهم الأدبار،ولو أتى الأحزاب تارةً أخرى؛ فإنهم يودون لو أنهم بَادُونَ في الأعراب يسألون عن أنبائكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلًا.
وقد تلاشى النفاق إلى حدٍّ كبيرٍ بعد هزيمة الأحزاب، وبالأخص يوم الحديبية، وفي العامين اللذين سبقا فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، ثم أَطَلَّ من جديد، وظهر في أولئك الذين لو أرادوا الخروج إلى تبوك لأَعَدُّوا له عُدَّةً، وراحوا يعتذرون عن النفير بالتحوط من الوقوع في فتنة الفاحشة، حين يرون نساء بني الأصفر وفيهن خِلابة، وقد وقعوا بذلك في فتنة التثاقل إلى الأرض، والقعود عن فريضة القتال، والتخلف عن رسول الله، والرغبة بأنفسهم عن نفسه، والصحيح أنهم إنْ يريدون إلا فِرارًا؛ حتى قال الذي تولى كِبْرَهُ منهم: "يظنُّ محمد وأصحابه أن قتال بني الأصفر كقتال العرب، واللهِ لكأني أنظر إليهم غدًا مُقَرَّنِينَ في الحِبال".
وهنا نتساءل عن وجوه الرعب التي جعلت الصهاينة في حاجة إلى أسبوعين كاملين، وهم يراوحون مكانهم في الحرب البرية، ويقتصرون في توغلهم على الأطراف والمناطق غير الآهلة بالمواطنين؟ لقد تَخَوَّفَ المعتدون من المفاجآت التي تُلْحِقُ بهم من الخسائر البشرية ما لا يطيقون، كما وَجِلوا من أن تتمكن المقاومة من أَسْرِ بعض الجنود؛ ليكونوا زملاء لشاليط، يؤنسون وحشته، ولم يتورعوا حين وقع بعض الأفراد في الأَسْرِ أن يقتلوهم وأسيرهم قصفًا من الجو.
وقد كان اليهود يتوجسون من تقرير فينوغراد (2) على غرار فضيحتهم في لبنان عام 2006م، ولكن الله جل جلاله قد أَحَلَّهم دار البوار، وكان فينوغراد، ولكن بصواريخ (غراد) التي صّدَّقَتْ بها المقاومة ما توعَّدت به من توسيع بقعة الزيت والنار، وكان تقرير غولدستون.
إن آية المقال تُصّوِّرُ مدى إحكام القُرى المحصَّنة والجُدُر عند بني النضير؛ حتى ظننا أن لن يخرجوا، وظنوا هم أن تلك الحصون تنصرهم من بأس الله إذا جاءهم، غير أنه جل وعلا قد جاءهم من حيث لم يحتسبوا؛ فإنه يَحُولُ بين المرء وقلبه، فقد قذف في قلوبهم الرعب، فَرَضُوا بالجلاء، وطَفِقوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين؛ ليعتبر أولو الأبصار، فلا يرهبوا اليهود ولا حصونهم، ولا يغرنَّهم تَقَلُّبُهم في البلاد، حتى لو عَلَوْا عُلُوا كبيرًا، حتى نظلَّ أولي بأسٍ شديد، ونبقى أكثر نفيرًا؛ فإننا على موعدٍ مع إساءة وجوههم كَبْتًا وأَسَىً وحُزْنًا، وتتبير ما عَلَوْهُ تتبيرًا؛ فإن الله لا يصلح عمل المفسدين، ويحق الحقَّ بكلماته، ولو كره المجرمون.
إن مظاهر هذا الرعب عندهم اليوم أن التهدئة غير المعلنة منذ عام لا تعود إلى رغبتهم في السلم، إنما هي بسبب اعتقادهم أن عدوانًا لا زال محفوفًا بخطر مراكمة الهزائم، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليقضي أمرًا كان مفعولًا.
يونس الأسطل